هل تحجب الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للآداب هذا العام؟

كاتبة أخرى قدمت استقالتها أمس وسط أزمة ثقة غير مسبوقة

أحد احتفالات منح جائزة نوبل للآداب
أحد احتفالات منح جائزة نوبل للآداب
TT

هل تحجب الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للآداب هذا العام؟

أحد احتفالات منح جائزة نوبل للآداب
أحد احتفالات منح جائزة نوبل للآداب

جدل حاد في الأوساط الثقافية السويدية، هذه الأيام، حول تداعيات أزمة الأكاديمية السويدية على منح جائزة نوبل هذا العام، ولربما تمتد تداعيات الأزمة لسنوات لاحقة. فالكل يجمع هنا على أن أزمة الثقة ستكبل أفراد هذه المؤسسة الخاصة بتركيبة نظامها الصارم، خصوصاً فيما يتعلق بمهمتها بمنح الجائزة.
ثمة أصوات تطالب الآن بسحب هذه المهمة من طاولة الأكاديمية، ومنحها إلى مؤسسة أخرى، فيما تتباين الآراء من داخلها حول ترحيل جائزة هذا العام إلى العام المقبل، وهذا ليس بجديد، فقد حصل وأن رُحِّل توزيع الجائزة إلى عام آخر، كما حجبت في أكثر من مرة، بسبب الحربين العالميتين. لكن الشيء المؤكد أن الأكاديمية السويدية، ومنذ تأسيسها في العام 1786على يد الملك غوستاف الثالث، ومن ثم تحميلها مسؤوولية توزيع واحدة من أهم جوائز نوبل، وهي جائزة الأدب، لم تتعرض لمثل هذه الهزة العنيفة التي أدت إلى تصدع جدران وجودها، وجعلتها تدور في أزمة ثقة حادة تلقي بظلالها على منح الجائزة، خصوصاً أن التحقيق جار حول فساد مالي في هذه المؤسسة التاريخية العريقة.
في فترات تاريخية سابقة هبت على الأكاديمية عواصف قللت من شأنها، ولكن ذلك كان في إطار انتقادها واتهامها بضعف تقييماتها للمرشحين للجائزة، كما كشف عن ذلك لارس غللينستين أحد أعضائها البارزين، الذي شغل منصب سكرتيرها الدائم، في فترة ما، حيث وصف ما سماه «حقيقة ما كان يدور من صراعات داخل أروقة الأكاديمية»، في كتابه «الذاكرة والذاكرة فقط» الذي أصدره في العام 2000.
وأشار فيه إلى أن «الصراعات بين أعضائها تركزت على حب النفوذ والمال»، كاشفاً عن طبيعة الخلافات بين أعضاء الأكاديمية فيما يتعلق بعدم تحرك الأكاديمية السويدية إزاء الفتوى التي أطلقها آية الله الخميني ضد الكاتب البريطاني الهندي الأصل سلمان رشدي، بسبب كتابه «آيات شيطانية» العام 1989. الأمر الذي دفع بعضو الأكاديمية الكاتبة شيشتين أيكمان إلى مقاطعة جلسات الأكاديمية، احتجاجاً على عدم توقيع الأكاديمية على مذكرة الاحتجاج التي أطلقها نادي القلم ضد الفتوى، بدافع الخوف من أن تتهم بالانحياز السياسي. لكن هذه المرة فالأمر مختلف تماماً.
بدأ فتيل الأزمة عندما نشرت صحيفة «داغينس نيهتر»، إحدى كبريات الصحف السويدية في 28 من نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، شهادات نساء يتهمن فيها شخصاً مقرباً من الأكاديمية بالتحرش الجنسي، ثم تصاعد اللهب ليضيء جوانب أخرى مخفية في جسد هذه المؤسسة، التي تجاوز عمرها قرنين وثلاثة عقود. فأعضاء المجموعة، البالغ عددهم 18 شخصاً، المنغلقون على ذواتهم، والمنهمكون بالقراءة والعمل بكتمان، حسب لائحتها الداخلية وطبيعة دورها في مسؤولية رعاية اللغة واختيار الفائزين لجائزة نوبل في الآداب، «ليسوا سوى بشر مثلنا»، كما علق أحد الصحافيين. فهم لم يبخلوا في انتقاد بعضهم البعض، علناً، والتراشق باتهامات وبالتواطؤ المالي، والحديث عن تسريب أسماء من فازوا بالجائزة قبل الإعلان عنها، حتى وصل الأمر إلى ترك ثلاثة من الأعضاء المهمين في الأكاديمية لمقاعدهم في الأكاديمية، احتجاجاً على عدم نجاحهم في التصويت على إقالة أحد الأعضاء، وهي زوجة الشخص المتهم بالتحرش الجنسي، الذي سمته وسائل إعلام «خدمة الجمهور» (الإذاعة والتلفزيون) بالـ«الشخصية الثقافية»، وبالحصول على تمويل لمشروعه الثقافي من الأكاديمية بواسطة الزوجة، فضلاً عن تسريب أسماء فائزين بجائزة نوبل في الآداب، قبل الإعلان الرسمي عنها.
وفي سياق تفاعل الأزمة، وفي الاجتماع الطارئ الذي عقده ما تبقى من أعضاء الأكاديمية تمت إقالة السكرتير الدائم للأكاديمية سارا دانيوس، وتعيين الكاتب والباحث اللغوي أندش أولسون، سكرتيراً مؤقتاً بدلاً عنها.
وكانت سارا دانيوس أول امرأة تبوأت هذا المنصب في تاريخ الأكاديمية السويدية. ولم تدم به سوى سنتين فقط. وقد تفاعل المجتمع السويدي مع هذه الأحداث المتتالية، حيث نظمت حملة دعم للسكرتيرة المُقالة، شاركت فيها شخصيات شعبية ورسمية، من بينها وزيرة الثقافة آليس كونكه. كما طالب أكثر من مائتين وثلاثين باحثاً وأكاديمياً في مجال الأدب والثقافة بحجب الثقة عن الأكاديمية السويدية. حتى بلغ عدد من تركوا مقاعدهم في الأكاديمية ثمانية أعضاء، بالإضافة إلى السكرتيرة الدائمة.
ومن أجل إنقاذ هذه المؤسسة التاريخية، تدخل ملك السويد كارل غوستاف الثالث عشر، باعتباره راعي الأكاديمية السويدية التي أسسها جده غوستاف الثالث في العام 1786، لإجراء تعديل على نظامها الداخلي يتيح بموجبه حق العضو بالاستقالة، وليس كما هو منصوص الآن، حيث يمكن للعضو أن يقاطع اجتماعات الأكاديمية، ولكن يبقى مقعده باسمه حتى وفاته. وينص التعديل أيضاً على حق أعضاء الأكاديمية في اختيار أعضاء جدد.
بعد الإعلان عن التعديل الملكي على النظام الداخلي للأكاديمية السويدية، مباشرة، أعلنت الكاتبة لوتا لوتاس عن تقديمها طلب الاستقالة من عضوية الأكاديمية السويدية. ثم بعد أيام أعلن عضو آخر عن تقديم استقالته من الأكاديمية السويدية، وهي الكاتبة سارا ستريدبيري. حيث جاء ذلك في بلاغ صحافي للأكاديمية أن ستريبيري قدمت اليوم (أول أمس) السبت 27 أبريل طلباً لإعفائها من عضوية الأكاديمية.
يذكر أن الكاتبة انتمت إلى الأكاديمية العام 2016 بهدف التجديد في حياة هذه المؤسسة التي بات أغلب أفرادها كباراً في السن.

