«المستقبل يبدأ من هنا»... ما بين التكنولوجيا والحياة وما بعدها

معرض في متحف «فيكتوريا آند ألبرت» يستكشف التقنية والتصميم

«المستقبل يبدأ من هنا»... ما بين التكنولوجيا والحياة وما بعدها
TT

«المستقبل يبدأ من هنا»... ما بين التكنولوجيا والحياة وما بعدها

«المستقبل يبدأ من هنا»... ما بين التكنولوجيا والحياة وما بعدها

«المستقبل يبدأ من هنا»، معرض لندني يفتح أبوابه بعد غد في متحف «فيكتوريا آند ألبرت»، يتميز بأنه معرض غني جدّاً بالمعروضات التي تطرح أسئلة ومحاور حياتية وإنسانية وتقنية مهمة... «ما العلاقة بين الإنسان والتقنية الحديثة؟، الاستيطان في الفضاء ودور الشركات الكبرى فيه، خيارات الإنسان ما بين التحول لعنصر في حياة تتحكم فيها التقنية أو العودة إلى الخلف بحثاً عن عالم أكثر خصوصية، هل سيفقد الإنسان كثيراً من صفاته ومشاعره وقدرته على التحكم في حياته..؟» وكثير من التساؤلات التي ستصاحب زائر المعرض طوال جولته وحتى بعد أن يخرج منه.
الأسئلة تطول وتطول ومع كل قطعة معروضة في هذا المعرض المهم تثور جميع أنواع التساؤلات التي تمس الإنسان في حياته، وحتى فيما يخصه بعد الموت.
«المستقبل يبدأ هنا»، قد يكون معرضاً استشرافياً لما يقدمه العلم والتكنولوجيا والاختيارات التي يواجهها الإنسان كل يوم، ولكنه أيضاً قد يكون محملاً بالتحذيرات من مستقبل رقمي يسير فيه الإنسان ليصبح شِبه آلة، أو يمكن أن نرى رسالة المعرض نغمات تحذير من فقدان الحياة كما نعرفها الآن طمعاً في حياة مقبلة ومستقبل لا نعرف كيف سيؤثر فينا.
ولكن لندع كل تلك التساؤلات جانبا ونبدأ في الاطلاع على محتويات المعرض، وهي تتجاوز الـ100 قطعة، كل منها يستحق التوقف أمامه لفترة لفهمها ولتكوين وسائل الربط ما بين القطعة وغيرها من المعروضات. من الصعب في مثل هذه المعارض أن نكون خطّ سير واضحاً ومستقيماً؛ فكل المعروضات تؤدي لبعضها وتتبارى في تحفيز الذهن للتفكير بشكل أعمق فيما وراء خزائن العرض.
فمن المعدات إلى الأقمار الصناعية إلى الذكاء الاجتماعي إلى ثقافة الإنترنت، المعرض يقدم فرصة لرؤية مشاريع لشركات تقنية عملاقة مثل «غوغل» و«أبل»، ومثل طائرة «أكيلا» التي طورتها شركة «فيسبوك»، وهي تعمل بالطاقة الشمسية، إلى حافلة من «فولكس فاغن» دون سائق، ويمكن لزوار المعرض الركوب بداخلها.

