ورش القاهرة الفاطمية تبدع في صياغة الذهب بأشكال متنوعة

ورشة لصياغة الذهب في حي الجمالية بالقاهرة («الشرق الأوسط»)
ورشة لصياغة الذهب في حي الجمالية بالقاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

ورش القاهرة الفاطمية تبدع في صياغة الذهب بأشكال متنوعة

ورشة لصياغة الذهب في حي الجمالية بالقاهرة («الشرق الأوسط»)
ورشة لصياغة الذهب في حي الجمالية بالقاهرة («الشرق الأوسط»)

داخل أروقة القاهرة الفاطمية وأزّقتها في وسط العاصمة المصرية الكبيرة، تتراص مئات الورش الصغيرة المتخصصة في صياغة الذهب وتشكيله، (غوايش، وسلاسل، وخواتم، وأقراط). وفي دخل هذه الورش، يعمل مبدعون وفنانون مهرة على تشكيل الذهب بأشكال جذابة وجديدة ومتنوعة تسر الناظرين والمشترين.
يقول ساهر سمير، أو الخواجة ساهر، كما يحب أن يناديه الناس، وهو أحد المشهورين بصياغة وتشكيل المشغولات الذهبية في منطقة الصاغة بقلب القاهرة الفاطمية، إنّه ورث المهنة عن أعمامه، منذ 35 سنة حينما كان طالبا بالمرحلة الإعدادية. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «رغم تفوقي بالدراسة وتخرجي من كلية الهندسة، فإنّني رفضت العمل مهندسا بمؤهلي في أماكن كثيرة، وأصررت على الاستمرار في صياغة الذهب وطورت من أدائي ومهارتي، لا سيما في تصنيع السلاسل والدبل والأقراط». موضحا أنّ «مصنعي الغوايش لا يصوغون الدبل والخواتم ومصنعي الأقراط لا يصوغون الأطقم (الكوليه)».
ورشة ساهر سمير، تتوسط عشرات الورش الأخرى المتخصصة في تشكيل الذهب التي يتم توريد إنتاجها إلى مختلف المحافظات المصرية، عبر محلات الذهب المنتشرة في المدن والقرى.
في داخل ورشة «الخواجة ساهر»، اطّلعت «الشرق الأوسط» عن قرب على مراحل وصياغة الحلي الذهبية التي كانت تتم معظمها بالآلات. على كل ماكينة يجلس عامل بدرجة فنان يؤدّي مهمته ويسلّمها لمن يليه لمتابعة مراحل الصياغة المتتالية. ووفق ساهر، فإنّ مراحل التصنيع في معظم المشغولات الذهبية تجري على خمس مراحل، تبدأ بصهر الذهب القديم وتشكيل سبائك جديدة، حسب العيار ثم تقطيعها إلى أحجام حسب الاصطمبات المعدة خصيصاً للمرحلة التي تليها.
وتابع ساهر، بعد انتهاء كل صائغ من مرحلته تُزان القطعة الذهبية، لتنتهي بعدها بمرحلة يدوية تمثل 20 في المائة فقط من مراحل التصنيع، على عكس ما كان يجري في العقود السابقة وحتى أواخر التسعينات من القرن الماضي، حين كانت معظمها تجري بطريقة يدوية، وكان لدينا صناع مهرة ينافسون صائغي الذهب في لبنان وتركيا والهند والسعودية، متذكرا الخواجة نبيل أمين وهاني خشبة والأخير يمتلك ورشة صغيرة للغاية، لكنّه يعتبره مثله الأعلى في صياغة الذهب وأول من تعلم منه فنون صياغة السلاسل والأقراط ومهارتها.
تجهيز اصطمبات المشغولات الذهبية عملية مكلفة للغاية وتستغرق وقتاً ومجهودا كبيرين، ويعتبرها الخواجة ساهر، أهم مرحلة في صياغة الحلي الذهبية، إذ يجري تصميم الاصطمبات وفق الموديلات التي يجري اختيارها بمعرفة صاحب الورشة أو المصنع من خلال ثلاثة مصادر، رسامين مهرة، أو حضور معارض المشغولات الذهبية العالمية، بالإضافة إلى الاستعانة بالكتالوجات الحديثة، ومعظمها من فرنسا وإيطاليا، وتتراوح تكلفة تجهيز الاصطمبة الواحدة من 20 – 30 ألف جنيه، وهناك اصطمبات أغلى من ذلك بكثير ولكنّها حسب الطلب، وأمّا الماكينات المستخدمة في صياغة الذهب وتصنيع الاصطمبات فيتراوح سعرها بين 300 ألف جنيه، وحتى 4 ملايين جنيه، ويجري استيرادها من إيطاليا وتركيا والصين، بالإضافة إلى الماكينات الألمانية وهي الأغلى سعرا.

وعن أنواع الذهب المستخدم في الصاغة يقول ساهر سمير: نشكّل سبيكة الذهب بوزن 1 كيلو غرام ذهب، عيار 21 بالإضافة إلى 125 غرام نحاس، مع 875 غرام من الذهب الخام «البندقي»، وإذا أضفنا 250 غرام نحاس إلى 750 غراما من الذهب البندقي، سنحصل على سبيكة ذهب وزنها 1 كغم عيار 18 وهكذا بمقادير معينة يجري تشكيل العيار 14 والعيار 24. ومن الممكن صهر ذهب خردة قديم عيار 14 و18 لتشكيل سبيكة جديدة عيار 21 أو عيار 24 بإضافة نسب معينة من النحاس، وفي حالة الذهب الأبيض يستبدل النحاس بالبلاتين وهو بنفس أسعار الذهب العادي، وبالنسبة للهدر المفقود أثناء الصناعة، فتصل إلى 10 غرامات لكل كيلو ذهب.
يضيف ساهر: «العمالة الإيطالية، ويليها الهندية هي الأفضل في صياغة الذهب عالميا، وأجرتهم مرتفعة للغاية لذلك تجري الاستعانة بهم في ورش ومصانع الذهب في السعودية، بينما يعتبر اللبناني الأمهر عربيا»، وأوضح أن «مخاطر الصنعة نادرة جدا، وتتمثل في الإصابة بسرطان الرئة والجهاز التنفسي، بسبب الأبخرة الناتجة عن صهر الذهب وخلطه بالنحاس».
لم ينس الخواجة ساهر أن يذكر حكاية المصريين مع صناعة المشغولات الذهبية قائلا: «الفراعنة أول من صاغوا الذهب في العالم، وهذا موجود في متعلقاتهم ومشغولاتهم الذهبية التي يرجع تاريخ بعضها إلى نحو خمسة آلاف سنة وكانت بتقنية وجودة عالية، لا تقل كثيرا عن التقنية الحالية، مشيراً إلى وجود أكثر من ألف ورشة متخصصة في صياغة الذهب داخل مصر، وتتركز في منطقة الصاغة وما حولها بقلب الجمالية، منهم على الأقل مائة ورشة تضم أفضل مصنعي الحلي الذهبية في القطر المصري».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».