انتخابات بيروت... انقسام طائفي والأحزاب تحتل أحياءها

معركة على 11 مقعداً... والتحدي الأكبر لـ«المستقبل»

صحافيون وناخبون يحيطون برئيس الوزراء سعد الحريري بعد خروجه من مركز اقتراع في بيروت أمس (إ.ب.أ)
صحافيون وناخبون يحيطون برئيس الوزراء سعد الحريري بعد خروجه من مركز اقتراع في بيروت أمس (إ.ب.أ)
TT

انتخابات بيروت... انقسام طائفي والأحزاب تحتل أحياءها

صحافيون وناخبون يحيطون برئيس الوزراء سعد الحريري بعد خروجه من مركز اقتراع في بيروت أمس (إ.ب.أ)
صحافيون وناخبون يحيطون برئيس الوزراء سعد الحريري بعد خروجه من مركز اقتراع في بيروت أمس (إ.ب.أ)

عكَس المشهد في بيروت، بدائرتيها، الأولى والثانية في يوم الانتخابات النيابية، صورة واضحة للبنان المنقسم الذي أتى القانون الانتخابي الجديد ليكرسّه بشكل أكبر محوّلاً العاصمة إلى «شرقية» بأغلبية مسيحية و«غربية» بأغلبية مسلمة. ففي الدائرة الأولى التي توزّعت فيها الأحزاب المسيحية على لائحتين، عمل «المجتمع المدني» معوّلاً على إحداث خرق، منطلقاً من تبدّل في المزاج الشعبي، بينما خاض «تيار المستقبل» في «الدائرة الثانية» معركة هي الأهم بالنسبة إليه وإلى رئيسه رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يترأس اللائحة، في مواجهة 8 لوائح أبرزها تلك المدعومة من «الثنائي الشيعي» الذي سعى مع حلفائه للفوز بالمقعدين الشيعيين وببعض المقاعد السنية، إضافة إلى لوائح محسوبة على أطراف سياسية ومستقلين و«مجتمع مدني».
هدوء طُرقات بيروت الرئيسية انعكس زحاماً في محيط أقلام الاقتراع، حيث تدلّ ألوان الأعلام على السيطرة الحزبية في هذه المنطقة من قبل هذا الطرف أو ذاك. لكن حماسة هذ المشهد لم تعكسها صناديق الاقتراع في ساعات النهار الأولى إلى أن ارتفعت بعد الظهر حتى 25% في «بيروت الأولى» و33% في بيروت الثانية. وقد عزا منسق المستقبل في بيروت، وليد دمشقية، المشاركة المحدودة صباحاً إلى التشنّج في الشارع الذي عكسه بعض الإشكالات مساء السبت وصباح الأحد.
ففي طريق الجديدة، التي تعرف بـ«معقل المستقبل» لا صوت يعلو فوق الأغاني المؤيدة للحريري والأعلام الزرقاء في مقابل وجود خجول لمناصري اللوائح الأخرى، بينما حضور القبعات الصفراء، أي مندوبي «حزب الله» لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة. ورغم هذا الحضور الخجول الذي يعده «مناصرو المستقبل» طبيعياً في منطقة محسوبة عليهم، لم يمر من دون مواجهة بين الطرفين وصل إلى حد إطلاق النار من قبل أحد مناصري الحزب، ما أدى إلى تدخّل القوى الأمنية المنتشرة بكثافة في المنطقة وإلقاء القبض عليه، وهو ما انعكس توتراً في الأجواء المحيطة بمدرسة عمر فروخ الرسمية التي زارها بعد الظهر الحريري، متفقداً. وهذا التوّتر عكسه حديث شباب «المستقبل» الذي رأوا في رفع صورة لأمين عام «حزب الله» في منطقتهم استفزازاً لهم، بينما حرص «شباب الحزب» على القول: إن «ما حصل قد انتهى»، وهو ما حاول أحدهم تأكيده حاملاً «قنينة الماء التي أُلصق عليها عبارة الخرزة الزرقاء».
