الأسهم الأوروبية تبدأ رحلة تفوق على نظيرتها الأميركية

أسعارها أكثر جاذبية وتذبذبها أقل

الأسهم الأوروبية تبدأ رحلة تفوق على نظيرتها الأميركية
TT

الأسهم الأوروبية تبدأ رحلة تفوق على نظيرتها الأميركية

الأسهم الأوروبية تبدأ رحلة تفوق على نظيرتها الأميركية

يتفوق أداء الأسواق الأوروبية على نظيرتها الأميركية مند عدة أسابيع، وهذا ليس لأن أسهم شركات الإنترنت وتقنية المعلومات المدرجة في «وول ستريت» تتراجع بقوة، بل لأن هناك مخاطر يراها مستثمرون في الأسواق الأميركية عموماً.
وتؤكد المصادر المتابعة أن الأسهم الأوروبية، ومنذ انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، تعاني من بطء أدائها مقارنة بنظيرتها الأميركية، لكن الاتجاه يتغير منذ شهر تقريباً. وهناك عدة أسباب لذلك تقاطعت عندها آراء المحللين.
بداية، ينتاب المستثمرين بعض الخوف من المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية في موازاة التلويح الأميركي بحرب تجارية مع الصين، وزيادة رسوم الاستيراد التي هدد بها ترمب وأطلق تنفيذ بعضها، والعقوبات التي فرضت على روسيا، فضلاً عن التهديد الأميركي بالخروج من الاتفاق النووي الموقع مع إيران... كل ذلك أيقظ لدى المستثمرين والمتداولين حذراً كان مكبوتاً. والنتيجة حسب محلل مالي من شركة «فيدياس كابيتال» أن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» تحول من الصعود إلى التذبذب أو التقلب بدرجات كبيرة تفوق تذبذب مؤشر «يورو ستوكس 50»، علماً بأن عدد الأسهم المدرجة في المؤشر الأول يساوي 10 أضعاف العدد المدرج في الثاني، والمعتاد في أسواق المال هو ارتفاع التقلب في الأسواق الأقل حجماً في القيم السوقية، بينما ينخفض التقلب في الأكبر حجماً بالنظر إلى ثقلها.
وعندما ترتفع درجة التذبذب يقرأ المستثمرون الدوليون في الأمر «مشكلة محلية ما». وما فاقم هذا الشعور هو تواتر التغريدات التي يطلقها الرئيس ترمب، ففي كل واحدة موقف حاد أو تهديد أو وعيد... وفي حالات كهذه يبحث المستثمرون عن ملاذات آمنة وجدها بعضهم في الأسهم الأوروبية، كما لاحظ تقرير صادر عن «مورغان ستانلي» يشير إلى أن النزعات الشعبوية الأوروبية تتراجع أمام عودة تقدم أفكار لزيادة لحمة الاتحاد الأوروبي. ويؤكد التقرير أنه نتيجة لذلك زادت المصارف انكشافها على الأسواق الأوروبية وارتفع الائتمان الموجّه إلى شراء أوراق مالية وأسهم في تلك الأسواق.
إلى ذلك، يضيف المحللون عامل التضخم، فإذا كانت توقعات ارتفاع الأسعار تتسارع في الولايات المتحدة، فإن الاتحاد الأوروبي بعيد عن ذلك حتى الآن. فالقدرات الإنتاجية الفائضة، وإصلاحات أسواق العمل، والفوارق في التنافسية بين دول الاتحاد... عوامل تضغط على الأجور نزولاً، ولا تسمح بزيادتها، فيبقى التضخم ملجوماً. وفقاً لتقرير صادر عن شركة «بيمكو» أكد أيضاً أن قوة عملة اليورو تضغط على التضخم هي الأخرى. وهذا الواقع يلعب دوراً كبيراً في استمرار التباين بين السياستين النقديتين الأميركية والأوروبية. ما دفع بمتابعين إلى القول إن البنك المركزي الأوروبي سيكون الأخير بين أقرانه في الدول الصناعية الكبيرة في عودته إلى تطبيع سياسته، وتحديداً الخروج من برامج التيسير الكمي، وإطلاق مسلسل رفع الفائدة غير المتوقع قبل منتصف عام 2019، وهذا في مصلحة أسواق المال الأوروبية في طبيعة الحال حتى ذلك الحين على الأقل.
على صعيد آخر، ووفقاً لتقرير «مورغان ستانلي»، فإن أسهم شركات «غافام» (غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون ومايكروسوفت) أسهمت في ارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 27% رغم قلة عددها الذي لا يشكل إلا 1% من إجمالي عدد المدرج في ذلك المؤشر، لكن هذه الأسهم تعاني منذ شهر على الأقل، ودفعت بأدائها المتراجع مؤشر «ناسداك» إلى الهبوط بنسبة 5%. وهذا الهبوط القوي لأسهم الإنترنت وتقنية المعلومات وتأثيره الكبير على المؤشرات الأميركية سمح للأسواق الأوروبية بالتفوق على الأميركية، لأنها تخلو نسبياً من أسهم ثقيلة كثيرة مؤثرة وحدها على مجمل الأداء. فإذا كانت شركات الإنترنت وتقنية المعلومات تشكل قاطرة للسوق الأميركية في الصعود، فإنها كذلك أيضاً في الهبوط. وهذا ما يقلق المستثمرين أو على الأقل يدفعهم إلى أخذ الحيطة والحذر أكثر.
في المقابل، يقول محلل في شركة «بيكتيه إيه إم» إن المحللين والمستثمرين لا يعتقدون أن أسهم تقنية المعلومات مرتفعة الأسعار. وما هبوطها إلا مرحلي لأن لديها من المقومات ما يجعلها واعدة بالنمو أكثر، وهذا حال معظم شركات العالم الرقمي الذي يراهن عليه المستثمرون، ولم تخب آمالهم كثيراً على الرغم من الهبوط النسبي الذي منيت به أسهم بعض شركات هذا القطاع مؤخراً.
لكن بعد الهبوط الأخير، أو ما يصطلح على تسميته «تصحيحاً»، ازداد القلق من عدم وضوح التقييم الحقيقي للأسواق الأميركية. وأفاد ذلك الأسواق الأوروبية خصوصاً مع مستويات جاذبة من حيث السعر إلى الربحية التي هي حالياً حول معدل 14 مرة، أي أنها عند أحد أدنى المعدلات منذ 30 سنة حسب «فيدياس كابيتال».
ويضيف إلى ذلك محلل من «مورغان ستانلي» أن احتمالات نمو أرباح الشركات الأوروبية لا تقل أهمية عن الأميركية، لا بل يؤكد أنها مرشحة لتكون أفضل من أي مكان آخر لأنها الآن أقل بنسبة 20% من المستويات القياسية التي كانت بلغتْها قبل 10 سنوات، وتحديداً عشية الأزمة المالية، ولديها من المقومات ما يجعلها مرشحة بقوة للعودة إلى تلك القمم القياسية التاريخية.
ويُجمع عدد من المحللين الآخرين على أن مقارنة الأسعار هي غالباً الآن في مصلحة الأسهم الأوروبية لا الأميركية التي صعدت كثيراً منذ انتخاب ترمب رئيساً، على الرغم من التصحيح الذي حصل في الفترة القليلة الماضية. كما أن التوقعات المرتفعة جداً التي أشيعت عن استمرار ازدهار الأسواق الأميركية قد تتعرض لنكسة أو خيبة أمل ما إذا أتت النتائج جيدة، لكن دون التوقعات المفرطة في التفاؤل.
على صعيد آخر، ارتفع السنة الماضية سعر صرف اليورو مقابل الدولار 14%، لكن سعره حالياً ومقارنة مع القمة التي بلغها في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي أقل بنسبة 1.25%، ما يعني خبراً جيداً بالنسبة إلى الشركات الأوروبية المصدرة التي سترى أرباحها ترتفع أكثر. لكن الحذر قائم لدى المحللين من ضعف إضافي للدولار الأميركي هذه السنة يشكل ردة فعل عكسية قد لا تفيد الأسهم الأوروبية.
في الجهة المقابلة، يفيد ارتفاع اليورو المستثمرين الأجانب في أسواق الاتحاد الأوروبي عند التسييل أو توزيعات الأرباح. ففي غضون سنة تفوقت العوائد التي حققها المستثمرون الدوليون في «مؤشر يورو ستوكس 50» على العوائد المحققة من «مؤشر ستاندرد آند بورز 500»، ما دفع ببنك «أوف أميركا – ميريل لينش» إلى التوصية بزيادة الانكشاف على الأسهم الأوروبية، خصوصاً أن ذلك الانكشاف لدى عمالقة التداول والاستثمار في العالم الآن عند أقل مستوى منذ 13 شهراً، أي لدى هؤلاء متسع من المال لتوظيفه في الأسهم الأوروبية، لا سيما القيادية منها والمصنفة ممتازة فيها.


