الكشك الصعيدي... طقوس وأكل وأغانٍ

وجبة لا يتخلى عنها أهالي الصعيد ويأكلونها على مدار أيام السنة
وجبة لا يتخلى عنها أهالي الصعيد ويأكلونها على مدار أيام السنة
TT

الكشك الصعيدي... طقوس وأكل وأغانٍ

وجبة لا يتخلى عنها أهالي الصعيد ويأكلونها على مدار أيام السنة
وجبة لا يتخلى عنها أهالي الصعيد ويأكلونها على مدار أيام السنة

يواكب إعداد الكشك على الطريقة الصعيدية، في (جنوب مصر) طقوس احتفالية، لا تخلو من تأثيرات تاريخية قديمة، تجتمع فيها كل أفراد الأسرة، كدلالة على التمسك بتقاليد القرية وتراثها، فيما يرجع الباحث الأثري أحمد السنوسي، هذه الأكلة إلى «جذور فرعونية». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «معظم الأكلات المرتبطة بالحبوب كالقمح قد تنسب إلى المصري القديم»، مشيراً إلى أن «الفراعنة أسسوا أقدم دولة زراعية في التاريخ».
ويتمتع الكشك في صعيد مصر، بطريقة إعداد خاصة، تستغرق أكثر من أسبوع، وتشارك فيها السيدات والرجال، لكنه ينتشر بوصفات مختلفة في عدد من الأقطار العربية.
ففي قرية الشوشة بمحافظة بني سويف، تبدأ السيدات بتجميع الأواني الواسعة أمام منازلهن، وتشعلن «الكانون» بالخشب، لتضعن فوقه الأواني المملوءة بالقمح والمياه، قبل تصفيته ووضعه فوق أكياس على أسطح المنازل ليجف تحت أشعة شمس الصعيد الحارقة، حسبما تقول «أم عيد».
وتضيف لـ«الشرق الأوسط» موضحة طريقة تصنيع الكشك: «وبعد جفافها، تُطحن حبات القمح إلى قطع صغيرة (مدشوشة)، وتسلق مجددا وتصفى، بعدها توضع في طسوت كبيرة في المساء، وفي اليوم الثاني، تجتمع الجارات، وسط ترديد بعض الأغاني الفلكلورية، لتساعد صاحبة المنزل في إعداده، ويسكب اللبن الحامض المخزن على مدار عام داخل زير، فوق القمح المدشوش، ويتم التقليب حتى تماسك الخليط، ويترك حتى يختمر، قبل تقطيعه إلى كرات صغيرة، وتجفيفها تحت أشعة الشمس مجددا، لتجمع بعد أسبوع وتخزن داخل أكياس بلاستيكية كبيرة لاستغلالها في كثير من الوجبات والأطعمة طوال العام المقبل». الشيف شربيني، أحد أشهر الطهاة في الوطن العربي، يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الكشك يضم نوعا آخر أيضا، ويسمى (كشك ألمظ)، ويتكون من زبادي، ودقيق، ولبن، وصدور دجاج، وبصل، وثوم، وزيت، وكرفس، وحبهان، وملح، وفلفل أسود».
ولتحضير «كشك ألمظ» على طريقة الشيف شربيني، توضع صدور الدجاج في ماء مغلي على النار، ويضاف إليها الملح والفلفل الأسود والبصل والثوم والجزر والكرفس والحبهان، وورق اللورا، ويترك الخليط ليغلي، ثم تصفى الشوربة من المكونات، وتترك صدور الدجاج جانبا وتقسم قطعا صغيرة.
ويضاف إلى الشوربة بعض من الدقيق المذاب في الزبادي، وتوضع صدور الدجاج المقطعة داخلها، ويصب عليها الكشك الصعيدي المذاب في اللبن، مع التحريك المستمر حتى يتماسك الخليط، بعدها تصب داخل طبق التقديم، ويوضع فوقها بعض من البصل المحمر المتبل بالدقيق.
الكشك كما يصفه شربيني فاتح شهية أكثر منه وجبة رئيسية، ومع ذلك له مكانة كبيرة في المطبخ المصري، كما يدخل في أنواع عدة من الأكلات، منها المحشي والبط، أو يذاب في اللبن مع إضافة بعض السكر إليه، أو يستخدم مع البيض بديلا للبسطرمة، وهو في الغالب يصنع داخل البيوت، ونادرا ما يباع في المحال.
ولهذا النوع من الطعام قيمة غذائية كبيرة، حسب ما يوضح خبير التغذية مجدي نزيه لـ«الشرق الأوسط»، فهو غني بمواد الطاقة، لأنه يحتوي على بروتين، وكالسيوم، وفيتامين، وحديد، ومنجنيز، بالإضافة إلى الماغنيسيوم وهو بذلك مفيد جداً ومريح للمعدة، كما أنه يعطي إحساسا سريعا بالشبع، ومكوناته تناسب وجبتي الإفطار والغداء بشكل كبير، لكنها أيضا تؤكل في كل وقت، لأنها منتج غذائي جاف متوفر على مدار السنة.
أسرة محمد العلاف، الذي يمتلك محل عطارة في منطقة وسط القاهرة، لا تزال تبيع «الكشك» منذ أكثر من 15 عاما، وبخلاف المحال الأخرى التي تحضره من الصعيد، لكن عائلة العلاف تفضل جلبه من محافظتي الشرقية والمنوفية، لقرب المسافة، حفاظا على جودته.
ويؤكد البائع الشاب، صاحب الثلاثين ربيعاً، لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الطعام المصري يحظى بقبول حتى الآن، ويصل سعر الكيلو منه 20 جنيهاً. ويوضح العلاف أن الإقبال على الكشك مرتبط بشكل أكبر بالهوية والثقافة الشعبية، فبجانب أنه رخيص الثمن، فهو صالح لفترة طويلة، الأمر الذي يشجع الكثيرين على شرائه حتى الآن.


