في إحدى الزيارات إلى منطقة أثرية استرعى انتباه د. مايسة منصور، الأستاذة بقسم الترميم بكلية الآثار جامعة القاهرة، استخدام أحد الأثريين لقطعة قطن مبللة بالماء لتنظيف الأملاح التي ترسبت على سطح أحد الأحجار الأثرية، فسألته عما سيفعل إذا عاودت الأملاح في الظهور مره أخرى؟، فقال: «سأواجهها بنفس الطريقة». ظلت تلك الإجابة تؤرق أستاذة الترميم، إلى أن صادفتها ورقة بحثية عن «الفطريات الهالوفيلية» (halophilic fungi)، والتي تتميز بأنها فطريات محبة للأملاح، وبالتالي فمن الطبيعي أن توجد على أسطح المواد الأثرية التي ظهرت الأملاح عليها. وكانت الفرضية التي طرحتها تتعلق بإمكانية استخدام تلك الفطريات اعتماداً على صفتها كمحبة للأملاح في علاج تلك المشكلة التي تهدد بتلف التماثيل والآثار المختلفة. وخلال 3 سنوات من البحث، تمكنت د. مايسة من تحقيق فرضيتها العملية كحقيقة بحثية مثبتة، تكللت بالنشر في دورية متخصصة في التحلل البيولوجي والحيوي وهي international biodeterioration & biodegradation، عن استخدام الفطريات المحبة للأملاح في علاج الأملاح المتكونة على سطح الحجر الرملي. كانت الخطوة الأولى التي انطلق منها البحث هي: عزل تلك الفطريات المحبة للأملاح من سطح أحد المواقع الأثرية، وهو (معبد نجع الميدامود) بمحافظة قنا بصعيد مصر، وتم العمل على أربعة فطريات هي ويلميا سيبي (Wallemia sebi)، كلادوسبوريم سباريروسبوريم (Cladosporium sphaerospermum)، أسبيرجيلوس أندولانس (Aspergillus nidulans)، أوريوباسيديوم بولولانس (Aureobasidium pullulans). وبعد عملية العزل، تم تنمية هذه الفطريات مختبريا بأعداد كبيرة وذلك عن طريق وضعها في وسط غذائي وتوفير ظروف حرارة مناسبة (24 درجة مئوية تقريبا) ودرجة رطوبة ملائمة (ما بين 60 و70 درجة)، ثم تم وضعها بعد ذلك على عينات من الحجر الرملي لاختبار مدى التأثير الذي ستحدثه. وتقول د. مايسة لـ«الشرق الأوسط» إن النتائج التي توصلت إليها أظهرت «أن الفطريات الأربعة كان لها تأثير في تخفيض الملوحة على سطح عينات الحجر الرملي، ولكن «ويليميا سيبي» كان الفطر الذي حقق أعلى نسبة خفض في الملوحة، إضافة إلى عدم وجود أي آثار جانبية لاستخدامه». وتضيف: «الفطريات الأخرى وإن كانت قد قضت على الملوحة بنسب متفاوتة، إلا أنها تركت تغيرات لونية في المكان نتيجة إفرازها بعض الصبغات، بينما قام فطر ويليميا سيبي بالقضاء على الأملاح بنسبة تقترب من 100 في المائة دون أي آثار جانبية». وتوضح الباحثة الحاصلة على درجتي الماجستير والدكتوراه في أمراض النبات أن «هذه النتائج التي حصلت عليها هي أفضل إثبات على أهمية تخصص الميكرو بيولوجيا في عملية ترميم الآثار». وأصبح تخصص الميكروبيولوجيا، أخيراً، ضمن مناهج دراسة طلاب قسم الترميم بكلية الآثار بجامعة القاهرة، عن طريق بحث تأثير الأحياء الدقيقة غير المرئية بالعين المجردة مثل البكتيريا والفطريات على الآثار. وبينما ينظر للفطريات كعامل مدمر، كان الجديد الذي أثبتته الباحثة، أنها يمكن أن تتحول إلى عامل مساعد في العلاج، وهو ما تبين من نتائج البحث الذي تسعى الباحثة حاليا لتسجيله كبراءة اختراع. وبشأن الخروج بهذا البحث إلى حيز التطبيق تقول د. مايسة: «سأسعى للتواصل مع مسؤولي وزارة الآثــار بــشأن استخدامها، لأن الآليات المستخدمة ستؤدي بمرور الزمن إلى تلف الأثر، فضلا عن أن الطريقة التي اكتشفتها هي الأنسب للتعامل مع بعض الآثار التي تكونت على أسطحها طبقات انفصال من الأملاح».
«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصيةhttps://aawsat.com/%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85/5090192-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%B2%D9%88%D9%84-%D9%85%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D8%B1%D8%B7%D9%86%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D8%B4%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%A9
«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية
يبدو أن مركب «البنزول» المسمَّى أيضاً «البنزول الحلقي» ظهر في كل مكان خلال السنوات الأخيرة.
