ثنائي إيراني يصنع الحلي الفضية بتصاميم مستوحاة من الحدائق الإيرانية القديمة

تحكي القصص والأساطير عن ولع الملوك الساسانيين بالحدائق

تكتم فاضل وزوجها بهرام دشتي نجاد
تكتم فاضل وزوجها بهرام دشتي نجاد
TT

ثنائي إيراني يصنع الحلي الفضية بتصاميم مستوحاة من الحدائق الإيرانية القديمة

تكتم فاضل وزوجها بهرام دشتي نجاد
تكتم فاضل وزوجها بهرام دشتي نجاد

«تكتم فاضل» وزوجها «بهرام دشتي نجاد» ثنائي إيراني يمارسان مهنة صناعة الحلي يستخدمان فيها عدة عناصر على غرار الفضة، والذهب، والأحجار الكريمة التي تشتهر بها مدينة نيسابور، وذلك في أطر نقوش تاريخية تحمل طابعا شرقيا، وإيرانيا يستوحي حدائقها الشهيرة.
يصنف المصممان هذا الفن بـ«الحلي المزينة بنقوش الحدائق الإيرانية»، أي الحلي التي تعرض حدائق فضية. وفي بعض الأحيان يجري صنع قطعة واحدة فقط من الحلي حيث إنها تصنع باليد. «تكتم» خريجة جامعية في فرع تصميم المشاهد، و«بهرام» خريج فرع هندسة الكهرباء لكنه التحق بالسلك الفني بسبب شغفه بالمنمنمات الإيرانية وفن التصوير.
كل قطعة فضة تحكي قصة ما، والطيور التي تشاهد عادة في هذه الآثار الفنية تروي هذه القصص. في العام الماضي، حازت أعمال هذا الثنائي على وسام الأصالة وجودة السلع من منظمة التراث الثقافي الإيراني، وهما يفكران بالانتقال بمنتجاتهما إلى المستوى الدولي.
«الشرق الأوسط» التقت بهذا الثنائي الفني للتحدث حول أعمالهما ومعرضهما الأخير الذي أقيم في غاليري غولستان بطهران في مايو (أيار) الماضي، ودار الحوار التالي.
* كيف ابتكرتما القطع المستوحاة من الحدائق الإيرانية؟
- كنت أعمل ولمدة عام ونصف العام في ورشة حيث كنت أحمل في ذهني عدة مشاريع قمت بتنفيذها في تلك الفترة، وبدأت أصنع الحلي واستخدم الفضة فيها بشكل تجريبي. وقد تعرفت هناك على بهرام الذي كان آنذاك رساما ومصورا. وفي فترة 2002 – 2006، قمنا بتجارب مختلفة في صناعة الحلي الفضية وبموضوعات مختلفة وتقنيات تتعلق بالمدارس التكعيبية، والتجريدية، والنقوش التاريخية الإيرانية، وأصبح ذلك أساسا لمجموعة «الحدائق الإيرانية» الكبيرة التي وصفناها فيما بعد بـ«الحلي المزينة بنقوش الحدائق الإيرانية»، الحديقة الفضية!
* لماذا الحدائق الإيرانية؟
- في الحقيقة الحدائق الإيرانية تشكل الأساس لكثير من النقوش والرسوم التاريخية والفنون الزخرفية الإيرانية. وقد كانت الحدائق الإيرانية مطروحة دوما في الفن الإيراني إما بسبب أسلوبها المعماري الخاص، أو بسبب الأساطير المتعلقة بها. على سبيل المثال، السجاد اليدوي وعليه صور البرغموت، يعرض في الواقع الحدائق الإيرانية. وتحكي القصص والأساطير عن ولع الملوك الساسانيين بالحدائق الذي أدى إلى تطوير صناعة حياكة السجاد في إيران. ويقول المستشرق الأميركي أرثر بوب إن «الحدائق تشغل حيزا واسعا في أذهان الإيرانيين». وهذا ما دفعنا لتصميم مجوهرات مستوحاة من «الحدائق الإيرانية».
* هل يمكنك الحديث بشكل مفصل حول تصاميم الحلي التي تقدمانها؟
- استخدمنا النقوش التاريخية في أعمالنا، وهناك أساسا علاقة وثيقة بين الحلي وفن الزخرفة. وهذا ما أدى إلى أن نركز بشكل جدي على هذا الفرع من العمل، وتنبهنا بأننا نملك المهارة في صنع هذه النقوش في هذا الإطار. وباستخدامنا لتصاميم البرغموت وفن الشعرية (الذي يتمتع بتاريخ طويل في إيران) وتقنيات صناعة الحلي، استطعنا تطوير هذا العمل. وتحوي هذه النقوش مواضيع كثيرة، وكان لأعمالنا الفنية تأثير في مجتمعنا لأنها جذبت إليها المتلقي.
* كيف تنفذان أفكاركما؟
- نقوم بصورة مباشرة أو غير مباشرة بتنفيذ تصاميمنا الخاصة، فعلى سبيل المثال نقوم بتصوير النقوش التاريخية ونستلهم منها، لكن في النهاية مخيلتنا هي التي تخلق التصاميم والتركيبات والعناصر الجديدة.