أربعة أقسام للعرض

من خلال أقسام محددة يحاول معدو المعرض أن يرسموا للزائر خريطة للمواضيع الأساسية هنا؛ فهناك أربعة محاور: الفرد والعامة والكوكب وما بعد الموت، كل منها يضم معروضات ومشروعات تصميم تتناول تأثير التكنولوجيا في الطريقة التي نحيا بها ونتعلم وحتى نشعر بالحب.
في مدخل المعرض آلة حمراء اللون كأنها إنسان آليّ بذراعين طويلتين، أمام الآلة سلة ملابس، وكما يبدو لنا من خلال حركات بسيطة للآلة، ومن خلال الحديث مع بعض الواقفين نجد أننا أمام روبوت لغسل الملابس، ويؤكد ذلك الملصق الموضوع إلى جانب الآلة، وإن كانت حركة الروبوت بطيئة جدّاً، ما دفع البعض لتركه لمعاينة قطع أخرى.
الروبوت يبدأ خط عرض للآلات والتقنيات التي تستخدم في المنزل، وهو ما نجد المزيد منه في خزانات العرض التالية، التي تشكل فيما بينها شكل بيت جميل التصميم. المعروضات هنا كثيرة جدّاً، وكلها ترتبط بـ«حياة الإنسان مع التقنية الحديثة»، ويبدأ العرض بأسئلة مطبوعة على لوحة توضيحية تقول: ما الذي يجعلنا بشراً؟ و«نحن جميعاً متصلون، ولكن هل نشعر بالوحدة؟ الأسئلة تهيئ الزائر لرؤية المعروضات بعين مفتوحة وذهن مستعد للغوص فيما أبعد من السطح. المحيط العام للعرض هنا يحمل طبيعة منزلية، وبالتالي نجد المعروضات التي نرتبط بها في حياتنا اليومية، تبدأ من جهاز تليفون قديم ربما يمثل الماضي، ومنه ننتقل لتقنيات متطورة غيَّرت مفهوم الخصوصية، وحوَّلَت المنزل لمحطة بث نشارك الآخرين من خلالها بتفاصيل حياتنا عبر خلال وسائل التواصل الاجتماعية. هنا نجد جهاز روبوت صغيراً جدّاً يعمل مرافقاً للإنسان، ويُستخدم في بيوت المسنين لتوفير رفقة من نوع ما للنزلاء الذين يشعرون بالوحدة. هنا أيضاً جهاز المساعد الإلكتروني (ألكسا) الذي يتحول إلى فرد من أفراد العائلة في مقطع سينمائي نشاهده أمامنا، «ألكسا» تجيب عن الأسئلة وتذكِّر بالمواعيد، بل وتذكر الأطفال بمواعيد الدراسة وغير ذلك من المهام. هنا أيضاً المهد الذكي الذي يهدهد الأطفال. من خلال البطاقات التعريفية يطرح معدو المعرض أيضاً أسئلة مختلفة حول الاعتماد على الأجهزة، هل سيأتي يوم وتتمرد علينا؟ وتساؤل حول المهد الذكي: «هل يشير هذا الاختراع لمستقبل تكون فيه أولى تجارب الطفل موكولة للتكنولوجيا؟». قد يرى البعض في تلك الأسئلة محاولة للتقليل من أهمية المخترعات، ولكن يمكن أيضاً رؤيتها محاولةً لتحفيز الذهن للتفكير فيما هو أبعد من الاختراع وفائدته المباشرة. وفي النهاية يبقى للزائر أن يكوِّن تصوره الخاص لكل ما رآه وعايشه في المعرض.
في العرض المنزلي أيضاً هنا قسم للملابس الذكية، مثل الحلة التي تستخدم آخر التقنيات في الروبوتات والكيمياء الحيوية وتصميم الملابس، لتتحول لحلة يمكنها توفير عضلات لمرتديها. هناك أيضاً رداء ذكي للسباحة ومرآة ذكية إضافة إلى جهاز محمول للكشف عن الحامض النووي وغيره كثير.
من المحور الشخصي ننطلق لنرى المعروضات التي تخص العامة، نتطرق فيها للمناخ والمدن الذكية وتأثير الانبعاثات على الكوكب من خلال ما يشبه المنطاد الموضوع على الأرض يدعو الزوار للجلوس أو حتى الاستلقاء على منصة على الأرض لينظروا إلى قبة المنطاد، حيث يرون عرضاً خاصّاً يتحدث عن الغازات المنبعثة وتأثيرها على كل مناحي الحياة.
العرض مبتكَر جدّاً، ومجرد الاستلقاء على تلك المنصة الأرضية ووضع السماعات نصبح في عالم آخر، نراقب القبة فوقنا وصوت المعلق في آذاننا يتحدث عن تأثير الغازات المنبعثة على المناخ في أفريقيا وحالة الجفاف وتبعاتها الإنسانية والاقتصادية، ثم وبشكل ماهر وذكي للغاية، يربط بينها وبين التيارات المناخية التي شهدت رحلات المستعمرين وإقامة الإمبراطوريات ثم يصل إلى رحلات الهجرة من أفريقيا لأوروبا، كل ذلك في عرض ذكي وعميق جدّاً.

