«حكاية شارع»... مشروع لتسليط الأضواء على شخصيات أثرت الحياة المصرية

بينهم علماء وفنانون وساسة وزعماء

لافتة جديدة في شارع طلعت حرب وسط القاهرة - ... وأخرى في شارع عبد الخالق ثروت في القاهرة
لافتة جديدة في شارع طلعت حرب وسط القاهرة - ... وأخرى في شارع عبد الخالق ثروت في القاهرة
TT

«حكاية شارع»... مشروع لتسليط الأضواء على شخصيات أثرت الحياة المصرية

لافتة جديدة في شارع طلعت حرب وسط القاهرة - ... وأخرى في شارع عبد الخالق ثروت في القاهرة
لافتة جديدة في شارع طلعت حرب وسط القاهرة - ... وأخرى في شارع عبد الخالق ثروت في القاهرة

جاء مشروع «حكاية شارع»، الذي بدأ الجهاز القومي للتنسيق الحضاري المصري، تنفيذه ضمن مخطط تطوير القاهرة الخديوية، ليحكي بالأساس تاريخ شخصيات بارزة تحمل شوارع العاصمة أسماءهم منذ مئات السنين، من خلال لافتات جديدة تقدم مقتطفات عن حياتهم، وهو ما يسلط الأضواء ربما للمرة الأولى على حياة مشاهير أجانب من علماء وساسة وزعماء، وُضعت أسماؤهم على الكثير من الشوارع تخليدا وعرفانا بدورهم في نهضة مصر كل في مجاله، لتتحول اللافتات التي علت أعمدة الإنارة إلى عناوين كبيرة في كتب التاريخ، وشاهدا يؤرخ لحقب مختلفة من تاريخ مصر.
بدأ تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع «حكاية شارع» في عدد من شوارع القاهرة الخديوية بوسط العاصمة، بهدف التعريف بتاريخ الشوارع وحياة الشخصيات التاريخية التي أطلقت أسماؤهم على شوارع مصر من خلال لافتات باللغتين العربية والإنجليزية، تعلو أعمدة الإنارة تتضمن معلومات تاريخية وحكايات نادرة لتعريف المجتمع بحقب تاريخية مهمة.
تسلط اللافتات الجديدة الأضواء ربما للمرة الأولى على حياة الكثير من المشاهير الأجانب الذين ارتبطوا بمصر وساهموا في نهضتها في حقب تاريخية متعددة، والذين تزين أسماؤهم مئات الشوارع والميادين المصرية منذ سنوات.
من أبرز الشوارع المصرية التي تحمل أسماء شخصيات أجنبية منذ عهد ما قبل ثورة يوليو (تموز) 1952 شارع كلوت بك الشهير بوسط القاهرة، والذي سمي تكريما للطبيب الفرنسي الشهير أنطوان كلوت، أو «كلوت بك» كما كان يناديه المصريون، حيث حصل على لقب البكاوية، وهو الذي أنشأ أول مدرسة قومية للطب في مصر وهو مستشفى القصر العيني الشهير في الوقت الحالي، وشغل قبلها منصب كبير أطباء وجراحي الجيش المصري عام 1827.
وعلى مسافة غير بعيدة وفي قلب العاصمة المصرية، يقع شارع شامبليون الشهير الذي سمي تكريما للعالم الفرنسي جان فرنسوا شامبليون، الذي اشتهر بفكه رموز اللغة المصرية القديمة مستعينا بحجر رشيد.
ويأتي مبنى التلفزيون المصري المعروف باسم «ماسبيرو» على كورنيش النيل بوسط العاصمة، ليسلط الأضواء على أحد أبرز الأجانب، الذين ساهموا في الحياة المصرية، إذ أطلق عليه الاسم منذ تأسيسه نسبة إلى عالم المصريات الفرنسي جاستون ماسبيرو، الذي ولد عام 1846 في باريس لأبوين إيطاليين، وكان يجيد اللغة العربية، وحضر إلى مصر في 5 يناير (كانون الثاني) عام 1881 ليتولى منصب مدير مصلحة الآثار المصرية وأمين المتحف المصري