«الآثار المصرية»: لا غرف سرية خلف مقبرة الملك توت

تنهي الجدل حول نظرية العالم البريطاني ريفز

جانب من المسح الراداري لجدران مقبرة توت عنخ آمون
جانب من المسح الراداري لجدران مقبرة توت عنخ آمون
TT

«الآثار المصرية»: لا غرف سرية خلف مقبرة الملك توت

جانب من المسح الراداري لجدران مقبرة توت عنخ آمون
جانب من المسح الراداري لجدران مقبرة توت عنخ آمون

أعلنت وزارة الآثار المصرية عدم وجود غرفة سرية خلف مقبرة الفرعون الصغير توت عنخ آمون بوادي الملوك بالأقصر. ويأتي هذا الإعلان ليحسم جدلاً استمر لسنوات في أعقاب إعلان عالم المصريات البريطاني نيكولاس ريفز عن نظريته الخاصة باحتمال وجود مقبرة نفرتيتي خلف مقبرة الفرعون الشاب، بعد تباين نتائج مسحين راداريين أجريا داخل المقبرة خلال عامي 2015، و2016.
وقالت وزارة الآثار في بيان صحافي، إنه «بعد عدة أشهر من الدراسات، أثبتت نتائج الأبحاث الجيوفيزيقية التي أجرتها البعثة العلمية بجامعة البوليتيكنيك بتورينو بإيطاليا عدم وجود أي غرف خلف جدران مقبرة الملك توت عنخ آمون».
وعرض رئيس البعثة الإيطالية الدكتور فرانشيسكو بورشيللي، نتيجة هذه الدراسات والأبحاث التي قام بها وفريق البحث العلمي الخاص به المكون من علماء من مؤسسة «جيوستودو استير»، و«ثري دي جيوماجينج» خلال المحاضرة العلمية، التي ألقاها مساء الأحد في المؤتمر الدولي الرابع للملك توت عنخ آمون.
وبدأت البعثة عملها في فبراير (شباط) الماضي، وهذا هو المسح الراداري الثالث في مقبرة توت عنخ آمون التي تحمل رقم KV62.
وأوضح الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في البيان أن «بورشيللي أشار في التقرير العلمي الذي سلمه إلى اللجنة الدائمة للآثار المصرية بوزارة الآثار إلى أن الدراسات الخاصة بقراءات المسح الراداري الأفقي والرأسي الذي قامت به البعثة داخل المقبرة أثبتت عدم وجود أي غرف أو حتى دلائل على وجود أي أعتاب أو حلوق لأبواب غرف، مما يتعارض مع النظرية التي افترضت وجود ممرات أو غرف ملاصقة داخل حجرة الدفن الخاصة بالملك توت عنخ آمون».
وعلق الدكتور زاهي حواس، عالم المصريات ووزير الآثار الأسبق، على نتائج المسح لـ«الشرق الأوسط» بقوله: «هذا أمر لا يستحق التعليق»، مشيرا إلى أن فكرة عالم المصريات البريطاني ريفز «لم تكن تستحق الدراسة».
وتسبب تفاوت نتائج الدراسات الخاصة بقراءات أجهزة الرادار GPR التي أجرتها بعثة علمية يابانية وأخرى أميركية خلال عامي 2015 و2016 للوقوف على صحة النظرية التي أطلقها عالم الآثار البريطاني نيكولاس ريفز عام 2015 عن وجود غرفة دفن الملكة نفرتيتي خلف حجرة الدفن الخاصة بالملك توت عنخ آمون، كانت قد أثارت جدلا واسعا بين علماء الآثار في مصر والعالم، والذين انقسموا بين مؤيدين ومعارضين، الأمر الذي دفع الوزارة إلى مناقشة الأمر برمته خلال المؤتمر العالمي الثاني للملك توت عنخ آمون في مايو (أيار) 2016 والذي حضره نخبة من علماء الآثار في مصر والعالم والذين بدورهم أقروا القيام بعمل مسح راداري ثالث ذي تقنية علمية متقدمة مختلفة لحسم الجدل العلمي في الموضوع والتأكد من صحة النظرية من عدمه قبل اتخاذ أي إجراءات عملية في هذا الشأن.
وقال «حواس»: «من غير الممكن أن يتم دفن توت عنخ آمون في مقبرة دفنت بها ملكة أخرى، ويغلقها بهذه الطريقة ويحجب عنها تصور العالم الآخر».
ووفقاً لنظرية ويفر فإنه كان يرى «أن هناك دلائل على وجود مقبرة نفرتيتي خلف جدران مقبرة توت عنخ آمون أو أن يكون هناك امتداد لمقبرة توت نفسه».
وقال حواس إن «هوارد كارتر، مكتشف مقبرة توت عنخ آمون تفحصها بشكل كامل، ولو كان هناك شيء خلفها كان سيعثر عليه»، مشيرا إلى أنه «عرض قراءات الرادار الياباني الذي اعتمد عليه ريفز في نظريته على أكبر خبير رادار أميركي، وأكد له أنه لا يوجد شيء خلف جدران المقبرة».
واستطرد: «ما حدث شيء غريب... هذه أول مرة تتحول فيها فكرة غير مثبتة علميا إلى كشف»، مشيرا إلى المؤتمرات الصحافية التي عقدت للترويج لنظرية ريفز.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)