السعودية: ليلة للاحتفاء بالغناء الحجازي ورموزه في جدة

تشهد عودة عملاق لوني «الدانة والمجرور» علي عبد الكريم وعبد الله رشاد وطلال سلامة

علي عبد الكريم - طلال سلامة - عبد الله رشاد
علي عبد الكريم - طلال سلامة - عبد الله رشاد
TT

السعودية: ليلة للاحتفاء بالغناء الحجازي ورموزه في جدة

علي عبد الكريم - طلال سلامة - عبد الله رشاد
علي عبد الكريم - طلال سلامة - عبد الله رشاد

من يعشق الغناء والموسيقى العربية فربما قد يكون فاته الكثير، إن لم يطرب أذنيه بمقامات الغناء الحجازي الذي تزخر به مدن جدة ومكة والطائف والمدينة، (غرب السعودية). كيف لا؟ وقد أورد الأديب أبو فرج الأصفهاني أحد أدباء العصر العباسي في كتابه «الأغاني» أن الغناء العربي استوحى كثيرا من قواعده من الغناء الحجازي. ومن يرغب أكثر بالاستزادة حول جمالية الفن الحجازي فليستمع إلى تعليقات موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في تسجيل شهير على موقع «يوتيوب» وهو يصفق إعجابا ويصف مقامات الحجاز التي كان يدندنها قطب الأغنية السعودية الراحل طلال مداح، بالفن العجيب.
الحنين للغناء الحجازي والفن الأصيل حرك شجون الكثير من عشاق الفن في السعودية، ليتم الإعلان عن إقامة ليلة خاصة أطلق عليها «ليلة حجازية» تنظم غداً السبت، في مدينة جدة (غرب السعودية). وهي مناسبة طربية يستعيد فيها أهل الحجاز أصول الطرب عبر أبرز الفنانين الحجازيين في السعودية، وقد تمكنت هذه الفعالية أيضا من أن تعيد عملاق فن «المجرور» الحجازي الفنان المخضرم علي عبد الكريم للحفلات الغنائية بعد طول غياب، بمشاركة الفنان المثقف الدكتور عبد الله رشاد، ومطرب الإحساس طلال سلامة.
‏الفن الحجازي له أصوله وقواعده الخاصة به ويأتي الفنان علي عبد الكريم كأحد الأسماء التي تميزت فيه فهو من الفنانين القلائل الذين تمسكوا بأداء هذا اللون كأحد أعمدته الفنية ولا سيما لون «المجرور». ويعلق عبد الكريم في حديث مطول لـ«الشرق الأوسط» يوم أمس بمناسبة مشاركته في «ليلة حجازية» بقوله «أتشرف كثيرا وسعيد بدعوتي لهذه المشاركة؛ لأنها متعلقة بموروث عظيم للغناء العربي وهو الفني الحجازي، وآمل أن نطرب الحضور وعشاق الفن الحجازي». ويواصل: «اختيار القائمين على هذه المناسبة لي هي مسؤولية كبيرة على عاتقي، وهي رسالة آمل أن أستطيع إيصالها بإخلاص وبدقة؛ لأننا نحمل موروث هام جدا بالنسبة لنا وللأجيال المقبلة، ولا مجال في للاجتهاد بل ينقل كما هو دون زيادة أو نقصان».
هناك الكثير من الألوان في الفن الحجازي منها لون الدانة والمجرور والمجس (أي الموال على الطريقة الحجازية) والصهبة والقصيمي وغيرها، وسيؤديها نجوم الحجاز في «ليلة حجازية» وفي مقدمتهم الفنان القدير علي عبد الكريم الذي سيقدم خلال الاحتفالية عدد من الألوان الحجازية منها المجس الحجازي ولون الدانة، وبين عبد الكريم أنه سيضيف إلى تلك الألوان «عدد من أغاني القديمة، مثل: يا سيدي يا مظلوم، وبنلتقي، وبحر الإثارة، وغيرها».
