ملامح أزمة أمام تشكيل الحكومة حول حقيبة «المالية»

نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني متحدثا لوكالة الصحافة الفرنسية أمس
نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني متحدثا لوكالة الصحافة الفرنسية أمس
TT

ملامح أزمة أمام تشكيل الحكومة حول حقيبة «المالية»

نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني متحدثا لوكالة الصحافة الفرنسية أمس
نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني متحدثا لوكالة الصحافة الفرنسية أمس

جددت نتائج الانتخابات النيابية جدلاً قديماً حول «أحقية» الطائفة الشيعية بحقيبة وزارة المال، التي يتمسك بها رئيس البرلمان نبيه بري، وهو الموقف الذي أوحى رئيس الحكومة سعد الحريري بمعارضته، ويعارضه بالمبدأ «التيار الوطني الحر» الذي يعرب عن رفضه «لتكريس طائفية وزارة سيادية»، وهو ما يعتبر أول عقبة يمكن أن تواجه تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات.
وتجاوز بري كل العقبات التي يمكن أن تحيط بإعادة انتخابه رئيساً لمجلس النواب، وكان لوح بها البعض قبل الانتخابات، بالنظر إلى أن التحالف الذي يجمعه مع «حزب الله» استطاع إيصال 26 نائباً شيعياً من أصل 27، بينما استقبل بري أمس في دارته في مصيلح النائب المنتخب عن المقعد الشيعي في جبيل مصطفى الحسيني، والذي لم يكن في عداد لوائح «الثنائي الشيعي»، ما يشير إلى أن الحسيني سيكون في حلف قريب من بري.
ومن المنتظر أن يستهل المجلس النيابي المنتخب مهامه بانتخاب رئيس للمجلس، قبل أن يلبي النواب دعوة رئيس الجمهورية للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة، يليها تشكيل الحكومة. وعادة ما يتم الاتفاق على الملفات الثلاثة بين الكتل السياسية الكبرى لتسهيل عملية تشكيل الحكومة.
وخلافاً لـ«الأجواء الإيجابية» التي يتوقع الفرقاء أن تحيط بعملية تشكيل حكومة جديدة، تمتد لأربع سنوات، وتنتهي مع ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، تجدد النقاش أول من أمس حول وزارة المال، إذ أكد بري أن «وزارة المال هي للطائفة الشيعية»، مشيرا إلى «هذا الموضوع منذ قديم الزمن وما بعد الطائف مباشرة واتفق عليه في الطائف ونفّذ». لكن الحريري، رد في اليوم نفسه بما يحمل إيحاء بالرفض، داعياً إلى «الكف عن الرجوع إلى أفكار قديمة كالنصف أو الثلثين أو الوزير الملك، كل هذا لا مكان له في البلد»، مضيفاً: «عندما يكون هناك توافق سياسي حول العناوين الكبرى باستطاعتنا أن نقوم بكل شيء».
وتسلمت الطائفة الشيعية وزارة المال في حكومتين بعد اتفاق الطائف، وكان ممثلهما الوزير الراحل علي الخليل، قبل أن تتم المداورة على الحقيبتين بين الطوائف والكتل السياسية، حتى العام 2014 إثر تشكيل حكومة الرئيس السابق تمام سلام، حيث تسلم الوزير علي حسن خليل، وهو من حصة بري، حقيبة المال. ويعتبر بري أن تسلم هذه الحقيبة هو جزء من الأعراف الدستورية التي تكرس التشارك في السلطة التنفيذية.
وانضم «التيار الوطني الحر» إلى المطالبين بـ«المداورة» بالحقائب الوزارية، حيث أعلن النائب المنتخب ماريو عون: «إننا لا نقبل بتكريس طائفية وزارة سيادية لأي فريق»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحقائب الوزارية السيادية «عرضة للمداورة بين كل الأفرقاء، كونها ليست مكرسة لفريق أبداً». وقال: «من المفترض ألا يكون ذلك عقبة أمام تشكيل الحكومة، فهو نوع من الاتفاق المعمول به منذ التسعينيات، ويجب أن لا تكون أزمة على الصعيد السياسي»، مشددا على: «إننا نرفض أن تكون أي حقيبة حكرا على فريق أو طائفة». وأعطى دستور ما بعد الطائف حق اتخاذ القرارات لمجلس الوزراء مجتمعاً، وباتت المراسيم تحتاج إلى توقيع الوزير المختص إلى جانب توقيعي رئيسي الجمهورية والوزراء، ووزير المال الذي بات شريكاً بالتوقيع على كل مرسوم تترتب عليه أعباء مالية.
ومع أن العرف الدستوري في تشكيل الحكومات، يقضي بتقسيم الوزارات السيادية الأربع في البلاد (الداخلية والخارجية والمال والدفاع) على الطوائف الأربع الكبرى، وهي «السنة والموارنة والشيعة والروم الأرثوذكس)، إلا أن بري يرى أن تسلم حقيبة المال يحقق المشاركة، وهو رأي قانوني يتحدث عنه بعض الخبراء، فيما يعارضه آخرون يرون أن الدستور واتفاق الطائف «لم يحددا حصة الشيعة أو حصة أي طائفة من الحقائب الوزارية».
وخلافاً لهذا الرأي، يقول أستاذ القانون الدستوري وسيم منصوري إن الدستور لا ينص إلا على مسالتين، تقسيم مجلس النواب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين وفق المادة 24 من الدستور، وتقسيم حقائب مجلس الوزراء ووظائف الفئة الأولى مناصفة أيضاً، وفق المادة 95، لكن الأعراف أعطت رئاسة الجمهورية للموارنة، ورئاسة البرلمان للشيعة، ورئاسة الحكومة للسنة، معتبراً أن العرف الدستوري يكملها.
وقال منصوري لـ«الشرق الأوسط» إن المنطق يقول في الحكومة هو «التشارك بين كل القوى»، لافتاً إلى أن المادة 17 من الدستور أناطت السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء، فيما حسم الدستور أن الأساس في آلية اتخاذ القرارات يتم بالتوافق والإجماع، «ما يعني أن الدستور أراد مشاركة كل الأطراف بأعمال الحكومة». وأضاف: «إذا كان الطرف المسيحي (رئيس الجمهورية) يوقع على كل القرارات، كذلك رئيس الحكومة، فإن وزارة المال لها الحق بالتوقيع، لأنها تمثل المشاركة عبر الوزير الشيعي»، مشدداً على أن «التوقيع الثالث على المراسيم والقرارات الحكومية يمثل المشاركة في السلطة». ولفت إلى الفقرة (ي) بالدستور التي تشدد على أنه «لا شرعية لأي سلطة تخالف ميثاق العيش المشترك».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».