بيل غيتس: السعودية من الدول السخية في المجال الإنساني والخيري

توقع ألا يبقى بلد فقير بحلول عام 2035

بيل غيتس (تصوير: عبد الله آل محسن)
بيل غيتس (تصوير: عبد الله آل محسن)
TT

بيل غيتس: السعودية من الدول السخية في المجال الإنساني والخيري

بيل غيتس (تصوير: عبد الله آل محسن)
بيل غيتس (تصوير: عبد الله آل محسن)

قال بيل غيتس الرئيس المشارك لمؤسسة «بيل ومليندا غيتس» ومؤسس شركة «مايكروسوفت» إن السعودية من أكبر الدول العربية والإسلامية سخاء في المجال الإنساني والخيري، ومن أكبر الدول الداعمة لبنك التنمية الإسلامي.
وبين أن 90 في المائة من الأعمال الخيرية تقام داخل السعودية، بينما عشرة في المائة تذهب خارجها، وأن أميركا تقابلها في هذا المجال مقارنة بالدول الأوروبية والصين، مرجعا هذه النسبة إلى أن «الإحسان يذهب بالأولى لأهل البيت».
وبين غيتس في مؤتمر صحافي بجدة أمس، أن الوضع الصحي للأطفال في الدول الإسلامية يشهد تحسنا ملحوظا، رغم ازدياد أعداد الوفيات من الأطفال فيها بسبب أمراض يمكن علاجها بقدر قليل من المال، مشيرا إلى أن هذا التطور الملحوظ والتغير الذي حدث جعل اسم هذه «الدول النامية والمتطورة» لا ينطبق على الوضع الحالي.
وتوقع أنه بحلول عام 2035 لن يبقى تقريبا في العالم أي بلد فقير، ولن يصل أحد إلى مستوى فقر أي من البلدان الـ35 التي يصنفها البنك الدولي بلدانا منخفضة الدخل اليوم.
ولفت إلى أن القياسات تشير إلى أن العالم في وضع أفضل، «فالأمية والجرائم في انخفاض ملحوظ، إضافة إلى النمو في الاقتصاد»، مبينا أنه رغم التحديات في الاستقرار، فإن السعي والجهود الحثيثة للحد من الفقر سيساهم في الاستقرار على المدى القريب.
وعد تفشي مرض شلل الأطفال أحد أبرز هذه التحديات؛ «حيث إنه موجود حتى الآن في باكستان وأفغانستان ونيجيريا، بالإضافة إلى تفشيه أخيرا في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا في كل من سوريا والعراق».
وأرجع غيتس الوضع المتردي في اليمن وباكستان إلى ضعف الأنظمة مقابل النمو السكاني الكبير، وشدد على ضرورة وضع حد معين لعملية الإنجاب في هذه الدول من خلال مساعدة المرأة في استعادة تحكمها في أمور حياتها الخاصة.
وقال إن استدامة المستقبل تتحقق من خلال الاستثمار في الفقراء وليس بالإصرار على معاناتهم، مؤكدا أن مؤسسة «بيل ومليندا» تعمل على توفير اللقاحات، وأنها أوجدت لقاحات خاصة لنوع محدد من شلل الأطفال في كثير من دول العالم ومن بينها باكستان وأفريقيا واليمن، إلا أنها لم تذهب إلى العراق.
ويعتقد غيتس أنه من الممكن العمل لمواجهة هذا التحدي والتصدي له الآن، «لذلك تتعاون مؤسسة (بيل ومليندا غيتس) مع عدد من الشركاء في مختلف أنحاء الشرق الأوسط لمواجهة هذه التحديات العالمية، لا سيما تلك التي تواجهها البلدان الإسلامية بشكل خاص في مجالي الصحة والزراعة».
ورأى غيتس أنه «ما من برنامج مثالي وطرق لجعل المساعدات أكثر فعالية»، عادّا المساعدات إحدى الأدوات لمكافحة الفقر والأمراض، وأن البلدان الثرية تحتاج إلى إجراء تغييرات في السياسات «على غرار فتح أسواقها والحد من الإعانات الزراعية، في حين تحتاج البلدان الفقيرة إلى زيادة في الإنفاق على الصحة والتنمية من أجل شعوبها».
جاء ذلك خلال زيارة بيل غيتس للسعودية للمشاركة في الذكرى الـ40 لتأسيس البنك الإسلامي للتنمية، وذلك تقديرا منه لمساهمة البنك في بعض من أهم مشاريع التنمية العالمية على مدى السنوات الـ40 الماضية، حيث يفخر غيتس بشراكته مع البنك.
ويولي غيتس موضوع شلل الأطفال اهتماما كبيرا، ولكن هناك مجموعة من التحديات التي يعمل على التصدي لها أيضا مثل مرض الملاريا، «كما تعمل المؤسسة على مساعدة المزارعين الفقراء لإنماء محصولات زراعية أكثر، وبالتالي تمكينهم من إطعام أسرهم وكسب لقمة العيش».
ويؤمن غيتس بأن القضاء على هذه الأمراض لا يتطلب مساعدة المنظمات الكبيرة للمجتمع فحسب، بل إنه يحتاج للعمل الجاد والابتكار المستمر من خلال البحث العلمي، حيث يعد هذا أحد محاور تعاونه مع الشركاء في الشرق الأوسط لإيجاد الحلول المناسبة للتحديات التي تواجه المنطقة.
وزار غيتس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، واطلع على عمل مجموعة من الباحثين في مجال الزراعة تحت ظروف مناخية جافة وكيفية إنماء المحاصيل فيها. وسيسهم هذا البحث في مساعدة المزارعين في السعودية وخارجها في البلدان الفقيرة أيضا.
ويجد غيتس أن إنماء المحاصيل قرار صعب وأن مصاعب المياه لا يمكن في ظلها تغطية المساحات الزراعية، وأن حل هذا الأمر يكمن في التعاون مع الدول التي لديها وفرة في المياه والاستثمار فيها من أجل توفر إنتاج للطرفين، «فالبحث تدفعه احتياجات السوق، إضافة إلى الاعتماد على بعض الأصناف الملائمة للبيئة»، وأن هدف مؤسسته هو توفير الأسمدة والمحاصيل الزراعية واللقاحات.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».