معقِّمات بمواد مسرطنة
أولاً، كانت معقمات اليدين التي تحتوي على «مستويات غير مقبولة» من هذه المادة المسرطنة. ثم كانت هناك عمليات سحب من السوق لرذاذات القدم المضادة للفطريات، إضافة إلى ظهور تقارير مثيرة للقلق عن وجوده في مزيلات العرق والشامبو الجاف وكريمات الوقاية من الشمس الملوثة، كما كتب كنفول شيخ، وجانا مانديل*.
وأدت بعض هذه النتائج إلى ظهور عناوين الأخبار المذعورة، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ حذَّر المؤثرون في مجال العافية - على «تيك توك» - الناس من التوقف عن ارتداء واقيات الشمس. وذهب أحد الأطباء على المنصة إلى مقارنة استخدام الشامبو الجاف المنتج بمادة البنزول بعملية التدخين. كما تم رفع كثير من الدعاوى القضائية الجماعية بشأن تأثيراته.
«تسلل» البنزول الطبيعي
يوجد «البنزول» (Benzene)، بشكل طبيعي في النفط الخام. ولا يضاف عمداً إلى هذه المنتجات؛ بل إنه يُستخدم لتصنيع المواد الكيميائية، مثل الأصباغ والمنظفات والدهانات والبلاستيك. وقد ينتهي به الأمر إلى التسلل إلى منتجات العناية الشخصية، عندما لا تتم تنقية المواد الكيميائية التي يوجد البنزول فيها بشكل كافٍ، أو عندما تتفاعل بعض المكونات النشطة في المنتجات بعضها مع بعض أو تتحلل.
لا توجد بيانات حتى الآن تشير إلى أن المستويات المنخفضة من التعرض للبنزول من منتجات العناية الشخصية تحمل مخاطر صحية كبيرة. وحذَّر بعض الخبراء من أن كثيراً من النتائج الأكثر إثارة للقلق حول البنزول، جاءت من مختبر واحد تعرّض لانتقادات؛ لانحرافه عن طرق الاختبار القياسية.
ومع ذلك؛ ونظراً لارتباط مستويات عالية من التعرض للبنزول بالسرطان، يقول الخبراء إنه من الجدير إلقاء نظرة فاحصة على الشامبو الجاف وواقي الشمس، وغيرهما.
ويشعر الباحثون بالقلق من أن المكونات التي تساعد المستحضرات الواقية من الشمس على الذوبان في الجلد، قد تسرّع من امتصاص الجسم له.
تنشُّق البنزول
نظراً لأن البنزول يمكن أن يتبخر بسهولة؛ فقد يستنشق الأشخاص أيضاً بعض المواد الكيميائية أثناء وضع المنتج موضعياً، ما يعني أنهم قد يتعرّضون له من خلال الطريقتين كلتيهما، كما قال لوبينغ تشانغ، عالم السموم في جامعة كاليفورنيا، بيركلي. لكن حقيقة تبخره بسرعة تشير إلى أن التعرُّض الجلدي ليس مصدر قلق كبيراً مثل تعرض العمال للبنزول بانتظام في الهواء.
أبحاث محدودة
ولا تشير الأبحاث المحدودة حول هذا الأمر حتى الآن إلى أي خطر كبير. في إحدى الدراسات، فحصت مجموعة من الباحثين الأكاديميين بيانات من أكثر من 27 ألف شخص استخدموا كريمات طبية تحتوي على «بيروكسيد البنزويل» (benzoyl peroxide) الذي يعمل مطهِّراً. وعندما قارنوها ببيانات من مرضى لم يتعرضوا لبيروكسيد البنزويل، لم يجد الباحثون أي خطر متزايد للإصابة بالسرطان المرتبط بالبنزول بين أولئك الذين يستخدمون الكريمات.
ومع ذلك، قال بعض الخبراء إنهم قلقون بشأن هذه التعرضات المحتملة؛ نظراً لأن هذه المنتجات يتم استخدامها مباشرة على الجسم – يومياً عادةً - وفي أماكن صغيرة سيئة التهوية، مثل الحمامات.
ارتفاع مستويات البنزول في الجسم
وفي حين تظهر الدراسات الاستقصائية الأميركية أن مستويات البنزول في الهواء قد انخفضت - بفضل القيود الأكثر صرامة على البنزول - فقد زادت مستويات البنزول في عيّنات البول من الأميركيين في العقود الأخيرة. في الوقت نفسه، وجد العلماء أن مزيداً من المنتجات قد تحتوي على البنزول، بما في ذلك الحفاضات والمناديل التي تستخدم لمرة واحدة، والسدادات القطنية، والفوط الصحية.
وقالت إمي زوتا، الأستاذة المساعدة في علوم الصحة البيئية في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا، إن اكتشاف البنزول في هذه المنتجات يسلّط الضوء على الفجوات في الرقابة التنظيمية على سلامة منتجات العناية الشخصية. وأضافت أن كثيراً من اختبارات سلامة المنتجات طوعية: «لذا؛ فإن الصناعة تضع معاييرها الخاصة».