وتوجد في المنطقة التي تقع فيها إيران وجوارها، آثار تحمل نقوشا مزخرفة تاريخية معروفة، وسيكون لها تأثير إيجابي عندما تعاد صياغتها بصورة جميلة وبنظرة جديدة. وتعرف هذه الطريقة بنوع من الكلاسيكية الجديدة. الموضوع الأساسي هو كيفية تطبيق الفكرة وحصيلتها النهائية، وهذا يرتبط بمخيلة الفنان الذي يستلهم من النقوش، وسينجح عندما يؤثر على المتلقي، ويعرض عليه أثرا جديدا رغم أن المتلقي كان قد شاهد النقوش مرات ومرات في السابق. إحدى ميزات الحلي التي نصنعها الحفاظ على «جمالية» الأثر الفني، ويعد هذا من الأركان الأولية، حيث نشاهد أثره الإيجابي على زوار المعارض التي نقيمها.
* من أين تأتي فكرة الطيور التي تستخدمانها في أعمالكما؟
- بعد استخدامنا لبعض النقوش الإيرانية القديمة، قمنا بتصميم طيور لحدائقنا لها ميزات خاصة، وقد كان وجودها ضروريا جدا لتبلور وتطور فكرة الحدائق. وأخذت الطيور تلعب دورا مهما متزايدا في أعمالنا رويدا رويدا. وكما تعلمون، فإن الطيور هي رمز للانعتاق والحرية والسلام. كما تلعب الطيور في أعمالنا أدوارا مختلفة؛ فمن العصفور البسيط داخل الحديقة إلى طير «سيمرغ» الأسطوري، تلعب الطيور أدوارها في تصور المشاهد في حالات كثيرة، والطير هو راوي الحكاية. وأعني القصة التي تنجلي في الحلي. وقد أصبح هذا الطير عنوانا لنوقع من خلاله أعمالنا الفنية.
* ما التقنية المعتمدة في أعمالكما؟
- هذه التقنية تشبه إلى حد كبير فن المنمنات والرسوم الإيرانية. وبما أن سرد القصص والأساطير يملك حيزا واسعا في فن المنمنمات الإيرانية، فإننا عملنا منذ البداية على تطوير فن سرد القصص في أعمالنا الفنية، وتؤدي الطيور راوي الحكايات فيها.
* أكدتما على أهمية القصص والروايات، هل أفهم من هذا الكلام أن وراء كل عمل فني حكاية ما؟
- نعم، بالتأكيد، كل عمل يسرد قصة ما. نقوم بصناعة الأساطير، ونخلق من خلالها فن «أسطورة المجوهرات». توحي تشكيلة العناصر في أحيان كثيرة إلى المتلقي بأنه يواجه رواية، وفي أحيان أخرى يقوم المتلقي بخلق الرواية بنفسه.
نحن نهتم بسرد الروايات في أعمالنا الفنية. ويمكن للمتلقي أحيانا متابعة القصة في عناصر منفصلة تتصل في سلسلة واحدة، في الوقت الذي تندرج هذه العناصر في أحيان أخرى في تصنيفات، وخانات متعددة ضمن عمل موحد. ولكن من البديهي أن يتطرق صانعو الحلي إلى الأساطير في أعمالهم، ونحن نعتمد أسلوبا مشابها لفن المنمنمات الإيرانية، حيث نطبق من خلاله أساطير الشاهنامة، والمثنوي، ومنطق الطير، وغيرها في هذه الأعمال.
* ما الخامات التي تستخدمانها في هذه الأعمال الفنية؟
- تشكل الفضة العنصر الأساسي في أعمالنا. كنا نرجح منذ البداية الفضة على العناصر الأخرى. نستخدم الذهب بشكل محدود في صنع الحلي. ويشكل الذهب أحيانا جزءا من التصميم الأساسي للحلي، وهذا ما نلاحظه في أشعار جلال الدين الرومي الذي يقول إن «العاشق والمعشوق ينسجمان كالفضة والذهب».
ويدل الكلام المنقول عن الرومي على أن الفضة والذهب هما كالعاشق والمعشوق. وحجر الفيروز من الأحجار الرئيسة التي نستخدمها في أعمالنا، إذ يملك حجر الفيروز في مدينة نيسابور لونا مميزا. ويمنح هذا الحجر الكريم أصالة خاصة للعمل الفني، ويمكن استخدامه للتعبير عن صور، على غرار عيون الماء في الحدائق، والعناقيد، ولون السماء، وغيرها. كما أننا نستخدم أحجارا ملونة أخرى في أعمالنا.
* كم من الوقت يستغرق صنع كل قطعة من الحلي؟
- يحتاج صنع القطع من الحلي إلى الوقت. نلاحظ في روائع الأعمال الفنية الإيرانية اتجاها نحو الوصول إلى الكمال سواء في استخدام العناصر والرموز العديدة، وتكرار العناصر المعتمدة، أو التناظر، والدوران أو غيرها. يمنح اعتماد كل هذه التقنيات عظمة إلى العمل الفني على غرار المجد والعظمة المتمثلة في بناء تخت جمشيد، أو نقش جهان، أو غيرها من المعالم التاريخية في البلاد.