للآثار ببولاق، وهو في عمر الرابعة والثلاثين، وقام ماسبيرو بجهود كبيرة لمواجهة سرقات الآثار وأعاد آلاف القطع الأثرية المنهوبة إلى مصر، واستطاع أن يسن تشريعا صدر عام 1912 يمنع الأشخاص من التنقيب عن الآثار على أن يقتصر التنقيب على البعثات العلمية، ليلغي بذلك قانون سابق كان يعطي المنقبين الحق في الاحتفاظ بنصف القطع الأثرية التي يجدونها، ليصبح طبقا للقانون الجديد من حقهم فقط الاحتفاظ بالقطع التي لها مثيل مكرر في القاهرة، كما نص القانون الجديد على عدم منح بعثات التنقيب تأشيرة خروج من مصر، إلا بعد التأكد من تركهم لموقع التنقيب في صورة جيدة. توفي ماسبيرو في 30 يونيو (حزيران) عام 1916 ودفن في فرنسا، وعندما قام الزعيم جمال عبد الناصر بإنشاء مبنى التلفزيون المصري عام 1960 أطلق عليه وعلى الشارع الواقع فيه اسم ماسبيرو اعترافا بمساهماته في الحفاظ على الآثار المصرية، وكان الشارع يحمل اسم «ساحل الغلال».
من جانبه يرى الخبير السياحي مجدي البنودي، أن لافتات التعريف بالشخصيات الأجنبية التي تحمل شوارع مصر أسماءهم رسالة إيجابية للسائح مفادها أن مصر تعترف بفضل هؤلاء ومساهماتهم في نهضتها.
ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «تحقق اللافتات أهدافا كثيرة، بينها تقديم مادة ثقافية للتعريف بتاريخ مصر، والتأثير النفسي الإيجابي في السائح، الذي يرى اسم إحدى الشخصيات، التي تكون غالبا مشهورة في بلده ومعلومات عنها وعن مساهماتها، وهو ما يشكل رابطا معنويا كبيرا».
ويرى محللون أن احتفاظ الكثير من الميادين والشوارع المصرية بأسماء شخصيات أجنبية منذ سنوات طويلة، يعكس الحالة المصرية السائدة وقتها، والتي كانت تقدر عطاء البشر بغض النظر عن جنسيتهم أو دينهم.
وتعد أسماء الشوارع شكلا من أشكال التأريخ، ليس لتاريخ مصر فحسب، وإنما في كثير من الأحيان تؤرخ لأحداث عالمية من خلال حملها أسماء شخصيات كان لها دورها البارز على الصعيد الدولي.
فعلى بعد خطوات قليلة من ميدان التحرير أحد أكبر ميادين العاصمة المصرية، يقف تمثال يعد رمزا ثوريا لاتينيا هو «سيمون بوليفار» في ميدان يحمل اسمه على مدخل حي جاردن سيتي الراقي، ويعد بوليفار أحد رموز حركات التحرر في أميركا اللاتينية ومؤسس ورئيس كولومبيا الكبرى، والذي أطلق عليه اسم «جورج واشنطن أميركا اللاتينية» بسبب الدور الذي قام به في تحرير الكثير من دول أميركا اللاتينية منها كولومبيا وفنزويلا وأكوادور وبيرو وبوليفيا، التي كانت تحت الحكم الإسباني منذ القرن السادس عشر.
وتعتزم الهيئة القومية للتنسيق الحضاري نقل تجربة «حكاية شارع» إلى مدينة الإسكندرية التي احتضنت الكثير من العلماء والفنانين والمشاهير الأجانب وخلدت أسماءهم بإطلاقها على شوارعها وميادينها، ويحمل حي فلمنج أشهر أحياء المدينة اسم مكتشف البنسلين العالم الاسكتلندي، السير ألكسندر فلمنج، وكان عالم نباتات وأحياء وصيدلانيا وله الكثير من الاكتشافات والإنجازات، لكنه عرف بأنه مكتشف المضاد الحيوي الشهير «البنسلين» عام 1928.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».