البورصات العلمية... من الدودة الحمراء إلى المواد الكيميائية

باحثون أسسوا روابط لتوفير احتياجاتهم بأسعار مناسبة

TT

البورصات العلمية... من الدودة الحمراء إلى المواد الكيميائية

نقّب محمد أنور، الباحث المتخصص في الطحالب بكلية الزراعة جامعة الزقازيق، عن مصدر لتوفير دودة الأرض الحمراء (red wiggler) لاستخدامها في إنتاج سماد «الفيرمي كمبوست»، لكن أحد المنتجين المحليين طلب مقابلاً مادياً كبيراً لتوفير كمية منها، لكن الصدفة قادت الباحث إلى صفحة على موقع «فيسبوك» يعرض فيها منتج آخر سعراً أقل.
لم يكتفِ أنور بالحصول على احتياجاته، إذ ناقش المشكلة التي واجهته على المنتج صاحب السعر الأقل، فقررا إنشاء «بورصة» أو رابطة تحدد أسعار الدود والسماد بشكل أسبوعي، ووفق مقتضيات العرض والطلب. وتفرز دودة الأرض الحمراء إنزيماتٍ قادرة على تحويل المخلفات العضوية إلى سماد خالٍ من الكيميائيات يعرف باسم «فيرمي كمبوست»، وأصبح هذا النوع من السماد يحظى بإقبال تجاري وبحثي، مما أدى للزيادة في أعداد الراغبين في شراء تلك الدودة. ويقول محمود عبد العزيز مؤسس البورصة لـ«الشرق الأوسط» إن «التجاوب مع الاتجاه لإنتاج سماد خالٍ من الكيماويات والطلب المتزايد عليه، دفعنا لتوفير آلية أسهل للسيطرة على السوق ومنع المتلاعبين بالأسعار، فاهتدينا لفكرة البورصة».
ويلتقي منتجو الدود و«الفيرمي كمبوست» من المحافظات المصرية بشكل أسبوعي عبر صفحة «فيسبوك»، التي أطلقها عبد العزيز للاتفاق على تحديد أعلى وأقل متوسط سعر، ليكون بمثابة سعر استرشادي يلتزم به المنتجون.
ويثني د. أبو الخير بدوي، رئيس وحدة بيوتكنولوجيا الطحالب بالمركز القومي للبحوث في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، على فكرة البورصة «لما تساهم فيه من رواج لسماد «الفيرمي كمبوست» بسعر مقبول جدا، لإجراء أبحاث عليه».
وأعرب د. بدوي عن أمنيته في تعميمها لكثير من المواد العلمية التي يحتاج إليها الباحثون و«أصبح توفيرها صعباً جدّاً، ويلجأ المستوردون إلى المبالغة في تحديد سعرها بحجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري».
ما تمناه د. بدوي تحققه بورصة أخرى أطلقت أيضاً عبر «الفيسبوك» لتحديد السعر المقبول للمواد الكيميائية.
ولجأت أمنية فتحي، الباحثة بقسم الهندسة الكيميائية بكلية الهندسة جامعة أسيوط، إلى هذه البورصة التي أطلقتها إحدى شركات بيع المواد الكيميائية، للحصول على الفحم النشط لاستخدامه في أحد أبحاثها بشأن تنقية المياه من الملوثات.
وتقول أمنية لـ«الشرق الأوسط»: «كنتُ أجري بحثاً على استخدام الكربون النشط الذي قمت بتحضيره من المخلفات الزراعية في تنقية المياه من الملوثات، وكان لا بد من إجراء مقارنة مع الفحم النشط المتاح تجاريّاً، فلجأت إلى توفيره عبر هذه البورصة بعد أن عجزت إدارة الكلية عن توفيره بسبب مغالاة المستوردين في الأسعار».
ويضطر كثير من الباحثين لشراء مستلزمات أبحاثه من أمواله الخاصة، بسبب عجز الميزانية الرسمية عن توفيرها بشكل سريع، وهو ما قد يعوقهم عن إنهاء أبحاثهم في الموعد المحدد لتقديمها من أجل الترقي.
وتحتوي الصفحة الرسمية للبورصة على عشرات القصص لباحثين أثنوا على هذه الخدمة التي ساعدتهم في توفير مواد كيميائية بشكل أسرع ساعدهم على إنجاز أبحاثهم، ومن هؤلاء وائل خليل الذي يعمل باحثاً في إحدى شركات الأدوية.
ويقول خليل لـ«الشرق الأوسط»: «نجحنا من خلال البورصة في الحصول على كمية من الكحول الإيثيلي تركيز 96 في المائة الذي كانت تحتاج إليه شركتنا».
واتخذت بورصة ثالثة يقوم عليها الصيادلة شكلاً مختلفاً، حيث تهدف إلى السيطرة على سوق الدواء وإجبار شركات الأدوية على توفيره بسعر مقبول.
ويقول الصيدلي وائل أبو الخير، مؤسس تلك البورصة التي اتخذت هي الأخرى من «فيسبوك» مجالاً لنشاطها: «نهدف من خلالها إلى إجبار الشركات الجشعة على الاقتداء بمثيلاتها من الشركات مقبولة السعر، التي تقدم الأدوية للصيدليات بنسبة خصم تعين الصيدلي على الاستمرار في تقديم الخدمة».
ويضيف في تعليق كتبه على صفحة البورصة: «لتحقيق هذا الهدف سنقوم بنشر الأدوية ذات نسب الخصم التي تتناسب مع وضع الصيدلي من حيث العلم والمجهود المبذول في توصيل هذا العلم، ونضع قائمة سوداء بالشركات التي لا تقوم بذلك وبالتالي لا يتحقق الانتشار لأدويتها».



الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.