معبر إبراهيم الخليل.. بوابة تجارية عتيقة تدر ملايين الدولارات على خزينة العراق وكردستان

يعد النقطة الاستراتيجية الرابطة بين الإقليم الكردي والعراق وتركيا ومنها إلى أوروبا

شاحنة محملة بسيارات جديدة تعبر معبر إبراهيم الخليل باتجاه كردستان العراق («الشرق الأوسط»)
شاحنة محملة بسيارات جديدة تعبر معبر إبراهيم الخليل باتجاه كردستان العراق («الشرق الأوسط»)
TT

معبر إبراهيم الخليل.. بوابة تجارية عتيقة تدر ملايين الدولارات على خزينة العراق وكردستان

شاحنة محملة بسيارات جديدة تعبر معبر إبراهيم الخليل باتجاه كردستان العراق («الشرق الأوسط»)
شاحنة محملة بسيارات جديدة تعبر معبر إبراهيم الخليل باتجاه كردستان العراق («الشرق الأوسط»)

«معبر إبراهيم الخليل» الحدودي، من أكثر النقاط الحدودية التي لا يزال العراق وإقليم كردستان العراق يعتمدان عليها تجاريا منذ عشرات السنين، فهي النقطة الاستراتيجية التي تعد الأقرب له مع تركيا أكثر الدول التي تربطه بها تجارية قوية منذ عدة عقود، وهي كذلك بوابة العراق على القارة الأوروبية.
في تسعينات القرن الماضي، كان المعبر وعائداته يشكلان المصدر الرئيس لميزانية إقليم كردستان العراق، ويقوم على تيسير أمور المعبر المالية والإدارية حكومة الإقليم، والتي تشكلت بعد انتخابات التاسع عشر من مايو (أيار) لعام 1992 في ظل سياسة الأمر الواقع استنادا إلى قرار مجلس الأمن الدولي 1992 الذي وفر الأمان لإقليم كردستان بعد أن طالب الحكومة العراقية السابقة بالكف عن التدخل في شؤون الإقليم.
يعد هذا المعبر الحدودي اليوم من أهم المصادر التي تؤمن عائدات للعراق وإقليم كردستان عن طريق البر مع وجود مصادر تبادل أخرى مع الإقليم بالتجارة جوا عن طريق مطاري أربيل والسليمانية.
يقول رشيد طاهر وكيل وزارة المالية في حكومة إقليم كردستان لـ«الشرق الأوسط»: «يدر هذا المعبر المهم أرباحا سنوية تفوق العشرة ملايين دولار عن طريق التبادل التجاري بين الإقليم والعراق ككل مع تركيا وبقية دول العالم».
وبين طاهر أن إيرادات وعائدات المعبر تعد إيرادات سيادية لا يحق للإقليم التصرف بها وحده، بل تدخل إلى الخزينة الاتحادية، نافيا بذلك كل الاتهامات الموجهة لحكومة الإقليم في انفرادها بالتصرف بعائدات هذا المنفذ الحدودي بالذات.
ووصف وكيل وزارة المالية هذا المعبر بـ«الرئيس» للتبادل التجاري في الإقليم مع تركيا، ومن ثم أوروبا، مشيرا إلى أن هذا المعبر يستقبل كل أنواع البضائع، حيث تمر عبره يوميا مئات الشاحنات التي يتجه جزء منها إلى الإقليم في حين يذهب الجزء الأكبر إلى بقية مدن العراق.
وبين أنه لا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد الشاحنات التجارية الداخلة للمنفذ الحدودي عن طريق تركيا، مؤكدا أن المخاطبات مع الحكومة المركزية مستمرة كون المعابر «تنفذ سياسة الحكومة العراقية في التصرف مع إدارة المعبر والالتزام بوصول عائداته للخزينة الحكومية».
من جهته، بين رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية في الإقليم دارا جليل خياط، أن معبر إبراهيم خليل الحدودي هو أكثر المعابر الحدودية للعراق حركة تجارية، رغم أنه ليس الوحيد.
وأوضح خياط لـ«الشرق الأوسط» أنه رغم أن هناك أكثر من معبر حدودي يربط العراق والإقليم بدول الجوار منها معبرا حاج عمران في أربيل وباشماخ في السليمانية، بالإضافة إلى الحدود السورية، فإن الاهتمام والضغط الأكبر هو على معبر إبراهيم الخليل، معللا السبب بقرب الموانئ التركية على الحدود العراقية ولسلامة مرور الحاويات وسرعة الإجراءات المتبعة في المعبر، حيث تتخذها الكثير من الشركات كمعبر أساسي لإدخال البضائع للإقليم ومنه لبقية أنحاء العراق.
وأضاف خياط أن معبر إبراهيم الخليل الحدودي لم يعد بإمكانه تحمل الكم الهائل من الازدحام والضغط بسبب كثرة الشاحنات الداخلة للإقليم عن طريقه، حيث سيساعد افتتاح معبرين جديدين في قضاء زاخو بمحافظة دهوك على تسهيل حركة المرور، والتقليل من تكدس الشاحنات التجارية، بالإضافة إلى تسريع التبادل التجاري بين العراق وتركيا.