تلوث منتجات العناية بالبنزول
كان كثير من الاهتمام حول التلوث بالبنزول في منتجات العناية الشخصية مدفوعاً بشركة اختبار مخدرات صغيرة، مقرّها في نيوهافن بولاية كونيتيكت. فقد أفادت شركة «فاليشور» (Valisure)، بالعثور على تلوث بالبنزول في معقمات اليدين، وبخاخات الجسم، وكريمات الوقاية من الشمس، والشامبو الجاف، وأدوية حب الشباب التي تحتوي على بيروكسيد البنزويل. وانتشرت بعض هذه النتائج على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي، مثل «تيك توك» و«تروث سوشيال».
لكن بعض العلماء شكّكوا في منهجية شركة «فاليشور»، زاعمين أن بروتوكول الاختبار الخاص بها ينطوي في كثير من الأحيان على تسخين المنتجات إلى درجات حرارة تتجاوز درجات الحرارة التي قد تصل إليها في الحياة العادية؛ وهو ما قد يؤدي إلى تسريع تحلل المكونات، ويشير إلى خطر أعلى للتعرّض للبنزين مما قد يواجهه المستهلكون بالفعل.
أدلة تاريخية حول «سرطان البنزول»
ينظر كثير من الأبحاث حول البنزول بشكل خاص - حتى الآن - إلى التعرّض المنتظم لمستويات عالية من المادة الكيميائية في البيئات المهنية.
تأتي الأدلة على أن البنزول قد يسبب السرطان لدى البشر، من ملاحظات العمال في الصناعات الدوائية والبترولية التي تعود إلى عشرينات القرن العشرين. في عام 1987، قالت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، إن هناك «أدلة كافية» على أن البنزول مسبب للسرطان لدى البشر والحيوانات. واليوم، تتفق منظمة الصحة العالمية، ووكالة حماية البيئة الأميركية، وبرنامج علم السموم الوطني الأميركي، على أن البنزول يمكن أن يسبب السرطان، وخصوصاً سرطان الدم.
هناك أيضاً أدلة على أن استنشاق مستويات عالية من البنزول لفترات طويلة من الزمن يرتبط بسرطانات الدم الأخرى، وسرطان الرئة، فضلاً عن فقر الدم، وانخفاض القدرة على محاربة العدوى، وعدم انتظام الدورة الشهرية.
توصيات دولية
يوصي مسؤولو السلامة المهنية في جميع أنحاء العالم عموماً، بأن يقتصر التعرض في مكان العمل على جزء واحد من البنزول لكل مليون جزء من الهواء، أو جزء واحد في المليون على مدار يوم عمل مدته 8 ساعات.
ويتعرض كثير منا للبنزول أيضاً - من خلال انبعاثات المركبات ودخان السجائر ومواقد الغاز - ولكن بمستويات أقل بكثير.
وقد قدَّرت إحدى الدراسات أن التعرض البيئي للشخص العادي ينبغي أن يكون أقل من 0.015 جزء في المليون في اليوم، أو أقل بنحو مائة مرة من الحد المهني المذكور أعلاه.
خطوات لتقليل التعرض للبنزول
أظهرت حفنة من الدراسات المختبرية أن كمية معينة من البنزول على الأقل يمكن أن تخترق حاجز الجلد.
أكد الخبراء أنه لا داعي للذعر بشأن البنزول في منتجات العناية الشخصية؛ لكن اقترح كثير منهم التأكد من تخزين هذه العناصر بشكل صحيح لتجنب تحللها.
وفيما يلي بعض الخطوات البسيطة لتقليل تعرضك:
- واقي الشمس: لم يقترح أي من الخبراء الذين تمت مقابلتهم التخلص من واقي الشمس خوفاً من البنزول. حتى في الاختبارات التي أجرتها شركة «فاليشور»، لم يكن لدى غالبية واقيات الشمس مستويات يمكن اكتشافها. وقال تشانغ: «فوائد واقيات الشمس معروفة جيداً». ولكن إذا كنت تريد أن تكون حذراً، فيجب عليك تجنب تخزين واقي الشمس في سيارتك، والابتعاد عن الهباء الجوي. فكثير من المنتجات التي وُجد أنها تحتوي على البنزول هي عبارة عن رشاشات للرذاذ.
- الشامبو الجاف: إذا كنت قلقاً بشأن التعرض المحتمل للبنزين، فحاول التبديل إلى الشامبو الجاف الذي يأتي في تركيبات مسحوقة بدلاً من منتجات مرشاشات الرذاذ.
- كريمات حب الشباب: إذا كنت ترغب في الاستمرار في استخدام منتجات بيروكسيد البنزويل، فخزِّنها في مكان بارد ومظلم، مثل خِزانة أو ثلاجة، فسيساعد ذلك في بقاء مكوناتها مستقرة لفترة أطول. يمكنك أيضاً التحدث مع طبيب حول بدائل بيروكسيد البنزويل التي قد تناسبك. ويجب عليك دائماً التحقق من منتجاتك من خلال قائمة إدارة الغذاء والدواء القابلة للبحث للمنتجات التي تم سحبها من الأسواق، وتنبيهات السلامة.