الأسواق الشعبية في جدة تصمد أمام «المولات» في رمضان

رغم الإقبال الواسع على المجمعات العصرية

أحد ممرات سوق الكندرة وسط مدينة جدة («الشرق الأوسط»)
أحد ممرات سوق الكندرة وسط مدينة جدة («الشرق الأوسط»)
TT

الأسواق الشعبية في جدة تصمد أمام «المولات» في رمضان

أحد ممرات سوق الكندرة وسط مدينة جدة («الشرق الأوسط»)
أحد ممرات سوق الكندرة وسط مدينة جدة («الشرق الأوسط»)

تشهد مختلف أسواق محافظة جدة حركة متواصلة واستعدادا لافتا لاستقبال شهر رمضان المبارك، حيث يكثر مرتادوها لتأمين متطلبات واحتياجات الشهر الكريم من مواد غذائية وأدوات منزلية في عادات اجتماعية تتكرر كل عام، لما لذلك من فرحة وابتهاج تكسو مشاعر الأسر والعوائل بمنطقة مكة المكرمة بشكل عام، وجدة على وجه الخصوص، لتميزها بوجود المنطقة التاريخية التي تحتفظ بين جنباتها بمظاهر الحركة في أسواقها القديمة، كونها وجهة حضارية وجزءا مهما من الهوية الثقافية والحضارية لمدينة جدة وللمملكة بأسرها، لما تحويه من تراث ثقافي ومعماري مميز، مما جعلها تصمد أمام المراكز التجارية الحديثة «المولات».
وأبرز ما يميز شوارع المنطقة التاريخية الضيقة في شهر رمضان المبارك تزيينها بالمصابيح واللوحات الترحيبية التي تعطي لهذه الشوارع بعدا آخر ينبض بالحياة في ليالي شهر رمضان المبارك، التي تعطي للمرتادين الرغبة الشديدة في زيارتها من مختلف الجنسيات سواء المقيمون والسائحون والحجاج والمعتمرون من خارج المملكة، الذين يستهويهم التجول بالمنطقة التاريخية سيرا على الأقدام، في أجواء تحتفظ بطابعها الشعبي الحجازي لزيارة أسواقها القديمة المشهورة المتميزة بنوعية بضائعها وأسعارها.
وتضم هذه الأسواق الشعبية القديمة التي تحاكي التراث بشكل كبير سوق البدو وقابل والعلوي والندى والخاسكية وباب مكة وباب شريف، التي تعد رمزا لجدة القديمة وحافظة لهويتها ومثبتة لجذورها وبرهانا على أصالتها، والتي شهدت تطورا حتى في السلع التي تبيعها، فتلتقي فيها السلع القديمة بالحديثة، وهي محطة لا بد أن تجذب زوار المحافظة للوقوف عليها، والتسوق منها، وأهم بضائعها الأقمشة والأحذية والذهب وجميع مستلزمات المناسبات من حلوى وساعات وأجهزة كهربائية، وهي هدف ومقصد لزوار المحافظة قديما وحديثا.
ويختص سوق باب مكة (بحسب تقرير نشرته وكالة الأنباء السعودية) أمس، بالكامل بالمواد الغذائية والتموينية، بدءا من التمور إلى الحبوب المطحونة وغير المطحونة والعسل بأنواعه إلى الأواني المنزلية، وعلى جانبي أحد الطرق في سوق باب مكة، تجد بعض الباعة ينشرون بضائعهم على الأرض التي تتركز على الخضراوات والفاكهة بالإضافة إلى بعض المستلزمات المنزلية.
وينتشر على امتداد الشارع الضيق للسوق عدد كبير من محلات اللحوم ونوعيات معينة من البقالات، التي تتركز معظم بضائعها حول الأجبان والزيتون، تشعر الزائر للمنطقة التاريخية بعبق الماضي ونوعية التسوق فيها، ولها روادها ومرتادوها.
كما يقع سوق البدو بالقرب من بوابة مكة التي كانت من مكة المكرمة وإليها، وكانت في الماضي قوافل المزارعين والإنتاج الزراعي من الحبوب والتمور وغيرها، وحتى صهاريج المياه تفد منها وإليها عن طريق بوابتها.
