الخارجية الأميركية... تحولات على مدار 237 عاماً

يُعتبر منصب وزير الخارجية الأميركي ثاني أهم منصب سياسي بعد الرئيس في الحكومة الفيدرالية، وذلك لما يمثله من أهمية إدارية حساسة، ومتابعة لأكثر من 170 سفارة أميركية حول العالم، وأكثر من 250 منشأة دبلوماسية تابعة لها. يعود تاريخ منصب وزير الخارجية الأميركي إلى عام 1781 عندما استحدثه الرئيس الأول لأميركا جورج واشنطن، بعد أن كان يقوم بمهام هذا المنصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، فيما تم افتتاح أول سفارة أميركية في المغرب، بعد حرب التحرير ضد الإمبراطورية البريطانية، وفقاً للمعلومات التاريخية بموقع الخارجية.
وتاريخياً، يعود استحداث منصب وزير الخارجية إلى المملكة المتحدة البريطانية، إذ كان يمنحه الملك البريطاني إلى الشخصيات المرموقة ذات الخبرة الطويلة والكبار في السن لتمثيل الملك في الدول الخارجية ومتابعة مصالح بريطانيا.
ويجب أن يكون وزير الخارجية مولوداً في أميركا وحاملاً جنسيتها، إلا أن هذين الشرطين استثنيا لشخصين فقط في تاريخ المنصب، الأول عراب الخارجية الأميركية الدكتور هنري كيسنجر الذي ولد في ألمانيا، ثم حصل على الجنسية الأميركية لاحقاً، فيما كان الشخص الآخر أول وزيرة خارجية أميركية مادلين أولبرايت، التي ولدت في تشيكيا ثم انتقلت بعد ذلك مع والديها إلى أميركا لتحصل على الجنسية لاحقاً. ومن أبرز المفارقات أيضاً، أن منصب وزير الخارجية شغله كولن باول الذي يعد أول وزير أميركي من أصل أفريقي، ثم تبعه أول وزيرة أميركية من أصل أفريقي كونداليزا رايس، لتأتي لاحقاً هيلاري كلينتون في هذا المنصب، وأخيراً جون كيري.
يقع مقر وزارة الخارجية في واشنطن في مبنى هاري ترومان، والذي تم افتتاحه بعد الحرب العالمية الثانية في العام 1947. على الشارع 23 في الشمال الغربي، على مقربة ميلين ونصف من البيت الأبيض. وتضم الوزارة نحو 50 ألف موظف في أميركا وسفاراتها حول العالم.
وسيخلّد التاريخ الأميركي أن ريكس تيلرسون وزير الخارجية السابق رقم 67 «المُقال» من منصبه، قضى أقصر فترة وزيراً للخارجية في تاريخ استحداث المنصب (أي منذ 237 عاماً)، والتي بلغت عاماً واحداً فقط، وابتدأت في عهده أزمة السفارات بلا سفراء، إذ تفتقد 57 سفارة أميركية منصب سفير حتى هذه اللحظة.
وحول تعامل الرؤساء الأميركيين مع منصب وزير الخارجية فإن التاريخ الحديث يقدم نماذج في تعامل الرؤساء مع وزرائهم من جانبين: جانب منفذ السياسة، وجانب صانع السياسة. وتشكلت ملامح النموذج الأول في عهد إدارة الرئيس جون كيندي، حيث يعتمد الرئيس في اتخاذ قراراته بما يتعلق بالسياسة الخارجية على معلومات مستشار الأمن القومي، وبهذا تؤخذ القرارات دون الأخذ بالحسبان رأي وزير الخارجية في غالبية الأحيان، والذي يتحول دوره إلى «منفذ». وسار على هذا النهج الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في ولايته الأولى، فقد لعب هنري كيسنجر حين كان وزيرا للأمن القومي حينها دوراً فعالاً جداً في رسم السياسات الخارجية الأميركية على حساب وزير الخارجية حينها ويليام روجرز الذي بقي في الظل ولم يظهر في الصورة.
النموذج الثاني بدأه بشكل واضح الرئيس جيرالد فورد، حيث يكون الرئيس بعيداً عن أغلب مجريات اتخاذ القرارات التي تتعلق بمسألة العلاقات الخارجية، وأحياناً بنفس الشخوص التي أدارت مواقع مختلفة في إدارات سابقة، هنري كيسنجر كان محدداً أساسيا للسياسة الخارجية في عهد الرئيس فورد أثناء عمله كوزير للخارجية، على اعتبار أنه شخصية قوية لها علاقات ممتدة مع مختلف الدول.