مقالات ذات صلة

نظام غذائي يحسّن الذاكرة ويقلل خطر الإصابة بالخرف

صحتك امرأة تشتري الخضراوات في إحدى الأسواق في هانوي بفيتنام (إ.ب.أ)

نظام غذائي يحسّن الذاكرة ويقلل خطر الإصابة بالخرف

أصبحت فوائد اتباع النظام الغذائي المتوسطي معروفة جيداً، وتضيف دراسة جديدة أدلة أساسية على أن تناول الطعام الطازج وزيت الزيتون يدعم صحة الدماغ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك خبراء يحذرون بأن الناس غالباً ما يختارون جودة الطعام على الكمية وهو ما قد لا يكون كافياً من الناحية التغذوية (رويترز)

دراسة: «الهوس بالأطعمة الصحية» قد يسبب اضطرابات الأكل والأمراض العقلية

حذر خبراء بأن «الهوس بالأكل الصحي» قد يؤدي إلى الإدمان واضطرابات الأكل.

«الشرق الأوسط» (بودابست)
يوميات الشرق ألمانيا تشهد بيع أكثر من مليار شطيرة «دونر كباب» كل عام مما يجعل الوجبات السريعة أكثر شعبية من تلك المحلية (رويترز)

«الدونر الكباب» يشعل حرباً بين تركيا وألمانيا... ما القصة؟

قد تؤدي محاولة تركيا تأمين الحماية القانونية للشاورما الأصلية إلى التأثير على مستقبل الوجبات السريعة المفضلة في ألمانيا.

«الشرق الأوسط» (أنقرة- برلين)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)

ما قصة «الفوندو» وأين تأكله في جنيف؟

ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
TT

ما قصة «الفوندو» وأين تأكله في جنيف؟

ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)

إذا كنت من محبي الأجبان فستكون سويسرا من عناوين الأكل المناسبة لك؛ لأنها تزخر بأنواع تُعد ولا تُحصى من الأجبان، بعضها يصلح للأكل بارداً ومباشرة، والأصناف الأخرى تُؤكل سائحة، ولذا يُطلق عليها اسم «فوندو» أو «ذائبة».

من أشهر الأجبان السويسرية: «الفاشرين» Vacherin، و«الغرويير»، و«الراكليت»، و«الإيمينتال»، ويبقى طبق «الفوندو» الأشهر على الإطلاق، لا سيما في فصل الشتاء؛ لأنه يلمّ شمل العائلة حوله، وترتكز فكرته على المشاركة، والنوع الأفضل منه يُطلق عليه اسم «مواتييه مواتييه»، ويعني «نصف - نصف»، وهذه التسمية جاءت من مزج نصف كمية من جبن «الفاشرين»، والنصف الآخر من جبن «الإيمينتال»، يُؤكل ذائباً بعد وضعه في إناء خاص على نار خافتة، يتناوله الذوّاقة عن طريق تغميس مكعبات لذيذة من الخبز الطازج وبطاطس مسلوقة صغيرة الحجم في الجبن إلى جانب البصل والخيار المخلل.

جلسة خارجية تناسب فصل الصيف (الشرق الاوسط)

عندما تزور مدينة جنيف لا بد أن تتوجه إلى القسم العتيق منها حيث تنتشر المقاهي والمطاعم المعروفة فيها، وبالقرب من الكاتدرائية لن يغفل عنك مطعم «ليه أرمور» Les Armures، المعروف كونه أقدم المطاعم السويسرية في جنيف، ويقدّم ألذ الأطباق التقليدية، على رأسها: «الراكليت»، و«الفوندو»، واللحم المجفف، و«الروستي» (عبارة عن شرائح بطاطس مع الجبن).

يستوقفك أولاً ديكور المطعم الذي يأخذك في رحلة تاريخية، بدءاً من الأثاث الخشبي الداكن، ومروراً بالجدران الحجرية النافرة، والأسقف المدعّمة بالخشب والمليئة بالرسومات، وانتهاء بصور الشخصيات الشهيرة التي زارت المطعم وأكلت فيه، مثل: الرئيس السابق بيل كلينتون، ويُقال إنه كان من بين المطاعم المفضلة لديه، وقام بتجربة الطعام فيه خلال إحدى زياراته لجنيف في التسعينات.