مقالات ذات صلة

اختراق معلومات شخصية ومصرفية لمئات الآلاف من سكان ولاية أميركية

الولايات المتحدة​ شعار شركة ديلويت المسؤولة عن البوابة الإلكترونية للولاية (وسائل إعلام محلية)

اختراق معلومات شخصية ومصرفية لمئات الآلاف من سكان ولاية أميركية

اخترقت مجموعة دولية من المجرمين المعلومات الشخصية والمصرفية لمئات الآلاف من سكان ولاية رود آيلاند الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

خاص قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

يقف عام 2025 عند منعطف محوري مع تنامي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ووسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد متداولون يعملون في بورصة نيويورك (رويترز)

الأسواق الأميركية تشهد تراجعاً بسبب بيانات اقتصادية محبطة

انخفضت مؤشرات الأسهم الأميركية، يوم الخميس، في ظل بيانات محبطة قد تشير إلى تباطؤ بالنمو الاقتصادي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يشتري الناس الهدايا في منطقة تايمز سكوير في نيويورك (رويترز)

تضخم الجملة يقاوم الانخفاض في الولايات المتحدة

ارتفعت تكاليف الجملة في الولايات المتحدة بشكل حاد خلال الشهر الماضي، ما يشير إلى أن ضغوط الأسعار لا تزال قائمة في الاقتصاد حتى مع تراجع التضخم من أعلى مستوياته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد لافتة مكتوب عليها «نوظف الآن» في مغسل سيارات بأحد شوارع ميامي بفلوريدا (رويترز)

زيادة غير متوقعة في طلبات إعانات البطالة الأميركية

ارتفع عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة بشكل غير متوقع، الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».