والحديث مع الناخبين في هذه المنطقة يعكس المزاج الشعبي «الحريري» بلا أي شك، باستثناء بعض الأصوات التي، وإن اختارت التغيير، والتصويت لغير لائحة «المستقبل» فهي قامت بهذه الخطوة ليس أملاً في التغيير وإنما لأسباب مادية بالدرجة الأولى، وهو ما عبّر عنه أحد الرجال قائلاً: «لن أنتخب الحريري لكن لا يعني أن من سأنتخبه سيكون أفضل، سأعطيه صوتي لأنني عملت معه في الانتخابات».
وفي منطقة رأس النبع، المجاورة والتابعة أيضاً لـ«بيروت ثانية» لم يكن الوضع مختلفاً إنما بصورة معاكسة. هنا اللونان الأصفر (حزب الله) والأخضر (حركة أمل)، يطغيان على ما عداهما، مع وجود لافت أيضاً لكلٍّ من مندوبي جمعية المشاريع الإسلامية، التي يتحالف معها «الثنائي الشيعي»، وآخرين محسوبين على المرشح فؤاد مخزومي. أما حضور «اللون الأزرق» هنا فيكاد يقتصر على ثلاثة أو أربعة مندوبين متجولين من الشباب الذين يعترفون بالضرورات السياسية، ويقول أحدهم: «ندرك تماماً الوضع الطائفي والسياسي لهذه المنطقة لذا فضّلنا أن يكون وجودنا محدوداً».
وهنا، أيضاً حيث السواد الأعظم من الناخبين يعلن على الملأ تأييده لـ«حزب الله» و«حركة أمل»، يأتي مَن يرى في القانون النسبي الجديد بارقة أمل في التغيير. وهو ما يعبّر عنه أحد الناخبين مرافقاً ابنه الذي ينتخب للمرة الأولى إلى قلم الاقتراع، ويقول: «نمارس حقنا الديمقراطي في الانتخاب وإن كان أملنا ضعيفاً في التغيير. لكن علّ هذا القانون النسبي أن ينعكس إيجاباً ولو محدوداً لصالح وجوه جديدة من الشباب والشابات». وعلى بعد أمتار قليلة، يقف شابان ينتخبان أيضاً للمرة الأولى، أحدهما عاد من الخارج حيث يعمل، لينتخب، ويتفقان على تأييد «لائحة الثنائي الشيعي» لأنها الأفضل، وفق تعبيرهما، مع إقرارهما بأن الأحزاب التي يؤيدانها لم تقم بدورها كما يجب، معوّلين على تغيير ما في السنوات المقبلة.
ووفق أرقام «الدولية للمعلومات»، يبلغ عدد المسجّلين على قوائم الناخبين في هذه الدائرة نحو 347 ألفاً، اقترع منهم في الانتخابات السابقة نحو 40%، وهو ما يرجّح أن تبقى هذا العام كما هي، حسب الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين. مرجحاً بذلك أن تكون النتائج وفق التوقعات التي تشير إلى فوز الثنائي الشيعي بالمقعدين الشيعيين وخسارة «المستقبل» مقعدين أو ثلاثة للسنة، وذلك من أصل 11 نائباً، بينهم 6 من الطائفة السنّية واثنان من الشيعة وأرثوذكسي واحد ودرزي واحد وإنجيلي (بروتستانتي) واحد.
أما في «بيروت الأولى» حيث كان الوضع أقل تشنّجا، لم تسلم لائحة «كلنا وطني» من الاستهداف السياسي، وقد أعلنت الإعلامية المرشّحة باسمها بولا يعقوبيان، أنه تم إخراج مندوبي اللائحة من معظم أقلام الاقتراع في منطقة الأشرفية، في خطوة وصفتها بـ«المقصودة» من قبل الأحزاب ولمصلحتها.
مع العلم، أن «بيروت الأولى» من أكثر الدوائر التي يعوّل عليها تجمع «كلنا وطني» لإحداث خرق، في مواجهة «لائحتين» رئيسيتين محسوبتين على أحزاب السلطة، الأولى تضم «القوات» و«الكتائب»، والثانية تجمع «التيار الوطني الحر» و«المستقبل» والحزبين الأرمنيين الطاشناق والهانشاك، إضافة إلى لائحة رابعة غير مكتملة تضم ميشيل تويني والنائب سيرج طورسركيسيان وشخصيات مستقلة.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».