ولم يخف خياط أن الحركة التجارية في معبر إبراهيم الخليل الحدودي «هي الأقوى والأكثر فعالية من بقية المعابر، حيث تدخل آلاف الشاحنات عن طريقه إلى الإقليم».
وحسب آخر الإحصائيات بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وإقليم كردستان العراق ما يقارب الـ8 مليارات دولار خلال العام الماضي 2012، حيث قامت حكومة الإقليم باستثمار الأموال التركية في تطوير مطاراتها الجديدة في أربيل، ودهوك.
مشير رشيد، نائب رئيس غرفة تجارة وصناعة دهوك، عد قرار افتتاح المعبرين الرابطين بين الإقليم وتركيا «حلا مهما لتسهيل التبادل التجاري مع تركيا، حيث سيخفف كثيرا من المعاناة التي يراها التجار والمسؤولون الإداريون يوميا من جراء الزخم الذي يؤخر في كثير من الأحيان دخول البضائع والمسافرين للإقليم وحتى عبور المسافرين من الإقليم للجانب التركي عبر معبر إبراهيم الخليل».
وكشف مشير في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» عن أن الازدحام الذي شهده المعبر في الآونة الأخيرة والمعاملات الجمركية بالإضافة إلى انخفاض نسبة دخول الشاحنات تسبب في ارتفاع أسعار النقل البري بين تركيا والإقليم بشكل كبير وبنسبة تضاهي الـ30 - 40% من السعر الأصلي.
وأرجع مشير سبب انخفاض دخول الشاحنات التجارية إلى الإقليم إلى تعليمات الدولة التركية والتي تحدد دخولها في عدد معين يجب عدم تجاوزه، بالإضافة إلى صعوبة الإجراءات من تفتيش وتحويل وغيرهما للشاحنات التي تحمل أحيانا مواد غذائية أو إنشائية، حيث تأخذ الكثير من الوقت.
مشير رشيد عد افتتاح مطار دهوك الدولي حلا جذريا للتخلص من كل المشكلات التي تواجه الحركة التجارية في المعبر الحدودي، حيث لن يضطر المسافرون إلى تركيا للذهاب لأربيل والسفر عن طريق مطارها. وأكد أن المطار سيكون «ميناء اقتصاديا وتجاريا مهما وبوابة إلى تركيا ومنها إلى أوروبا والعالم».
ولم يخف نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة في دهوك، أن التجار يعانون كثيرا من هذه الإجراءات والزخم الموجود على المعبر، وقال «عندما توجه لنا الدعوات لزيارة تركيا، يكون العبور إليها أحيانا سهلا إن كانت هناك تسهيلات إدارية عن طريق الجهات الحكومية، ولكن عندما لا تتوفر لدينا هذه التسهيلات نضطر أحيانا للانتظار أكثر من خمس ساعات لعبور الحدود والتوجه نحو ديار بكر أو ماردين أو غازي عنتاب».
وعن الازدحامات والزخم الموجود في المعبر أثناء مرور المسافرين، بين نجم الدين نيرويي أن معبر إبراهيم الخليل الحدودي لا يواجه أي مشكلة من هذا القبيل في الجانب العراقي في إقليم كردستان، لكن الجانب التركي هو الذي يوقف الشاحنات والعجلات التجارية المحملة بالبضائع.
وقال إن «الجانب الكردستاني إجراءاته بسيطة، وهناك تأخير بالساعات من قبل الجانب التركي لما يدخل الإقليم، وخصوصا الشاحنات الكبيرة التي تمر عبر أجهزة التفتيش والكشف عن وجود ممنوعات، أو أي أشياء تخالف القانون وأنا أؤكد لكم أن كثيرا من الامتعاضات التي نسمعها دوما من قبل السائقين، وبالأخص سائقي الشاحنات الكبيرة هي من الجانب التركي».
السلطات الأمنية في الإقليم أعلنت أكثر من مرة أن هناك تهريبا بشكل منتظم ينفذ من قبل بعض الجماعات، وبالأخص تهريب السجائر التي انتهت صلاحيتها.
وهنا يؤكد نيرويي أن هذه المشكلة شكلت «تحديا حقيقيا للإقليم والتجارية عبر هذا المعبر بشكل عام»، مشيرا إلى أنه جرى التعامل مع هذه المشكلة بنسبة كبيرة، حيث يجري تفتيش السيارات والحقائب الداخلة للإقليم بشكل دقيق، وأي شك حول أي مادة تحجز لحين التأكد من صحتها وعدم إضرارها بالإقليم أو عدم استخدامها لأغراض تجارية محرمة قانونيا.
مسؤول الإعلام في مجمع إبراهيم الخليل الحدودي كشف عن أن هناك إجراءات تتبع مع المواد التي يجري إدخالها للإقليم، مؤكدا أنه لا ضير في مواد تجلب كهدايا أو مشتريات خاصة من تركيا بالحد المعقول، لكن وكما أوضح نيرويي «الشك سيساور الجهات الأمنية إن كان ما يجري إدخاله فاق العدد والحجم المعقول المحدد من قبلها، وبالأخص ما كان متعلقا بالأجهزة الإلكترونية كالكاميرات وأجهزة الجوال وغيرها».



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.