باريس: الاتفاق النووي لم يمت ومستمرون فيه بدون واشنطن

وزير الخارجية الفرنسي يحذر من مخاطر اندلاع «مواجهات حقيقية» في الشرق الأوسط ويدعو إيران إلى تنفيذ التزاماتها

الرئيس الفرنسي خلال احتفال فرنسا بالذكرى الـ73 للانتصار على ألمانيا النازية في باريس أول من أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي خلال احتفال فرنسا بالذكرى الـ73 للانتصار على ألمانيا النازية في باريس أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

باريس: الاتفاق النووي لم يمت ومستمرون فيه بدون واشنطن

الرئيس الفرنسي خلال احتفال فرنسا بالذكرى الـ73 للانتصار على ألمانيا النازية في باريس أول من أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي خلال احتفال فرنسا بالذكرى الـ73 للانتصار على ألمانيا النازية في باريس أول من أمس (إ.ب.أ)

«إنها ليست نهاية القصة بل نهاية فصل من كتاب وبداية فصل جديد»، هكذا تنظر باريس، وفق مصادر رئاسية فرنسية، إلى قرار الرئيس الأميركي «تمزيق» الاتفاق النووي مع إيران الذي تريد فرنسا «إنقاذه».
وقال وزير الخارجية جان إيف لودريان، في تصريح صحافي أمس، إن الاتفاق «لم يمت»؛ بل إنه ما زال موجوداً رغم الانسحاب الأميركي. وللتدليل على أن باريس لم ترم في أرض المعركة بكافة قواها، وأن الاتفاق المبرم صيف عام 2015 مع طهران يمكن أن يستمر من غير الولايات المتحدة الأميركية، فإن الدبلوماسية الفرنسية مستمرة في التحرك على أعلى المستويات. فالرئيس ماكرون تشاور هاتفياً بعد ظهر أمس مع نظيره الإيراني حسن روحاني، فيما أعلن لودريان عن اجتماع الاثنين القادم في بروكسل لوزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا مع «ممثلين عن إيران» للبحث في مجريات المرحلة الجديدة.
ورغم الاختلاف بين اتفاقية المناخ الموقعة نهاية عام 2015 التي انسحب منها ترمب العام الماضي والاتفاق النووي مع إيران، فإن باريس تراهن على إمكانية المحافظة عليه، كما نجحت في تأليب الأسرة الدولية للإبقاء على الاتفاقية المناخية حية.
ثمة خيبة فرنسية كبرى من قرار ترمب الذي لم يأخذ بعين الاعتبار جهود باريس وحججها، وما قامت به مع شريكتيها الأوروبيتين من خطوات باتجاه تبني المواقف الأميركية بالنسبة للبرنامج الباليستي الإيراني، وسياسة طهران الإقليمية، ومستقبل نشاطاتها النووية لما بعد عام 2025. وكانت باريس تأمل بـ«لفتة» أميركية، كالامتناع عن وأد الاتفاق وتوفير فرصة إضافية للتفاوض أو الاكتفاء بفرض عقوبات «رمزية»، أو تأجيل العمل بها إلى حين.
وبما أن أياً من هذه المخارج لم ير النور، فإن التشخيص الفرنسي للوضع لما بعد الانسحاب يبدو محفوفاً بالمخاطر. وتقول المصادر الرئاسية إن مصدر القلق الأول يأتي من التخوف من زيادة التوتر في منطقة الشرق الأوسط، ومن ضرب الاستقرار في منطقة تعاني من الأزمات والحروب. وذهب لودريان أبعد من ذلك، بالتحذير من أن «أخطار اندلاع المواجهات حقيقية». والمصدر الثاني يتأتى من «رؤية» ترمب للعلاقات الدولية، وتصرفه «الأحادي»، ضارباً عرض الحائط بالحاجة لإدارة جماعية للأزمات، وليس الخروج من اتفاق وافق عليه مجلس الأمن. وأخيراً، فإن باريس ترى في الخطوة الأميركية ضربة لنظام منع انتشار السلاح النووي.
رغم خطورة الوضع التي عكسها البيان المشترك للدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق، فإن باريس، وفق المصادر الرئاسية، عازمة على إبقائه حياً من خلال العمل على مجموعة محاور، ركيزتها الأولى المحافظة على موقف أوروبي موحد بوجه واشنطن، ودعوة «الأطراف الأخرى» والمقصود بها روسيا والصين وخصوصاً إيران، إلى التمسك بالاتفاق على أساس استمرار طهران في تنفيذ التزاماتها، مقابل استمرار تمتعها بالمنافع التجارية والاقتصادية التي ينص عليها. وللوصول إلى ذلك، تعتبر باريس أن هناك حاجة لـ«تعميق» الحوار مع «كافة الأطراف المعنية»، وأولها إيران والعواصم الأخرى الموقعة على اتفاق 2015؛ لكن «كلمة السر» تبقى في واشنطن التي أعادت فرض العقوبات التي كانت مطبقة على إيران قبل الاتفاق، فضلاً عن فرض عقوبات جديدة على كل الشركات التي تتعامل مع إيران، بما فيها الشركات الأوروبية.
وتقول باريس إنها عازمة على «حماية» شركاتها العاملة في إيران، وهي تريد ذلك عبر الاتحاد الأوروبي. وللتذكير، فإن واشنطن أعطت مهلة تتراوح ما بين ثلاثة أشهر وستة أشهر للشركات لتصفية أعمالها في إيران، على أن تبدأ الخزانة الأميركية بفرض عقوبات «فورية» على العقود «الجديدة» مع الطرف الإيراني.
