تساؤلات حول دور مهرجان «كان» في عهد السينما الجديد

يواجه المنظمون خلافاً مع شركة «نتفلكس» لعرض الأفلام على الإنترنت

فيلم «غيرلز أوف ذا صن» للمخرجة الفرنسية إيف هوسون
فيلم «غيرلز أوف ذا صن» للمخرجة الفرنسية إيف هوسون
TT

تساؤلات حول دور مهرجان «كان» في عهد السينما الجديد

فيلم «غيرلز أوف ذا صن» للمخرجة الفرنسية إيف هوسون
فيلم «غيرلز أوف ذا صن» للمخرجة الفرنسية إيف هوسون

يتوجه صناع السينما العالمية سنوياً إلى كان لحضور أبرز مهرجان سينمائي في العالم، والذي يعرض هذا الشهر أفلاماً تسرد قصصاً لجرائم قتل وقتلة متسلسلين.
ولكن مهرجان كان الـ71 الذي سوف يبدأ فاعلياته، غداً (الثلاثاء)، في منتجع ريفييرا الفرنسي المشهور بأشجار النخيل ويستمر لمدة 11 يوماً، مضطر مجدداً إلى مواجهة أسئلة حول دوره في عهد السينما الجديد، حسب وكالة الأنباء الألمانية.
ويواجه منظمو المهرجان خلافاً مع شركة «نتفلكس» الأميركية لعرض الأفلام على شبكة الإنترنت، التي ساعدت في إعادة تشكيل السينما ولكنها هددت دور العرض السينمائية التقليدية، التي تحتفل بها المهرجانات مثل كان.
وكانت «نتفلكس» قد أعلنت الشهر الماضي أنها سوف تنسحب من المهرجان عقب أن رفضت الانصياع لقاعدة بمهرجان كان تتطلب أن تكون الأفلام المشاركة في المسابقة الرئيسية بالمهرجان قد عُرضت في دور عرض سينمائية في فرنسا.
كما يواجه مهرجان كان انتقادات متجددة بشأن اهتمام المنظمين بالمخرجات وليس المخرجين، والغضب بشأن جدول العرض الجديد وعدم وجود أسماء مخرجين كبار في المسابقة الرئيسية، مما أدى إلى تراجع قوة المهرجان هذا العام.
ويتردد أن عدة مخرجين بارزين مثل الفرنسي جاك أوديار والكندي كزافييه دولان والأميركي تيرانس ماليك ربما يكونون قد قرروا عدم الاشتراك في مهرجان كان هذا العام، وهو ما ينفيه المنظمون.
وبدلاً من ذلك، هناك تكهنات تشير إلى أن بعض المخرجين يضعون نصب أعينهم مهرجانات ستُجرى في وقت لاحق من هذا العام مثل تورونتو وفينيسيا، حيث إن النتيجة سوف توجد زخماً لأعمالهم في إطار الاستعداد لمهرجان أوسكار المقرر في فبراير (شباط) 2019.
ولكن عدم وجود أسماء شهيرة أو صانعي أفلام معتاد أن يتنافسوا على أبرز جوائز المهرجان، السعفة الذهبية لأفضل فيلم، مهّد الطريق أمام مجموعة من صانعي الأفلام الجدد للمشاركة في المسابقة الرئيسية بالمهرجان.
ومن بين الـ21 فيلماً التي سوف تُعرض في إطار المسابقة الرئيسية، هناك 8 أفلام من صانعي أفلام جدد، مما يشير إلى أن مهرجان هذا العام يقدم وجهات نظر جديدة في السينما ويسمح لسحر «كان» الأساسي أن يسطع. ومن بين المخرجين الجدد، الفرنسية إيف هوسون، حيث تدور أحداث فيلمها «جيرلز أوف ذا صن» (Girls of the Sun) حول مقاتلات أكراد، والبولندي باول باوليكوسكي، الذي يُعرض له فيلم «كولد وور» (Cold War)، والكازاخستاني سيرغي دفورتسيفوي الذي يُعرض له فيلم «ذا ليتل وان» (The Little One) وتدور أحداثه حول بحث أم عن طفلها المفقود.
وقال المخرج الفني للمهرجان تيري فريمو في مؤتمر صحافي الشهر الماضي لدى الكشف عن برنامج مهرجان هذا العام: «سوف ترون تجديداً رائعاً».
وسوف يكون «كان» هذا العام ذا طابع سياسي أكثر من المعتاد، حيث ستُعرض أفلام جديدة لمخرجَين مُنعا من مغادرة دولتيهما وهما الإيراني جعفر بناهي والروسي كيريل سيريبرينيكوف.
وهذا دفع المهرجان إلى مطالبة سلطات الدولتين بالسماح للمخرجَين بالسفر إلى «كان» لعرض أفلامهما. كما رد فريمو على الانتقادات بشأن عدد المخرجات اللاتي يشاركن في المسابقة الرئيسية، وهن ثلاث مخرجات، قائلاً إن «كان» ليس لديها خطط لممارسة التمييز لصالح النساء.
وبالإضافة إلى وجود عدد كبير من الأفلام من آسيا في مهرجان هذا العام، يضم برنامج المهرجان أيضاً عدداً من أفلام مخرجين من خلفيات شرق أوسطية، تشمل المخرجة اللبنانية نادين لبكي.
كما دشن المهرجان خطاً ساخناً لمكافحة التحرش الجنسي، عقب ما تردد عن قيام المنتج الأميركي هارفي واينستين بالتحرش بعدد من السيدات في المهرجانات السابقة.
ويبدأ مهرجان «كان» فاعلياته هذا العام بعرض فيلم باللغة الإسبانية للمخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز على جائزة أوسكار، بعنوان «إفري بادي نوز» (Everybody Knows) من بطولة الزوجين بينلوبي كروز وخافيير بارديم.
ومن المرجح أن يعزز وجود بينلوبي وخافيير من سحر المهرجان هذا العام، الذي لا توجد فيه هوليوود بصورة قوية ولن يشهد حضوراً كبيراً للنجوم الكبار.
ويعد فيلم «بلاك كلانسمان» للمخرج الأميركي سبايك لي، الفيلم الأميركي الوحيد من ضمن فيلمين، الذي سوف ينافس على أبرز جوائز المهرجان. وتدور أحداث الفيلم في السبعينات، وتدور قصته حول مخبر أميركي من أصل أفريقي، يتسلل إلى جماعة «كو كلوكس كلان». ويقوم ببطولته الممثل جون ديفيد واشنطن ابن الممثل دنزيل واشنطن. والفيلم الأميركي الآخر هو «آندر ذا سيلفر لاك» (Under the Silver Lake) من إخراج ديفيد روبوت ميتشل وبطولة الممثل آندرو جارفيلد، الذي جسّد من قبل دور سبايدر مان.
ويعود المخرج الدنماركي لارس فون ترير للمهرجان بعد غياب 7 أعوام، لإدلائه بنكات حول النازية، حيث سوف يُعرض له فيلم «ذا هاوس ذات جاك بيلت» (The House That Jack Built) الذي يجسد خلاله مات ديلون دور قاتل متسلسل. وسوف يُعرض الفيلم خارج المسابقة، لذلك هو غير مرشح لأي جائزة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».