غموض حول وجهة عمرو أديب الجديدة بعد استقالته من ON E

رفض استمرار برنامجه في رمضان وراء قرار الرحيل

عمرو أديب
عمرو أديب
TT

غموض حول وجهة عمرو أديب الجديدة بعد استقالته من ON E

عمرو أديب
عمرو أديب

تحيط حالة من الغموض وجهة الإعلامي المصري عمرو أديب المقبلة، بعدما أعلن استقالته من تقديم برنامج «كل يوم» على شاشة قناة «أون إي»، أول من أمس الاثنين، على الهواء مباشرة، اعتبارا من يوم 15 من مايو (أيار) الجاري.
وقال: «أديب» إنه «سيرحل عن عمله الحالي، قبيل حلول شهر رمضان، مكتفياً بالفترة التي قضاها مع أون». وأضاف: «منذ عامين، تلقيت عرضاً للعمل في قناة أون، ووافقت رغم الظروف الانتقالية التي أكدتها لي إدارة القناة، وقررنا كفريق عمل أن نتعاون من أجل مصلحة القناة وتقديم برنامج مميز».
وتابع: «كان الأمر صعباً بالنسبة لي بعد أن عملت 20 عاماً في برامج التوك شو، وأن أبدأ من جديد في القناة، وكانت هناك رهانات حول عدم نجاحي، خاصة أنني عملت في قناة مشفرة لسنوات طويلة، لكني حققت قدراً جيداً من النجاح في العام الأول، وطلبت الرحيل بنهاية العام الماضي من إدارة القناة، لأنني شعرت بأنني قدمت مجهوداً كبيراً ثم تم تأجيل الأمر مع وجود تغييرات إدارية في القناة، مع الجوانب الإعلانية».
ورغم نفي أديب علمه بوجهته المقبلة، موضحا أنها «لا تزال في علم الغيب»، فإن تقارير صحافية مصرية، تشير إلى انتقاله إلى قناة فضائية جديدة (تحت التأسيس) مملوكة لشخصية عربية شهيرة. في وقت كانت بعض التقارير الأخرى قد ذكرت قبل عدة أيام خبر إمكانية رحيل عمرو أديب، عن قناة أون، لمواكبة التغيرات التي تحدث داخل القناة، والتي تضمنت رحيل بعض المذيعين مثل الدكتور معتز بالله عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والإعلامية لبنى عسل.
وقال مصدر، داخل قناة «أون إي»، لـ«الشرق الأوسط»: إن «فريق إعداد البرنامج فوجئ بحديث أديب، عن تقديم استقالته، على الهواء، رغم معرفتهم السابقة برحيله عنها لكن لم يتوقعوا رحيله بهذه السرعة، لأنه كان مقررا استمراره حتى نهاية العام الجاري، باتفاق ودي مع شركة الإعلانات الجديدة، (دي ميديا)، بعد انتقال القناة إليها من شركة (بروموميديا)، التي وقعت التعاقد مع عمرو أديب قبل أكثر من عامين».
وأوضح المصدر أن «أديب طلب من إدارة القناة استمرار برنامجه في شهر رمضان، لساعتين بدلا من 3، لتحليل الأعمال الرمضانية والتعليق على الأحداث اليومية، مثلما حدث العام الماضي، حيث تم نقل إذاعة برنامجه على قناة أون لايف»، لافتا إلى أن أديب، «يسعى من وراء ظهوره في رمضان إلى جمع تبرعات مالية كبيرة لمساعدة المرضى غير القادرين، إذ تمكن العام الماضي من جمع تبرعات بقيمة 50 مليون جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 17.6 جنيه مصري)، تم توجيهها جميعا لعلاج المرضى». مشيرا إلى أنه «يحصل على إجازته السنوية، عقب حلقة ليلة القدر في السادس والعشرين من شهر رمضان، والتي تمثل له أهمية كبيرة. وأكد أديب في أكثر من مرة، أن هذه الحلقة تحديدا هي أهم حلقة في العام، وهي التي تعطيه دائما الدافع للاستمرار طوال العام».
وتابع المصدر لـ«الشرق الأوسط»: «بعد رفض القناة، عمل أديب في رمضان، قرر الاستقالة، لأنه يرى نفسه، الأكثر شهرة وانتشارا بين مذيعي القناة، والأكثر جلبا للإعلانات». وأوضح: «وجهة عمرو المقبلة يكتنفها الغموض، والحديث عن انتقاله إلى قناة شخصية عربية جديدة غير دقيق حتى الآن، لأنه لم يتم اتخاذ خطوات على الأرض لتأسيس القناة حتى الآن، وهذه مسألة تأخذ وقتا طويلا في الإعداد والتجهيزات».
إلى ذلك، أكد أديب أنه «تمسك أخيراً برحيله عن القناة خاصة أنه قدم ما عليه ويشعر بأن مصر الآن في أمان واستقرار تام، بعد إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية، موضحاً أن إدارة القناة وافقت على رحيله قبل بداية شهر رمضان الكريم يوم الـ15 من مايو الجاري».
وأوضح أنه سعيد برحيله وهو ليس حزيناً أو غاضباً من إدارة القناة، ولا توجد أي مشاكل مع الإدارة من أي نوع، مؤكداً أنه حاول تقديم رسالة إعلامية مختلفة مع القناة في الفترة التي قضاها وترسيخ مبدأ الاستقالة الهادئة».
في السياق نفسه، أوضح مصدر مقرب من عمرو أديب، أنه لن يعود مرة أخرى إلى قناة «أوربت» المشفرة بعد تحقيق نجاح كبير في الفضائيات المفتوحة، لافتا إلى أن «معظم المصريين لا يشاهدون القنوات العامة المشفرة، لأنها باشتراك سنوي، والكثير منهم يفضل القنوات المجانية لأنها تفي بالغرض تماما».
يشار إلى أن عمرو أديب يعد واحدا من أشهر مقدمي البرامج في مصر والعالم العربي، بعد تحقيق برنامجه نسب مشاهدة عالية، أمام الشاشة، وعلى موقع يوتيوب، بالإضافة إلى أنه أكثر برامج التوك شو في مصر جلبا للإعلانات. بينما يظل برنامج «القاهرة اليوم» الذي أُذيع على فضائية «أوربت» لأكثر من 20 سنة، أشهر برامج عمرو أديب على الإطلاق. واشتهر عمرو أديب بتعليقاته المثيرة، والممزوجة بنبرة صوت مرتفعة، ميزته عن غيره من المذيعين المصريين، بعدما باتت سمة ثابتة بشخصيته أمام الكاميرا.
«عمرو أديب» المولود في عام 1963 بمدينة المحلة الكبرى، يرأس محطة إذاعة مصرية «نجوم أف إم»، ويشارك في إدارة عدد من المشروعات التي يمتلكها «آل أديب» في مصر. وهو زوج الإعلامية لميس الحديدي، ولديه ولدان. سبق لأديب المشاركة في التمثيل أيضا، إذ قام بأداء دور الصحافي المصري الكبير مصطفى أمين، في فيلم «كوكب الشرق»، الذي دار حول قصة حياة «أم كلثوم»، كما استعان به المخرج الأردني «محمد عزيزية» في إحدى حلقات مسلسل «قضية رأي عام».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)