واضح أن نقطة الضعف في الموقف الفرنسي والأوروبي تكمن في أن الأطراف الأوروبية الثلاثة لا تملك أي ضمانات تقدمها لطهران، لحثها على البقاء داخل الاتفاق في حال فشل الأوروبيون في إقناع واشنطن بعدم استهداف شركاتهم العاملة مع طهران. وحتى الآن، حث الأوروبيون طهران على «ضبط النفس» والاستمرار في تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في الاتفاق.
والحال أنه إذا كان الشرط الثاني متوفراً، فإن الأول غير مضمون، وهو مربوط بما سوف تقرره واشنطن بصدد المطالب الأوروبية. وكان لودريان واضحاً في كلامه أمس، عندما ربط بين تنفيذ الالتزامات الإيرانية وبين استمرار تمتع طهران بالمنافع الاقتصادية والتجارية والاستثمارية. ولذا، فإن الضغوط على الشركات الأوروبية وإلزامها بقطع أي علاقة مع إيران سيدفع القادة الإيرانيين إلى الخروج من الاتفاق، وفق تقدير المسؤولين الفرنسيين.
يبدو الأوروبيون كأنهم أمام «جبل» من الصعوبات؛ لكن ذلك لا يمنع أوساط الإليزيه من تأكيد أن مقترح الرئيس ماكرون القائم على المحافظة على اتفاق 2015 واستكماله باتفاقات أخرى تتناول المحاور الثلاثة الإضافية (الصواريخ، وسياسة طهران الإقليمية، ونشاطاتها النووية لما بعد عام 2025) ما زال قائما. وكشفت هذه الأوساط أن الاتصالات التي أجراها الرئيس ماكرون مع نظيره الإيراني عقب زيارة الدولة التي قام بها إلى واشنطن قبل أكثر من أسبوعين، أفصحت عن وجود «انفتاح» إيراني حول الملفات الثلاثة المذكورة سابقاً، وهو ما تأكد مع خلال اتصالات «وزارية» ومع مسوؤلين إيرانيين آخرين جاؤوا إلى أوروبا في الفترة الأخيرة. لكن السؤال اليوم هو: هل ما كان صالحا قبل قرار ترمب ما زال صالحاً بعد قراره؟
تأمل باريس في أن تتصرف إيران بـ«حكمة» وهي تنبه إلى أن أي «إخلال» بالتزاماتها النووية سيضعها في موقف «صعب» ولذا، فإن «مصلحتها» تكمن في التعاون مع الأوروبيين لمعرفة كيف يمكن «إدارة» المرحلة الجديدة، وتلافي التصعيد في الشرق الأوسط، وربما الحرب. وفي الوقت عينه، تعمل باريس على حماية مصالح شركاتها المعنية بالسوق الإيرانية وبالتالي بالعقوبات الأميركية.
وأهم هذه الشركات «توتال» النفطية التي وقعت عقداً ضخماً مع طهران، و«إيرباص»، وشركتا «بيجو» و«رينو» لصناعة السيارات، اللتان اندفعتا بقوة إلى السوق الإيرانية، وكثير غيرها. وتجدر الإشارة إلى أن طهران عملت في باريس على «تعبئة» الشركات الراغبة في الاستفادة من فرص هذه السوق للضغط على الحكومة، وتسريع التطبيع الاقتصادي بكافة أشكاله. وكشف لودريان عن اجتماع «قريب» مع هذه الشركات للنظر في مستقبل حضورها في السوق الإيرانية، وكيفية التعامل مع العقوبات الأميركية.
تبدو «توتال» في موقف صعب بسبب نشاطاتها النفطية الواسعة في الولايات المتحدة، وبسبب استخدام الدولار في المعاملات النفطية. وكانت الشركة قد وقعت في 2017 عقوداً بقيمة 5 مليارات دولار، أكبرها مع شركة النفط الوطنية الإيرانية لإنتاج الغاز من البلوك 11 في حقل ساوث بارس، مدته عشرين عاماً، وهي تمتلك حصة تزيد قليلاً على 50 في المائة، ومن المقرر أن تستثمر ملياري دولار فيه. وبحسب مسؤولين في الشركة، فإن تطبيق العقوبات الأميركية سيدفعها إلى بيع حصصها لشركة صينية.
وبموازاة «توتال»، فإن «بيجو» و«رينو»، راهنتا بقوة على السوق الإيرانية التي تحتاج سنوياً وفي الوقت الحاضر لمليون سيارة جديدة. وكانت الأولى تطمح لتصنيع 200 ألف سيارة في إطار شركة مختلطة مع مؤسسة «خودرو» الإيرانية. وجدير بالذكر أن الإنتاج بدأ العام الماضي. وبدت «رينو» أكثر طموحاً، إذ كانت تخطط لإنتاج 300 ألف سيارة في العام. وإلى هذه الشركات تضاف «إيرباص» التي وقعت عقداً قيمته 18 مليار دولار، لتزويد طهران بمائة طائرة لم يسلم منها حتى اليوم سوى ثلاث طائرات. وتضاف إلى ما تقدم شركات أخرى رئيسية، مثل «بويغ» و«فينسي» للإنشاءات، و«أورانج» لشبكة الهواتف النقالة، وفيض من الشركات المتوسطة والصغرى التي وجدت في السوق الإيرانية ضالتها، وهي اليوم في موقف صعب، وليس أمامها سوى عدة أشهر لتسوية أوضاعها. وما يصح على الشركات الفرنسية يصح على الشركات الأوروبية كلها، ما يبين حجم التحدي المطروح على الأوروبيين في عملية لي الذراع مع واشنطن.