الفنان علي عبد الكريم وهو أحد أبرز مؤدي الفن الحجازي ومن القلائل الذين واصلوا في أدائه رغم صعوبته حيث لا يستطيع إجادة بعض ألوان الفن الحجازي سوى قلة من الفنانين الذي نشأوا في الحجاز. ويبين عبد الكريم أن السبب في ذلك يعود إلى أن هذا النوع من الفن «يحتاج لمعرفة عميقة وإجادة للمقامات الحجازية والتمرس عليها منذ سن مبكرة، حتى يتمكن المؤدي منها، وهو فن ممتع ويدخل مستمعيه في أجواء الطرب إذا ما وجد من يؤديه بشكل مميز». ويضيف: «هناك فنانين أبدعوا في هذا المجال ودعمته أمثال أستاذنا الفنان الكبير جميل محمود الذي أبدع خاصة في فن الدانة».
من جماليات الفن الحجازي أن يجبر حتى جيل الشباب على العودة له وعلى مطربيه ومنهم علي عبد الكريم الذي يعلق على ذلك بالقول: «كنت أواجه الانتقادات من البعض الذين يطالبونني بالتوجه إلى ألحان جديدة والبعد عن الحجازي، فتمسكت بموقفي فكانت النتيجة أن هذا الفن بقي خالدا في أذهان الشباب».
الفنان علي عبد الكريم رغم حبه للفن الحجازي الأصيل إلا أنه عُرف عنه الابتكار والتجديد في الألحان الأخرى بإدخال عدد من الجمل الموسيقية بما فيها الألحان الغربية وكذلك الآسيوية، ويتذكر كثير من متابعي الوسط الفني قبل عقدين من الزمن الموجة الكبيرة التي واجهها من عدد من منسوبي الفن بسبب الابتكارات التي وضعها في أغانيه.
ويشرح عبد الكريم بأنه «على خلاف معظم المسافرين حول العالم فهم يعودون بالهدايا، وأنا أعود بأسطوانات الأغاني والموسيقى بكميات كبيرة من أي مكان في العالم فقد جلبت معي مقاطع صوتية من الفن الصين والروسي وغيرها، وأستمع لها وأطرب بها، فيندمج في داخلي خليط من الألحان، لأخرج بجمل موسيقية جديدة». ويزيد: «بالمناسبة لم أبتدع مثل هذا التوجه، فموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب استوحى ألحان قدمها من الفنون في دول غير عربية، والمغنية الكبيرة فيروز غنت أغنية فيها مقدمة من الفن الورسي وغيرهم، وقد ساعدني اطلاعي على الفن الخارجي أن أكون أول مغنٍ سعودي يدخل الأوبرا على الأغنية السعودية من خلال أغنية «بنلتقي» وغيرها».
كما ساهم عبد الكريم في انتشار اللون الخبيتي حيث كان أول من ابتكر طريقة جديدة في إيقاع الخبيتي، وواجه انتقادات بسبب ذلك، لكنه انتصر في النهاية وأصبحت طريقته في الإيقاع تستخدم كثيرا على مستوى الأغنية الخليجية.
ولتولع عبد الكريم بالفنون الأصيلة في أي مكان في العالم واستثمارها وتقديمها للمستمع العربي، لم يخفَ عليه المخزون الفني الكبير والموروث الثقافي في جنوب السعودية، ليساهم أيضا في انتشار لون الغناء الجنوبي من خلال لون وإيقاع الخطوة من خلال عدد من الأغاني منها أغنية (قصر عالي) و(نذر علي) والتي بدورها نقلت الموروث الجنوبي إلى كافة دول الخليج ولا سيما إيقاعه وألحانه.
ويتذكر عبد الكريم تلك الفترة بنشوة وهو يقول: «كانت أياماً لا تنسى بأن اجتمعت مع الشاعر المتمكن ومرهف الإحساس عبد الله الشريف الذي صاغ كلمات جنوبية متزينة بلحن الفلكلور الجنوبي، حيث لقيت أصداء كبيرة ليست على مستوى جنوب السعودية بل وعلى مستوى الخليج العربي، وانتقل المورث إليهم».