ويلاحظ الداخل من باب مكة حاليا وجود شارعين طويلين متفرعين؛ أحدهما على ناحية اليمين يؤدي إلى سوق البدو، والآخر على ناحية الشمال، ويؤدي إلى سوق العلوي، ولكن المهم في سوق البدو هو أن الشارع الضيق الذي يقع عليه يقود إلى أقدم معلم من معالم جدة، هو المسجد الجامع العتيق، كما أنه سوق معروفة بكثير من الأنشطة، ويمتاز بوجود أعرق الأسر الجداوية.
ويرجع تاريخ سوق البدو، كما تشير كتب التاريخ، إلى 140 عاما، وكانت في الأساس مخصصة لكل مستلزمات القهوة العربية الأصيلة، وكل من يقترب من هذه السوق يشم عن بعد روائح الهيل والقرفة والزنجبيل والزعفران، ثم تتوالى أقسام السوق المختلفة التي تضم الأقمشة والبهارات والحبوب، وكل ما كان يجذب سكان البادية، وتميز سوق البدو فيما مضى عن بقية الأسواق الشعبية ببضاعته التي تحمل طابع حياة البادية ومع بعض التغيرات التي طرأت على السوق ما زالت البضائع نفسها تباع، ولكن لم تعد بضائع البادية موجودة كما في السابق.
وخضع سوق البدو طبقا لخطط الهيئة العامة للسياحة والآثار لبرنامج إعادة إحيائها ببعض ملامحها التاريخية القديمة، ومنها إعادة بيع الثياب البدوية النسائية عن طريق مشاغل نسائية محلية، وتشجيع من بقي من أصحاب محال تلميع الذهب والفضة على الاستمرار في هذه السوق، وهم يشهدون إقبالا من الأجانب على شراء التحف الفضية القديمة الخاصة بأعراس بعض مناطق المملكة ومحافظاتها.
ويعرف سوق الخاسكية بسوق «السبحية»، حيث تكثر فيه محال بيع السبح، ويقع جنوب غربي شارع قابل، ووجد فيه محال الفوالة والمطاعم والمطابخ والمطبقانية، وتعد السوق من أهم محطات المقيمين ممن يعملون في جدة، وكذلك الزوار والحجاج والمعتمرون لشراء التذكارات، مثل المسابح والأواني الفخارية والأقمشة وغيرها من الأشياء التي تحفل بها محال السوق المحتفظة بطابعها الشعبي، دون تحديث لها.
وتعد سوق العلوي بجدة الفاصل بين حارة المظلوم شمالا وحارة اليمن جنوبا بين شارع قابل وشارع سوق البدو، وتتميز سوق العلوي بعرض كثير من السلع والبضائع كالملابس والبهارات والمستلزمات المنزلية وغيرها، أي أنها تشارك سوق البدو في كثير من بضائعها.
وظهرت بالإضافة إلى هذه الأسواق الرئيسة في جدة القديمة بعض الأسواق والخانات المعروفة، أهمها سوق السمك «البنقلة» وسوق الجزارين بالنوارية وتقع في نهاية شارع قابل، والسوق الكبيرة وتباع فيه الأقمشة وسوق الحبابة وتقع في باب مكة، وسوق الجامع نسبة إلى جامع الشافعي، وسوق الحراج «المزاد العلني» في باب شريف، وسوق العصر وتقع في باب شريف، ويقام عصر كل يوم، وسوق البرادعية وكان تصنع فيها برادع الحمير والبغال وسروج الخيل عند عمارة الشربتلي، وسوق باب شريف، ويباع فيها الأقمشة، بالإضافة إلى الخانات في جدة القديمة والخان هو ما يسمى بالقيسارية، أي الأسواق التي تتكون من مجموعة محال تفتح وتغلق على بعضها، أهمها خان الهنود وخان القصبة.
الجدير بالذكر، أنه كانت للأسواق الشعبية بضاعتها الخاصة الفاخرة أيضا فكما أن المراكز التجارية الكبرى في الوقت الحالي تسوق للماركات العالمية الشهيرة والسلع المستوردة غالية الثمن، فكانت الأسواق الشعبية في جدة القديمة تجلب الأقمشة الفاخرة والحرائر المطرزة من الهند وباكستان ومصر والمغرب وغيرها.



مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
TT

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)

أكد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، أن إيران والسعودية تعتزمان إرساء السلام وديمومة الهدوء في منطقة متنامية ومستقرّة، مضيفاً أن ذلك يتطلب «استمرار التعاون الثنائي والإقليمي وتعزيزه، مستهدفين تذليل التهديدات الحالية».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش زيارته إلى السعودية التي تخلّلها بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، خلال لقاء، الاثنين، مع وليد الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، قال روانجي: «الإجراءات الإيرانية - السعودية تتوّج نموذجاً ناجحاً للتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف دوليّاً في إطار التنمية والسلام والأمن الإقليمي والدولي»، مشدّداً على استمرار البلدين في تنمية التعاون في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والقنصلية؛ بناءً على الأواصر التاريخية والثقافية ومبدأ حسن الجوار، على حد وصفه.

الجولة الثانية من المشاورات الثلاثية عُقدت في الرياض الثلاثاء (واس)

والثلاثاء، رحبت السعودية وإيران «بالدور الإيجابي المستمر لجمهورية الصين الشعبية وأهمية دعمها ومتابعتها لتنفيذ (اتفاق بكين)»، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية السعودية، أعقب الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في العاصمة السعودية الرياض.

وأشار نائب وزير الخارجية الإيراني إلى أن الطرفين «تبادلا آراءً مختلفة لانطلاقة جادة وعملية للتعاون المشترك»، ووصف اجتماع اللجنة الثلاثية في الرياض، بأنه «وفَّر فرصة قيّمة» علاقات متواصلة وإيجابية بين إيران والسعودية والصين.

روانجي الذي شغل سابقاً منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وعضو فريق التفاوض النووي الإيراني مع مجموعة «5+1»، اعتبر أن أجواء الاجتماعات كانت «ودّية وشفافة»، وزاد أن الدول الثلاث تبادلت الآراء والموضوعات ذات الاهتمام المشترك وأكّدت على استمرار هذه المسيرة «الإيجابية والاستشرافية» وكشف عن لقاءات «بنّاءة وودية» أجراها الوفد الإيراني مع مضيفه السعودي ومع الجانب الصيني، استُعرضت خلالها مواضيع تعزيز التعاون الثنائي، والثلاثي إلى جانب النظر في العلاقات طوال العام الماضي.

الجولة الأولى من الاجتماعات التي عُقدت في بكين العام الماضي (واس)

وجدّد الجانبان، السعودي والإيراني، بُعيد انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في الرياض، الخميس، برئاسة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ومشاركة الوفد الصيني برئاسة نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي، والوفد الإيراني برئاسة نائب وزير خارجية إيران للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي؛ التزامهما بتنفيذ «اتفاق بكين» ببنوده كافة، واستمرار سعيهما لتعزيز علاقات حسن الجوار بين بلديهما من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي، بما في ذلك احترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها.

من جانبها، أعلنت الصين استعدادها للاستمرار في دعم وتشجيع الخطوات التي اتخذتها السعودية وإيران، نحو تطوير علاقتهما في مختلف المجالات.

ولي العهد السعودي والنائب الأول للرئيس الإيراني خلال لقاء في الرياض الشهر الحالي (واس)

ورحّبت الدول الثلاث بالتقدم المستمر في العلاقات السعودية - الإيرانية وما يوفره من فرص للتواصل المباشر بين البلدين على المستويات والقطاعات كافة، مشيرةً إلى الأهمية الكبرى لهذه الاتصالات والاجتماعات والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، خصوصاً في ظل التوترات والتصعيد الحالي في المنطقة؛ ما يهدد أمن المنطقة والعالم.

كما رحّب المشاركون بالتقدم الذي شهدته الخدمات القنصلية بين البلدين، التي مكّنت أكثر من 87 ألف حاج إيراني من أداء فريضة الحج، وأكثر من 52 ألف إيراني من أداء مناسك العمرة بكل يسر وأمن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي.

ورحّبت الدول الثلاث بعقد الاجتماع الأول للجنة الإعلامية السعودية - الإيرانية المشتركة، وتوقيع مذكرة تفاهم بين معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية ومعهد الدراسات السياسية والدولية، التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.

كما أعرب البلدان عن استعدادهما لتوقيع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي (DTAA)، وتتطلع الدول الثلاث إلى توسيع التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية.

ودعت الدول الثلاث إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي في كلٍ من فلسطين ولبنان، وتدين الهجوم الإسرائيلي وانتهاكه سيادة الأراضي الإيرانية وسلامتها، كما دعت إلى استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى فلسطين ولبنان، محذرة من أن استمرار دائرة العنف والتصعيد يشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة والعالم، بالإضافة إلى الأمن البحري.

وفي الملف اليمني، أكدت الدول الثلاث من جديد دعمها الحل السياسي الشامل في اليمن بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دولياً تحت رعاية الأمم المتحدة.

وكانت أعمال «الاجتماع الأول للجنة الثلاثية المشتركة السعودية - الصينية - الإيرانية»، اختتمت أعمالها في العاصمة الصينية بكّين، ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وأكد خلاله المجتمعون على استمرار عقد اجتماعات اللجنة الثلاثية المشتركة، وعلى مدى الأشهر الماضية، خطت السعودية وإيران خطوات نحو تطوير العلاقات وتنفيذ «اتفاق بكين»، بإعادة فتح سفارتيهما في كلا البلدين، والاتفاق على تعزيز التعاون في كل المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية.

وأعادت إيران في 6 يونيو (حزيران) الماضي، فتح أبواب سفارتها في الرياض بعد 7 أعوام على توقف نشاطها، وقال علي رضا بيغدلي، نائب وزير الخارجية للشؤون القنصلية (حينها): «نعدّ هذا اليوم مهماً في تاريخ العلاقات السعودية - الإيرانية، ونثق بأن التعاون سيعود إلى ذروته»، مضيفاً: «بعودة العلاقات بين إيران والسعودية، سنشهد صفحة جديدة في العلاقات الثنائية والإقليمية نحو مزيد من التعاون والتقارب من أجل الوصول إلى الاستقرار والازدهار والتنمية».