إسرائيل تكثف جهودها للعثور على رفات إيلي كوهين والجنود المفقودين في سوريا

إسرائيل تكثف جهودها للعثور على رفات إيلي كوهين والجنود المفقودين في سوريا
TT

إسرائيل تكثف جهودها للعثور على رفات إيلي كوهين والجنود المفقودين في سوريا

إسرائيل تكثف جهودها للعثور على رفات إيلي كوهين والجنود المفقودين في سوريا

في ظل التغيرات المتسارعة في المشهد السوري، تسعى إسرائيل إلى استغلال الأوضاع الراهنة للبحث عن أماكن دفن الجاسوس الشهير إيلي كوهين وجنودها المفقودين، وفقاً لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

وحسب تقرير إعلامي لبناني نُشر مؤخراً، أفادت مصادر دبلوماسية بأن إسرائيل تجري اتصالات مكثفة داخل سوريا وخارجها في محاولة للحصول على معلومات حول مكان دفن كوهين، الذي أُعدم شنقاً في دمشق عام 1965 بعد كشف نشاطه التجسسي.

التقرير أشار أيضاً إلى جهود إسرائيلية متجددة للعثور على رفات الجنديين تسفي فلدمن ويهودا كاتس، اللذين فقدا في معركة السلطان يعقوب ضد القوات السورية في لبنان عام 1982.

وفي تطور سابق، أفيد في فبراير (شباط) 2021 أن روسيا، بالتعاون مع السلطات السورية وتحت ضغط إسرائيلي، قامت بعمليات بحث في منطقة مخيم اليرموك بدمشق، سعياً للعثور على رفات كوهين.

وفي الشهر التالي، تحدثت تقارير عن نقل جزء من جثمان يُعتقد أنها تعود لكوهين إلى إسرائيل، إلا أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفى صحة تلك التقارير، ولم يتأكد حتى الآن مصير هذه القطعة أو ارتباطها بكوهين.

تأتي هذه التحركات الإسرائيلية في ظل تطورات إقليمية متغيرة، إذ تسعى تل أبيب إلى إغلاق ملف شخصيات شكلت جزءاً من تاريخها الأمني والسياسي.