الحجازي علي عبد الكريم كالسحابة التي أينما اتجهت تمطر، من خلال حبه للغناء من بيئات مختلفة وتقديمها بشكل جيد. وربما لا يعرف البعض أن علي عبد الكريم يكاد يكون الفنان السعودي الوحيد الذي تمكن من أخذ موافقة خطية من أسرة (كوكب الشرق) السيدة أم كلثوم وكذلك جمعية الملحنين والمؤلفين في القاهرة بعد أن استمتعوا لأدائه واستحسنوه، وشاركت في المهمة أيضا شركة (روتانا) التي وزعت بصوته ألبوما كاملا لعدد من أغاني أم كلثوم. ويروي عبد الكريم بأنه واجه: «معارضة في البداية من بعض المقربين مني حينما استشرتهم بأن أعيد أغاني أم كلثوم وبعض عمالقة الفن العربي، وقالوا لي من الصعب أن تستطيع مجاراتهم في الأداء، ولكنني لقيت شهادة أعتز وأفتخر بها طيلة مسيرة من جمعية الملحنين والمؤلفين في القاهرة التي أجازت الأداء واستحسنته».
احتفالية الغد ستحظى بأغنية حجازية جديدة يشدو بها علي عبد الكريم من ألحان الموسيقار الحجازي الكبير الراحل عمر كدرس وكلمات الشاعر محمد القرني، ويبين عبد الكريم بأنه: «سعيد بتقديمي لأغنية جديدة في هذه الليلة الممتعة، حيث سأغني بلحن أستاذنا الموسيقار الراحل عمر كدرس لكلمات الشاعر الجميل محمد القرني، كما أنني طرحت أخيراً أغنية وطنية من كلمات الشاعر ضياء خوجة ومن ألحاني بعنوان (ربي احفظ مملكتنا) واللحن على الطراز الفني السعودي القديم».
وكانت بدايات المطرب الحجازي علي عبد الكريم بحفلاته الصغيرة وسط أحياء جدة القديمة «الهنداوية وحارة الشاطئ والواسطة»، وتزامن ذلك ما غناه في سن صغيرة في مدرستي (الفيصلية والمنصورية) التي درس فيها مرحلة الابتدائية وهو لم يبلغ الـ15 عام ويعلق عبد الكريم على ذلك مشددا على أن «هذه الفترة ستبقى خالدة في ذاكرتي ولن أنساها، فهل هناك من ينسى فترة طفولته الجميلة والزمن الجميل».
واختتم عملاق لوني «الدانة والمجرور» الحجازية قصته لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أن «السعودية تسير بخطى ثابتة متجهة للأعلى بفضل الدعم اللامحدود الذي تسير عليه في كافة المجالات ولا سيما مجالي الفن والثقافة برؤية ثاقبة من الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الذي عرف أن بناء الإنسان أولا، فحرص على الثقافة والموروث الفني فأحياها من جديد، فله كل الشكر». ويضيف: «ولا أنسى أن أشكر هيئة الترفيه على دعمها بقيادة رئيسها أحمد الخطيب، وكذلك كافة إخواني الإعلاميين على دعمهم الطويل لي في مشواري وكذلك دعم كافة زملائي الفنانين فهم مرآتنا التي نرى أنفسنا من خلالها».
ودعمت هيئة الترفيه، إقامة هذه الليلة الحجازية، مكملة للجهود التي قام بها عاشقو الفن الحجازي زكي حسنين، ومحمد زكي حسنين إذ يبين المدير التنفيذي لشركة بنش مارك زكي حسنين أن «ليلة حجازية» تأتي كدعم للفن المحلي الأصيل وهو الفن الحجازي والمساهمة في تعريفه للأجيال الصاعدة كمسؤولية على عاتقنا، لذلك قررنا أن نحيي ليلة طربية من الطراز الرفيع.
وأضاف حسنين أن «ليلة حجازية» سوف يفتتحها الصوت الحجازي الأصيل الفنان القدير علي عبد الكريم، الذي عاشت أجيال على صوته الطربي ليسافر بنا صوته إلى الحجاز قديما ويطرب مسامع الحضور، وهي مناسبة لتكريم الفن الحجازي والفنانين الذين تركوا بصمة في هذا الفن.



ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».