ما بعد الأرض... استيطان الكواكب

من الأرض يتجه العرض إلى الفضاء؛ فمع التقدم التكنولوجي أصبح الوصول للفضاء متاحاً أكثر من أي وقت مضى للأشخاص والشركات. وتحت عنوان «إذا كان المريخ هو الإجابة فما هو السؤال؟»، يستكشف الدوافع خلف السباق نحو السفر للفضاء من قبل الشركات والأشخاص الأثرياء، البعض يرى أن الفضاء يُمكن اعتباره نقطةً لاستكشاف الأرض ومناخها ومستوى البحار وطبقة الأوزون.
وعلى الجانب الآخر هناك مَن يرى في الفضاء فرصة لاستكشاف كواكب جديدة والحصول على موارد جديدة وفرص للاستيطان. ومرة أخرى يطرح العرض أسئلة: «هل فقدنا الأمل في الأرض؟ وهل سيتأثر المستقبل بأطماع الشركات..؟».
هنا أيضاً مجسم مطبوع بتقنية الثلاثة أبعاد لمساكن على كوكب المريخ أعدتها إحدى الشركات ضمن مسابقة أطلقتها وكالة الفضاء الأميركية.

ما بعد الموت... حلم الخلود

ليس من الصدفة أن يكون بعض مَن يحاولون الوصول للكواكب الأخرى من الأثرياء ممن يحلمون بالخلود والتغلب على الموت. أشخاص رأوا في التقنيات المختلفة فرصة لمحاولة الفرار من حد السيف الأزلي، فلجأوا لتكوين مؤسسات ومنشآت لتجميد أدمغتهم بعد الوفاة طمعاً في إعادة تشغيلها في المستقبل، حينما تتوفر التقنية اللازمة لذلك.
المعرض هنا يتجه نحو استكشاف عالم هؤلاء المهووسين، ونرى هنا مثلا سواراً إلكترونياً يرتديه الأشخاص الذين وقّعوا ضمن برنامج خاص لتجميد أدمغتهم، وعددهم حتى الآن 2000 شخص. وللاستعداد للحياة للأبد هناك أيضاً شريحتان من الزجاج مخزَّن عليهما كنوز من المعلومات، والشرائح معدة للبقاء لأكثر من 13 مليار عام.

الديمقراطية والتكنولوجيا

اللافت في «المستقبل يبدأ من هنا» أن المعروضات مرتبطة جدّاً بكل تفصيلة من حياتنا. فها هو ينتقل بما نحو السياسة وعالم الأخبار الكاذبة «فيك نيوز» والحسابات الوهمية «بوت» المعتمدة على برامج كومبيوتر خاصة، وعالم «كمبريدج أنالاتيكا» (شركة المعلومات التي شغلت الرأي العالمي أخيراً بعد اكتشاف دورها في استخدام الخوارزميات ومعلومات مستخدمي «فيسبوك» للتأثير في الانتخابات لأميركية والتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي).
يختتم المعرض بعرض تفاعلي يمكن للزوار فيه تكوين رأيهم في شكل المستقبل كما يرونه، عبر كتابة جمل تحت عنوان «المستقبل هو...».
عموماً المعرض وقتي ومهم جدّاً ولا يخلو من المتعة الذهنية، ولمن يريد زيارته فنصيحة بمنحة الفترة الكافية، فالزائر قد يصاب بحالة تخمة من كمِّ المعروض وقد يحتاج للراحة لفترة ثم معاودة الاستكشاف.



الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.