هل تفقد الأكاديمية السويدية
مهمة نوبل؟
تدخل الملك في تعديل جزء من النظام الداخلي للأكاديمية، واجه تحفظاً في بادئ الأمر، فالأكاديمية السويدية مؤسسة مستقلة، لا علاقة لها بمؤسسات الدولة. لكن تم قبوله باعتباره حلاً للأزمة. غير أن أزمة الأكاديمية، لم تنته، وبدا هناك تخوف من فقدانها للدور المهم الذي تضطلع به منذ العام 1901 عندما بدأت بمنح جائزة نوبل في الأدب لأول مرة. ويأتي هذا الهاجس على خلفية أن اسم الأكاديمية السويدية لم يرد في وصية نوبل بمن سيتولى مهمة اختيار من يفوز بجائزة الأدب، بل جاء في نص الوصية «أن تقوم أكاديمية في استوكهولم»، دون ذكرها بالاسم كاملاً. وقد تم تفسير ذلك بأنه يعني الأكاديمية السويدية التي تقوم مهمتها الأساسية على التعامل مع اللغة السويدية، وإصدار القاموس، ووضع أسس النحو إلى آخره. وبهذا فإن مؤسسة نوبل هي الجهة التي منحت الأكاديمية السويدية هذا الدور، وهي صاحبة الحق في إعفائها منه. وليس من المستبعد أن يكون هذا أحد الخيارات المطروحة، فقد تصاعدت أصوات عدد من الباحثين والأكاديميين في مجال اللغة والأدب بالتنويه إلى أن الأكاديمية السويدية فقدت مصداقيتها، ولم تعد مؤهلة لاختيار من يحصل على جائزة نوبل في الأدب، وأن بالإمكان حصر دورها في المساهمة بطرح أسماء مرشحين، شأنها شأن أكاديميات أخرى. مؤسسة نوبل نفسها عبَّرت عن قلقها من هذه الأزمة، وأشارت في بلاغ رسمي موقّع بأسماء أعضاء هيئتها الإدارية الثمانية إلى أن الثقة بالأكاديمية السويدية تصدعت كثيراً، معربة عن تخوفها من تأثير ذلك على جائزة نوبل. وهي بانتظار ما ستكشف عنه الأيام المقبلة، وما ستسفر عنه دعوة السكرتير الدائم (المؤقت) للأكاديمية أندش أولسون، الأعضاء المنسحبين، إلى العودة إلى مقاعدهم. كما أن قضية الاتهامات بالتحرش الجنسي والمخالفات المالية تحولت من طاولة مكتب المحاماة إلى الشرطة للتحقيق فيها.

ما الذي سيحدث في مسألة منح جائزة نوبل في الأدب هذا العام؟
الجواب على هذا السؤال الآني يبدو ملتبساً، لكن باعتقادي، سيأتي شهر أكتوبر (تشرين الأول) ومعه الإعلان عن حائز جديد بالجائزة، فأعضاء الأكاديمية السويدية، ربما، توصلوا إلى غربلة المرشحين، قبل انفجار الأزمة، وقلصوا عدد المرشحين، وحددوا ما يُعرف بالقائمة القصيرة. وقد يتوافقون على اسم الفائز. لكن المشكلة لا تكمن فقط في منح الجائزة هذا العام أو ترحيل منحها إلى العام المقبل، وإنما بتصدع الثقة في الأكاديمية السويدية، التي تواجه دائماً باتهامات كونها مسيسة وتقييماتها لمن يفوز بجائزة نوبل من منطلقات غير أدبية.



إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.