محمد صلاح أيقونة الملتقى الدولي الخامس للكاريكاتير بالقاهرة

اللاعب محمد صلاح - كريستيانو رونالدو
اللاعب محمد صلاح - كريستيانو رونالدو
TT

محمد صلاح أيقونة الملتقى الدولي الخامس للكاريكاتير بالقاهرة

اللاعب محمد صلاح - كريستيانو رونالدو
اللاعب محمد صلاح - كريستيانو رونالدو

شهدت القاهرة أمس (الأحد)، انطلاق أكبر ملتقى لفناني الكاريكاتير، الذي يحتضن قصر الفنون بدار الأوبرا فعاليات دورته الخامسة في الفترة من 15 إلى 25 أبريل (نيسان) الحالي. وتشارك المملكة العربية السعودية مشاركة متميزة هذا العام من خلال أعمال نخبة من أبرز فنانيها، وهم: أيمن الغامدي، وفهد الخميسي، وسليمان المهيسج، ومنال الرسيني، وخالد أحمد.
يقام الملتقى تحت رعاية الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة المصرية، وتنظمه الجمعية المصرية للكاريكاتير بالتعاون مع قطاع الفنون التشكيلية، وقطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة. وتحل دولة بلجيكا ضيف شرف الملتقى الدولي الخامس، بينما أهديت هذه الدورة لروح فنان الكاريكاتير المصري الكبير ذي الأصول الأرمينية صاروخان.
افتتح الملتقى الدكتور خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية، والدكتور هشام مراد رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية، والفنان جمعة فرحات رئيس الجمعية المصرية للكاريكاتير. وسوف تكرم دورة هذا العام الفنان محمد عفت، والفنان شريف عليش، والفنان حسن الفداوي، والفنان ياسر جعيصة، الذين يتميزون بأسلوب خاص في أعمالهم، فضلاً عن تجسيدهم قضايا اجتماعية وسياسية ملحة.
وحول السمة الأساسية التي تدور حولها الأعمال المشاركة بالملتقى، قال الفنان فوزي مرسي، قوميسير عام الملتقى لـ«الشرق الأوسط»: «وقع اختيار اللجنة المنظمة على الرياضة، في محاولة لتسليط الضوء على أهميتها وقيمتها في حياة المجتمعات، لذا فقد قدم الفنانون المشاركون بريشتهم لوحات بورتريه لرموز كرة القدم والرياضات المختلفة، وأشهر الشخصيات الرياضية في مصر والعالم، مثل: محمد صلاح، ومحمود الخطيب، وحسن شحاتة، ورونالدو، ومارادونا، وكوبر، وبوفون». وأضاف: «لم يتناول الفنانون بلوحاتهم الساخرة كرة القدم فقط، بل جسدت اللوحات رياضات أخرى مثل: ألعاب القوى، ورفع الأثقال، وربطت أيضاً بين الرياضة والحضارة الفرعونية، والرياضة والمرأة، والرياضة والحرب والسلام». وأكد قوميسير الملتقى أن «الملتقى طرح موضوعاً آخر حراً للمشاركين يرغبون تسليط الضوء عليه وتناوله بريشتهم، وهو أمر يحرص عليه الملتقى كل عام، لذا سوف يشاهد جمهور الملتقى لوحات متميزة سلط فنانو الكاريكاتير من خلالها وبخفة ظل الأضواء على مختلف القضايا الحياتية المشتركة بين دول العالم أجمع، ألا وهي: الإرهاب، والتلوث، والعنف ضد المرأة، والسلام والهجرة غير الشرعية، والنازحين».
كان الملتقى في دوراته السابقة قد اختار قضايا ملحة تمس كل المجتمعات على اختلافها، حيث كان الموضوع الرئيسي للملتقى الأول «مصر في عيون رسامي الكاريكاتير»، بينما ناقش الملتقى الثاني قضايا الإرهاب والتطرف، وعالج الثالث قضية التعليم، فيما خصصت الدورة الرابعة للمرأة وقضاياها بالتزامن مع إعلان مصر 2017 عاماً للمرأة.
وأشار مرسي إلى أن «دورة هذا العام شهدت إقبالاً كبيراً من فناني الكاريكاتير من مختلف أنحاء العالم، بزيادة 3 دول عن العام الماضي، حيث تقدم للملتقى هذا العام 532 رساماً، من 77 دولة، بقرابة 2590 عملاً كاريكاتيرياً، ووقع الاختيار على 650 عملاً فنياً، لنحو 350 فناناً، من 68 دولة عربية وأجنبية، من بينها: بلجيكا، وأوكرانيا، وبيرو، والبرازيل، وروسيا، والهند، وكرواتيا، والصين، وإندونيسيا، والأردن، والكويت، والسعودية، والبحرين، وتونس، والمغرب، والإمارات، والعراق».
ضمت لجنة اختيار الأعمال كلاً من عماد جمعة، والفنان فاروق موسى، ومحمد إبراهيم توفيق، والفنان هاني شمس، والفنان سمير عبد الغني.
وعلى هامش فعاليات الملتقى، تقام في السادسة من مساء الاثنين 16 أبريل ندوة بعنوان «الكاريكاتير البلجيكي»، بقاعة الندوات بقصر الفنون بدار الأوبرا المصرية. وتدور الندوة حول فن الكاريكاتير في بلجيكا، وبدايته، ونشأته، وأهم فناني الكاريكاتير هناك. ويتحدث في الندوة كل من: فنان الكاريكاتير البلجيكي لوك ديسكماخر، وساسكيا مارسيلا جيزينز مديرة مركز الكاريكاتير الأوروبي، ويدير الندوة الفنان المصري ياسر جعيصة.
تجدر الإشارة إلى أن الملتقى يرأسه الفنان الكبير جمعة فرحات، والقوميسير العام الفنان فوزي مرسي، ويشارك في تنظيمه الفنانون سعيد بدوي، ومصطفى الشيخ، وياسر عبيدو، وخالد المرصفي، وخضر حسن، وعمر صديق، ومنى إبراهيم، ومروة إبراهيم، ونجلاء سليمان.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)