صناعة السيارات أمام ثورة تقنية... ومفهومية

بعد المركبات الرباعية الدفع... الدفع الكهربائي والقيادة الذاتية

«آي إكس 3» الكهربائية من «بي إم دبليو» تشير إلى سيارات المستقبل
«آي إكس 3» الكهربائية من «بي إم دبليو» تشير إلى سيارات المستقبل
TT

صناعة السيارات أمام ثورة تقنية... ومفهومية

«آي إكس 3» الكهربائية من «بي إم دبليو» تشير إلى سيارات المستقبل
«آي إكس 3» الكهربائية من «بي إم دبليو» تشير إلى سيارات المستقبل

فاجأت شركة فورد الأميركية أوساط الصناعة هذا الأسبوع بإعلانها تقليص عدد طرازاتها من السيارات السيدان (الصالون) في شمال أميركا بعد نهاية العمر الافتراضي للقطاع الحالي من السيارات في غضون سنوات قليلة. وبالتالي، لن يبقى من سيارات السيدان التي تنتجها فورد سوى طرازين فقط هما «موستانغ» و«فوكوس أكتيف».
الشركة، التي كانت لها بفضل مؤسسها هنري فورد الريادة العالمية في مجال التصنيع عبر خطوط الإنتاج، ذكرت أنها ستركز من الآن فصاعدا على فئات أخرى من المركبات، مثل الشاحنات و«الكروس أوفر» والمركبات الوعرية والرياضية الرباعية الدفع. وأوضح جيم هاكيت، رئيس الشركة، أنه سيرفع الاستثمار في القطاعات الأكثر ربحية في الشركة ويتعامل بحزم مع القطاعات الخاسرة إما بالإصلاح أو الإغلاق.
قرار فورد، أمس، سيعني نهاية الطريق في سوق أميركا الشمالية بالنسبة لبعض أشهر الطرازات مثل «فييستا» و«فيوجن» و«توروس». وستتوجه الشركة لإنتاج طرازات تعبر عن الفلسفة الجديدة للمركبات التي توفر المرونة والمساحات الداخلية التي يطلبها المستهلك من دون الإسراف في استهلاك الوقود.
فورد، في الواقع تعاني اليوم مع شريكتيها في السوق الأميركية جنرال موتورز وكرايسلر، من ثلاثة عوامل حدت بها لاتخاذ هذا القرار. الأول هو التطور المذهل في تقنيات الصناعة الذي يشمل ضمن ما يشمل اعتماد محركات الدفع الكهربائي والمركبات الذاتية القيادة. والعامل الثاني دخول شركات من مجالات أخرى إلى مجال تصنيع السيارات الكهربائية ونجاح بعضها في هذا المجال، مثل شركة تيسلا، التي سبقت شركات السيارات في إنتاج سيارات كهربائية عملية في أكثر من قطاع. وراهناً، هناك العديد من الشركات الأخرى التي تتأهب لتدشين سيارات كهربائية في مراحل لاحقة منها غوغل وآبل ودايسون والعديد من الشركات الصينية غير المعروفة عالميا. وأما العامل الثالث فهو تغير فلسفة السيارة ومفهومها والغرض من استخدامها وعدد مستخدميها في الأسرة الواحدة.
على صعيد المحركات الكهربائية تأخرت شركات تصنيع السيارات بعض الشيء في طرح نماذج كهربائية باستثناء نيسان التي نجحت بطراز «ليف» الذي يمثل أكثر السيارات الكهربائية مبيعا في العالم حاليا. وفي معرض بكين الجاري حاليا تعرض شركة بي إم دبليو طرازا كهربائيا جديدا بالتعاون مع شركة «بريليانس» الصينية أطلقت عليه اسم «آي إكس 3» وهو من طرازات المركبات الرياضية المدمجة الرباعي الدفع وتفتتح به المجموعة الألمانية التوسع في المجال الكهربائي من قطاع «آي» في الشركة الذي ينتج حاليا سيارة كهربائية واحدة هي «آي 3» بالإضافة إلى سيارة من نوع هايبرد هي «آي 8». وتدفع بعض الحكومات الأوروبية صناعة السيارات إلى الالتزام بإنتاج سيارات كهربائية وهايبرد فقط خلال مدى زمني حددته بريطانيا وفرنسا بعام 2040، وسبقتها الدول الاسكندنافية بتطبيق أسرع زمنيا لتعميم السيارات الكهربائية.

المركبات الذاتية القيادة
توفر معظم السيارات الجديدة الآن المستوى الأول أو الثاني من القيادة الذاتية التي تصل إلى خمس مستويات يعد فيها المستوى الخامس أعلى درجات القيادة الذاتية. وهناك سيارات معدودة توفر المستوى الثالث من القيادة الذاتية مثل سيارات أودي «إيه 8» الجديدة. وعلى الرغم من حادث مقتل سيدة في ولاية أريزونا الأميركية أخيراً بسيارة تتبع شركة «أوبر» كانت تنطلق بنظام القيادة الذاتية، فإن أبحاث القيادة الذاتية تؤكد أن هذه النظم ستعمم في المستقبل وستوفر من تكاليف التأمين على السيارات من ناحية وقد تنهي حوادث المرور التي تقع الآن بسبب الأخطاء البشرية.

فلسفة ومفاهيم تتغير
أخيراً، من التحديات الأخرى التي تواجه صناعة السيارات التغير الحاصل في نمط ملكية السيارة في المستقبل واستخدامها. ولقد أثبتت شركات مثل «أوبر» أن استخدام السيارات وقت الحاجة إليها يعد الآن من الأمور العادية. ويعد نظام المشاركة في الخدمة أقل تكلفة وأسهل للمستهلك من ملكية سيارة كاملة. فالمستهلك يدفع فقط ثمن الخدمة وقت الحاجة إليها ولا يضطر إلى البحث عن أماكن لركن مركبته أو تحمل تكاليف صيانتها والتأمين عليها. وتساهم التقنيات الجديدة مثل تطبيقات الهاتف الجوال على انتشار مثل هذه الخدمات وبدأت في المدن الأوروبية تجارب نوادي السيارات التي توفر السيارات لمن يحتاج إليها لفترات محدودة مقابل اشتراك سنوي في النوادي. وتعمل عدة شركات سيارات كبرى على تبني هذه التجارب وتطبيقها في المدن كبديل لنمط بيع السيارات بالجملة الذي لم يتغير منذ قرن كامل.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».