نحن مضطرون لاستخدام هذه العناصر على مساحة صغيرة، ولكننا نحاول أن نستخدم كمية كبيرة من العناصر التزيينية فيها قدر المستطاع. وبذلك أنتجنا أعمالا قد يحتاج المرء وقتا طويلا لصنعها، ولكنها تعد قيمة فنية لمالكيها.
* حدثينا عن الوسام الذي منحته لكما منظمة التراث الثقافي الإيرانية؟
- تقيم منظمة التراث الثقافي كل عامين حفلا تهدي خلاله الوسام الوطني للأصالة والجودة العالية للأعمال المندرجة ضمن قائمة الإرث الثقافي، وتقوم هيئة التحكيم في الحفل بتقييم الأعمال الفنية المتنافسة. لقد شاركنا في هذه المباريات لأول مرة في العام الماضي، وتمكنا من أن نفوز فيها.
* هل هناك وجه تشابه بين التصاميم التي تقدمانها والتصاميم الأخرى؟
- استخدمنا مخيلتنا لتركيب العناصر التي خلقت عملا جديدا على هيئة الدجاجة، والنافذة. يُعد استخدام الرموز المعمارية في صناعة الحلي أمرا بديهيا، ولكن الطريقة التي اعتمدنا فيها هذه الرموز المعمارية حديثة. الأمر الذي كسب اهتمام الجمهور، فبعضهم أحبوا فن صناعة الحلي، بينما أبدى البعض الآخر إعجابا بأسلوب العمل.
* كيف قمتما بتوزيع مهام العمل؟
- يتولى بهرام مسؤولية القيام بأعمال على غرار استخدام المنشار لقطع الخشب، وإعطاء تصاميم مختلفة للحلي فيما أقوم أنا (تكتم) بالتلحيم، والتصقيل، وإنهاء العمل. نفكر معا لنبتكر تصاميم إجمالية، ويتولى بهرام مهمة تصميم التفاصيل.
* ما الرموز التي تستخدمانها في تصاميمكما بشكل أكبر؟
- استخدمنا رموزا كثيرة في أعمالنا. نقدم جزءا منها في كل معرض نقيمه. تعبر الحلي والمجموعات المختلفة عن الحديقة الإيرانية التي تسلط المعارض المختلفة الضوء على جزء منها. تضم هذه المجموعات القلادات التي تنتهي بأبيات شعرية أو رسوم للطيور والإنسان، والحصن والقلعة، والأدوات الموسيقية، وشجرة السرو، وبركة المياه، والشمس، والرمان، والنافذة، والقمر، والقطة، والسجادة، وغيرها..
* كيف كانت ردود الفعل على أعمالكما الفنية؟
- كانت جيدة وإيجابية. لقد رحب المتلقون باهتمام وشوق بأعمالنا الفنية. كان الاهتمام ملحوظا حتى بالنسبة للذين لم يهتموا في السابق بالحلي، لأن هذه الأعمال كانت مختلفة عن المجوهرات الثمينة والحلي التي نجدها في الأسواق من جهة، كما أنها تختلف عن الحلي التقليدية. تعبر هذه الحلي عن الفن، وهي صالحة للارتداء. يتوجه الأفراد من مدن أخرى أو حتى دول الجوار لمشاهدة الأعمال الفنية. هناك طلب على أعمالنا من دول على غرار الولايات المتحدة، وكندا، وأوروبا. ويرى البعض أن مشاهدة التصاميم عن قرب أفضل من صورها.
* وما طموحاتكما؟
- يطمح كل فنان للوصول إلى العالمية من خلال أعماله. تملك أعمالنا الفنية الطاقة للوصول إلى أشواط بعيدة، ولكننا منهمكون كثيرا باختيار المواضيع، والعمل عليها، وقلما نجد الفرصة لمتابعة الشؤون الأخرى على غرار إيصال أعمالنا إلى الأوساط العالمية خاصة ونواجه بعض القيود بهذا الشأن. على أي حال فإننا نبحث عن فرصة جيدة لإقامة معرض خارج إيران. ونسعى لعرض روائع أعمالنا في ذلك المعرض.
* ما عدد المعارض التي قدمتما من خلالهما أعمالكما الفنية؟ وما عدد الأعمال التي يجري عرضها خلال معرض واحد؟
- أقمنا عشرة معارض فردية (أنا وبهرام) وعدد من المعارض المشتركة. يضم كل معرض عادة مائة إلى 120 عملا فنيا قمنا بصنعها في مدة تتراوح بين السنة والنصف، والسنتين. ويشمل كل معرض الأعمال الصغيرة، والمتوسطة، والكبيرة في الحجم.
* خدمة «الشرق الأوسط» بالفارسية (شرق بارسي)



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».