جانب من المطعم الاقدم في جنيف (الشرق الاوسط)

يعود تاريخ البناء إلى القرن السابع عشر، وفيه نوع خاص من الدفء؛ لأن أجواءه مريحة، ويقصده الذوّاقة من أهل المدينة، إلى جانب السياح والزوار من مدن سويسرية وفرنسية مجاورة وأرجاء المعمورة كافّة. يتبع المطعم فندقاً من فئة «بوتيك»، يحمل الاسم نفسه، ويحتل زاوية جميلة من القسم القديم من جنيف، تشاهد من شرفات الغرف ماضي المدينة وحاضرها في أجواء من الراحة. ويقدّم المطعم باحة خارجية لمحبي مراقبة حركة الناس من حولهم، وهذه الجلسة يزيد الطلب عليها في فصل الصيف، ولو أن الجلوس في الداخل قد يكون أجمل، نسبة لتاريخ المبنى وروعة الديكورات الموجودة وقطع الأثاث الأثرية. ويُعدّ المطعم أيضاً عنواناً للرومانسية ورجال الأعمال وجميع الباحثين عن الأجواء السويسرية التقليدية والهدوء.

ديكور تقليدي ومريح (الشرق الاوسط)

ميزة المطعم أنه يركّز على استخدام المواد محلية الصنع، لكي تكون طازجة ولذيذة، تساعد على جعل نكهة أي طبق، ومهما كان بسيطاً، مميزة وفريدة. الحجز في المطعم ضروري خصوصاً خلال عطلة نهاية الأسبوع. أسعاره ليست رخيصة، وقد تتناول «الفوندو» بسعر أقل في مطعم آخر في جنيف، ولكن يبقى لـ«Les Armures» سحره الخاص، كما أنه يتميّز بالخدمة السريعة والجيدة.

فوندو الجبن من أشهر الاطباق السويسرية (الشرق الاوسط)

ما قصة «الفوندو» السويسري؟

«الفوندو» السويسري هو طبق تقليدي من أطباق الجبن المميزة التي يعود أصلها إلى المناطق الجبلية والريفية في جبال الألب السويسرية، ويُعد اليوم رمزاً من رموز المطبخ السويسري. يعتمد هذا الطبق على فكرة بسيطة، ولكنها فريدة؛ إذ تتم إذابة الجبن (عادة مزيج من عدة أنواع مثل «غرويير» و«إيمينتال») في قدر خاص، يُدعى «كاكلون» Caquelon، ويُوضع فوق موقد صغير للحفاظ على حرارة الجبن. يُغمس الخبز في الجبن المذاب باستخدام شوكات طويلة، مما يمنح كل قطعة خبز طعماً دافئاً وغنياً.

مبنى "ليه أرمور" من الخارج (الشرق الاوسط)

كان «الفوندو» يُعد حلاً عملياً لمواجهة ظروف الشتاء القاسية، حيث كانت الأسر السويسرية تعتمد بشكل كبير على الأجبان والخبز غذاء أساساً، ومع قسوة الشتاء وندرة المؤن، كانت الأجبان القديمة التي أصبحت صلبة وإعادة استخدامها بتلك الطريقة تُذاب. وقد أضاف المزارعون لاحقاً قليلاً من النبيذ الأبيض وبعض التوابل لتحسين الطعم وتسهيل عملية إذابة الجبن.

مع مرور الوقت، ازداد انتشار «الفوندو» ليصبح طبقاً سويسرياً تقليدياً ورمزاً وطنياً، خصوصاً بعد أن روّج له الاتحاد السويسري لتجار الجبن في ثلاثينات القرن العشرين. جرى تقديم «الفوندو» في الفعاليات الدولية والمعارض الكبرى، مثل «المعرض الوطني السويسري» عام 1939؛ مما ساعد في التعريف به دولياً. أصبح «الفوندو» في منتصف القرن العشرين جزءاً من الثقافة السويسرية، وجذب اهتمام السياح الذين يبحثون عن تجربة الطهي السويسرية التقليدية.

من أقدم مطاعم جنيف (الشرق الاوسط)

هناك أنواع مختلفة من «الفوندو»، تعتمد على المكونات الأساسية:

• «فوندو الجبن»: الأكثر شيوعاً، ويُستخدم فيه عادة خليط من أنواع الجبن السويسري، مثل: «غرويير»، و«إيمينتال»، والقليل من جوزة الطيب.

• «فوندو الشوكولاته»: نوع حلو تتم فيه إذابة الشوكولاته مع الكريمة، ويُقدّم مع قطع من الفواكه أو قطع من البسكويت.

• «فوندو اللحم» (فوندو بورغينيون): يعتمد على غمر قطع اللحم في قدر من الزيت الساخن أو المرق، وتُغمس قطع اللحم بعد طهيها في صلصات متنوعة.

اليوم، يُعد «الفوندو» تجربة طعام اجتماعية مميزة؛ حيث يلتف الأصدقاء أو العائلة حول القدر الدافئ، ويتبادلون أطراف الحديث في أثناء غمس الخبز أو اللحم أو الفواكه؛ مما يعزّز من روح المشاركة والألفة.