أجواء رمضان تبدأ مبكراً في شوارع القاهرة

الإقبال يزداد على الفانوس «أبو شمعة»... ومحمد صلاح يدخل المنافسة

أجواء رمضان تبدأ مبكراً في شوارع القاهرة
TT

أجواء رمضان تبدأ مبكراً في شوارع القاهرة

أجواء رمضان تبدأ مبكراً في شوارع القاهرة

ما إن تقترب أيام شهر رمضان المبارك، حتى تتغير طبيعة الشوارع في مصر، حيث نرى فوانيس وزينة رمضان وقد صُفت بشكل منتظم بأنوارها الجميلة، وأشكالها وألوانها المختلفة في المحلات والأسواق، وعلى الرّغم من تعدد المظاهر التي تميز شهر رمضان، يبقى للفانوس سحر خاص عند المصريين، ولا تختلف في ذلك الأحياء الراقية عن الأخرى البسيطة أو الشعبية.
ومع أنّه لا يزال متبقياً على شهر رمضان نحو 20 يوماً، إلا أن أجواء الشهر المبارك بدأت فعلياً في الشوارع المصرية، من خلال الفوانيس التي تزين أحياءها وشوارعها.
وفي حي المهندسين الراقي يوجد شادر كبير لبيع فوانيس رمضان، حيث يقف ياسر الشاذلي الذي اتخذ من صناعة وبيع الفوانيس مهنته منذ أكثر من 27 سنة - متحدثاً مع زبائنه عن أشكال الفوانيس وأنواعها، ويقترح عليهم أفضل الأنواع وأسعارها، وفي أحد الأركان يبحث عمر - وهو شاب ثلاثيني - عن فانوس يهديه لخطيبته، حتى استقر على الفانوس التقليدي الصاج، أو كما يطلق عليه المصريون الفانوس «أبو شمعة».
يقول ياسر الشاذلي لـ«الشرق الأوسط»: «تبدأ استعداداتنا مبكرا لبيع الفوانيس، فمع نهاية شهر رمضان من العام الماضي، نبدأ النقاش في أفكار فوانيس رمضان التي سنعرضها في العام المقبل، خصوصاً أنّنا نعتمد بشكل رئيسي على الفوانيس التي نصنعها بأيدينا».
الخبرة التي اكتسبها الشاذلي من عمله في هذا المجال لمدة تقارب 30 سنة، جعلته خبيراً بالأنواع التي يقبل عليها المصريون، فيقول: «يبقى الفانوس المصنوع من الصاج أو النحاس، الاختيار الأول للمصريين، فهو يذّكرهم بأجواء رمضان في الماضي».
إلى ذلك يتابع، «هناك أيضاً الفوانيس المصنوعة من الخشب المنقوش عليها بعض الآيات القرآنية، أو صور بعض المشاهير، وعلى رأسهم بالطبع اللاعب محمد صلاح المحترف في فريق ليفربول الإنجليزي، إذ يُقبل عليه الأطفال بشكل كبير».
الإجراءات التي قامت بها الحكومة المصرية لمنع استيراد الفوانيس من الخارج، وخصوصا من الصين، جعلت الاعتماد بشكل رئيسي على الصناعة المصرية، ومع ذلك فلا يزال هناك بعض التّجار يستوردون الفوانيس المصنوعة من البلاستيك، ويفسر الشاذلي السبب في ذلك «تحتاج هذه النوعية من الفوانيس إلى وجود مصانع ضخمة وماكينات كبيرة، وهذا لا نستطيع توفيره، فنضطر للسفر إلى الصين لجلب هذه الفوانيس، خصوصا أن هذه الأنواع يفضلها الأطفال».
الاعتماد على الفوانيس المصنعة يدوياً التي تعتمد على مهارة العاملين، يجعل سعره مرتفعا، هذا ما يؤكد عليه الشاذلي قائلاً: «تحتاج هذه الفوانيس إلى عمال بمواصفات خاصة، وهو الأمر الذي أصبح صعبا في الوقت الحالي، لذا ترتفع أسعار هذه الفوانيس مقارنة بالفوانيس المستوردة، ومع ذلك يختلف الأمر حسب الأحجام، فالفانوس المصنوع من الصاج يبدأ سعره من 35 جنيها «نحو دولارين» حتى يصل إلى 1200 جنيه «ما يعادل 66 دولاراً» للفوانيس الكبيرة التي يصل ارتفاعها لمترين، أمّا الأنواع الأخرى، فتبدأ من 14 جنيها «نحو دولار ونصف»، حتى تصل لـ400 جنيه «20 دولاراً»، أمّا عن الفئات الأكثر إقبالاً على شراء الفوانيس، فيؤكد الشاذلي على أنّ جميع الفئات والطبقات تقبل على شراء الفانوس، فمنذ يومين جاءتني سيدة (70 سنة) لشراء فانوس، قائلة إنّ زوجها الراحل اعتاد على شراء فانوس لها قبل بداية شهر رمضان، وعندما رحل منذ سنوات، قررت أن تستمر في تلك العادة.
في حي إمبابة الذي يعدّ من الأحياء الشعبية، ويمتاز بكثافة سكانه، يوجد شارع مخصص لعرض فوانيس رمضان، يمتاز بوجود كثير من الشوادر والمحلات التي تعرض أشكالاً مختلفة من الفوانيس.
صلاح السيد أحد التجار العاملين في هذا المجال يقول لـ«الشرق الأوسط»: «يوجد تنوع كبير في فوانيس رمضان هذا العام، فلا يزال هناك الفانوس التقليدي المصنوع من الصاج، وهناك الفوانيس الخشبية، أمّا ما يميز رمضان هذا العام، فهي الفوانيس المصنوعة من الفيرفورجيه، والمنقوش عليها بعض النقوشات الإسلامية، ممّا يعطيها مظهراً رائعاً، وتتراوح أسعارها بين 100 جنيه «6 دولارات» حتى تصل لـ400 جنيه «نحو 20 دولاراً» للأحجام الأكبر، مضيفاً: «يفضل كثير من المصريين شراء الفوانيس الفيرفورجيه، ووضعها في المنزل كشكل من أشكال الديكور».
وإذا كانت المنافسة في رمضان هذا العام بين الفوانيس المصنوعة من الصاج والأخرى المصنوعة من الفيرفورجيه، فإنّ فوانيس محمد صلاح تعدُ قاسماً مشتركاً في كل محلات الفوانيس بمصر، عن ذلك يقول خالد الفكهاني - وهو تاجر فاكهة يغير نشاطه لبيع الفوانيس في هذه الفترة من كل عام: «أراد التجار استثمار الشعبية الطاغية التي يحظى بها محمد صلاح بين المصريين، وذلك من خلال لصق صورته على الفوانيس الخشبية، كما استوردوا لعبا صغيرة تحمل صورة اللاعب المصري، وعلى الرغم من توقف الاستيراد من الصين، فإن التّجار تحايلوا على الأمر باستيراده على أنّه لعبة، ولا يندرج تحت بند الفوانيس، ويصل سعره نحو 15 دولاراً، وعلى الرّغم من ارتفاع سعره يوجد إقبال على شرائه».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».