بضائع وأغذية «فلاحات الضواحي» تنتعش في شوارع القاهرة

رحلة كفاح يومية من الريف للعاصمة

بائعة ريفية في القاهرة («الشرق الأوسط»)
بائعة ريفية في القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

بضائع وأغذية «فلاحات الضواحي» تنتعش في شوارع القاهرة

بائعة ريفية في القاهرة («الشرق الأوسط»)
بائعة ريفية في القاهرة («الشرق الأوسط»)

نجحت فلاحات الضواحي اللاتي يأتين من قرى نائية لبيع منتجاتهن الغذائية، بوسط العاصمة المصرية، في الفوز بثقة الزبائن من سكان وسط القاهرة، وموظفي الشركات والمصالح الحكومية، ولاقت منتجاتهن الغذائية الطازجة، رواجاً كبيراً، رسمت تفاصيله قصص كفاح نساء بسيطات يستيقظن مع آذان الفجر للحضور مبكراً إلى أرصفة وشوارع اخترنها بعناية شديدة وبرؤية تسويقية عفوية.
تأتي معظم البائعات من قرى تتبع محافظات الجيزة، والفيوم، وبني سويف، لكن القاسم المشترك بينهن جميعاً أن رحلة الكفاح اليومي تبدأ بعد منتصف الليل، حيث يبدأن في تجهيز المنتجات من فطير بلدي «مشلتت» والجبن الفلاحي «القريش» و«السمن البلدي»، والخبز «الفلاحي»، وكلها منتجات يجب أن تكون طازجة. بالإضافة إلى «البيض البلدي» الذي يفضل البعض شراءه في القاهرة، أكثر من بيض دواجن المزارع.
رحلة هؤلاء السيدات للقاهرة، تتخللها الكثير من الصعوبات، إن قمن بركوب وسائل المواصلات العامة، لأنهن يحملن منتجات غذائية كثيرة. وقالت سيدة تدعى «أم محمد»، رفضت الإفصاح عن اسمها الرسمي، وفقاً لعادات تقليدية تربت عليها، إنها تأتي من إحدى القرى التابعة لمركز الصف في محافظة الجيزة، لتجلس في مكانها المعتاد على بعد خطوات من محطة مترو محمد نجيب بوسط القاهرة، حيث تضع منتجاتها على مفرش قماشي قديم.
وأضافت «أم محمد»، التي تجلس في موقعها منذ الصباح الباكر، وتعرض منتجاتها من الفطير البلدي «المشلتت» والجبن الفلاحي «القريش» والبيض البلدي، لـ«الشرق الأوسط»: «اخترت هذا المكان منذ نحو 7 سنوات، لأنه قريب من مصالح حكومية وشركات كثيرة، كما أنه يقع في طريق المارة من ركاب مترو الأنفاق».
وتابعت: «أبدأ في تجهيز المنتجات التي يجب أن تكون طازجة في الثالثة فجراً، وأعد الفطير المشلتت، والخبز الفلاحي، والجبن القريش، وأضعها مع المنتجات الأخرى، وأغادر قريتي في السادسة صباحاً لأصل إلى وسط القاهرة نحو التاسعة، وأبدأ بعرض بضاعتي، ولديَّ زبائن دائمون من سكان المنطقة، ومن الموظفات بالشركات القريبة، وعادة ينتهي يومي في نحو الخامسة مساء، حيث أعود لقريتي».
ترى «أم محمد» أن قضاءها معظم النهار خارج المنزل، وانشغالها معظم الليل في تحضير منتجاتها لا يمنعها من الاعتناء بطفليها، وتضيف: «لديَّ طفلان في مرحلة التعليم الابتدائي، وتتولى والدتي رعايتهما خلال النهار، فأنا مضطرة للعمل لأن زوجي توفي منذ سنوات».
وفقاً لتقرير رسمي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تتولى المرأة في مصر إعالة أكثر من 30 في المائة من الأسر منفردة بسبب غياب الرجل أو وفاته، وذكر التقرير أن أكثر من 30 في المائة من الأسرة المصرية تعولها نساء بمفردهن. بينما بلغت نسبة البطالة بين النساء 24.2 في المائة مقابل 9.4 في المائة للذكور، كما بلغت نسبة مساهمة المرأة في سوق العمل 22.9 في المائة من إجمالي قوة العمل من سن 15 - 64 سنة، وتمثل تلك النسبة ما يقرب من ثلث مساهمة الرجال التي تبلغ 73.4 في المائة.
ورغم سنوات عمرها التي تجاوزت الخمسين عاماً، تبدأ سعدية رحلة البحث عن الرزق بالتحرك من قريتها بمركز البدرشين في محافظة الجيزة يومياً في الصباح الباكر، تشتري بعض أنواع الفاكهة والخضراوات من مزارعين في قريتها بأسعار رخيصة، وتقوم بتقطيعها وتجهيزها كي تكون جاهزة للطهي، تصنع أحياناً أنواعاً متعددة من المحشي الذي يكون معداً للطهي، تجلس على أحد أرصفة شوارع وسط القاهرة، لبيع بضاعتها حتى نهاية النهار، راضية بربح جنيهات قليلة تعيل بها أسرتها، فزوجها كهل ومريض، لا يقوى على العمل، ولديها ابنة مطلقة تعيش معها بالمنزل مع أحفادها الثلاثة.
تقول سعدية لـ«الشرق الأوسط»: «أستيقظ في الثالثة فجراً، حيث أبدأ في تجهيز المحشي وخلطته، سواء ورق العنب أو الكوسة والباذنجان، وفي نحو الخامسة صباحاً، أذهب لشراء الفاكهة والخضراوات من أحد المزارعين بقريتي، وتساعدني ابنتي على تقطيعها وتجهيزها ووضعها في أكياس بلاستيكية، ومعظم زبائني من النساء الموظفات في الشركات الموجودة بالمنطقة، لأنهن لا يجدن الوقت لتجهيز الخضار، وأحاول ألا أغالي في الأسعار مراعاة للأزمة الاقتصادية، كما أنني أشتري الخضار والفاكهة بسعر رخيص من المزارعين مباشرة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».