ملف مفقودي الحرب الأهلية اللبنانية على خط الانتخابات

يقدر عددهم بنحو 17500 معظمهم في السجون السورية

مبنى مدمر ضمن مجموعة أبنية في بيروت لا تزال شاهدة على آثار الحرب (إ.ب.أ)
مبنى مدمر ضمن مجموعة أبنية في بيروت لا تزال شاهدة على آثار الحرب (إ.ب.أ)
TT

ملف مفقودي الحرب الأهلية اللبنانية على خط الانتخابات

مبنى مدمر ضمن مجموعة أبنية في بيروت لا تزال شاهدة على آثار الحرب (إ.ب.أ)
مبنى مدمر ضمن مجموعة أبنية في بيروت لا تزال شاهدة على آثار الحرب (إ.ب.أ)

في موسم الانتخابات النيابية وسباق الأحزاب والمسؤولين إلى مجلس النواب، تنطلق اليوم في الذكرى الـ43 للحرب الأهلية حملات من نوع آخر بلسان أهالي المفقودين والمخطوفين اللبنانيين الذين مضى على اختفائهم عشرات السنين... ومطلب «المرشحين المفقودين» (وهم الذين لا ينتمون إلى فئة أو منطقة معينة بل يتوزعون على كامل الأراضي اللبنانية) ليس أكثر من الكشف عن مصيرهم وإنهاء معاناة عائلاتهم، التي شاء القدر أن يغادر عدد كبير من أفرادها الحياة قبل معرفة مصير أبنائهم بانتظار تحرك الدولة اللبنانية، وتأليف لجنة وطنية لمتابعة القضية.
وضمن النشاطات التي تبدأها اليوم كل من لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين واللجنة الدولية للصليب الأحمر في الذكرى الـ43 للحرب، حملة انتخابية بأسماء المفقودين لتذكير المسؤولين بقضيتهم، خصوصاً أن أسماء هؤلاء لا تزال مدرجة على لوائح الشطب كما هي.
واختارت لجنة الأهالي لحملتها اسم «لائحة المفقودين في كل لبنان»، لدعم إقرار مشروع القانون الموجود حالياً في مجلس النواب، الذي يحمل اسم «حقوق ذوي المفقودين بالمعرفة»، مطالبة الأحزاب والمسؤولين بالحصول على تعهّد خطي منهم بتبني قضيتهم، بحسب ما تؤكد رئيسة لجنة الأهالي وداد حلواني التي تقول لـ«الشرق الأوسط»: «مَن يتعهّد لنا خطيّاً بالعمل على تشكيل الهيئة الوطنية المستقلة نمنحه أصواتنا في الانتخابات النيابية، لأن قضيتنا الأهم والأساس هي معرفة مصير إخوتنا وأبنائنا وأزواجنا، نريد أن نعرف مَن منهم لا يزال على قيد الحياة ومن بات في عداد الأموات لنحصل على الأقل على رفاته، عندها يمكن القول إن ملف الحرب الأهلية انطوى لننتقل بعده إلى مرحلة السلم».
ومع التحرك الذي يقوم به الصليب الأحمر ولجنة الأهالي حول المخطوفين والمفقودين الذين يُقدَّر عددهم بنحو 17500 شخص معظمهم في السجون السورية، كان لرئيس الجمهورية ميشال عون، يوم أمس، موقف حيال الهيئة الوطنية، مذكراً في جلسة الحكومة بصدور قانون يقضي بتأليفها، طالباً من وزير العدل سليم جريصاتي تقديم اقتراح لتشكيلها من أجل جلاء هذا الموضوع ومعالجته من الناحية الإنسانية والوطنية.
لكن هذا الموقف لاقى استياء أهالي الموقوفين الذين وجدوا فيه عودة إلى الوراء بدل إقرار القانون المقدم سابقاً، على حد تعبير رئيسة لجنة الأهالي وداد حلواني، بينما اكتفت المتحدثة باسم البعثة الدولية للصليب الأحمر يارا خواجة، بالتأكيد على الترحيب بأي خطوة من شأنها إنهاء معاناة الأهالي»، داعية في الوقت عينه إلى إقرار القانون الموجود في مجلس النواب لتشكيل اللجنة وآلية للكشف عن مصيرهم.
وقالت حلواني: «الحل الذي سلمناه إلى رئيس الجمهورية خلال لقائنا به قبل يومين محدد بطلبين أساسيين، هما اتخاذ الحكومة قراراً بجمع وحفظ العينات البيولوجية من الأهالي، وتشكيل هيئة مستقِلَّة بناء على اقتراح القانون الذي أقرته لجنة حقوق الإنسان». وأضافت: «وعدنا الرئيس عون بأنه سيتبنى الحل لكننا تفاجأنا اليوم بأنه يطلب من وزير العدل تقديم اقتراح جديد، وهو ما نرى فيه خطوة إلى الوراء بدل البدء بخطوات تنفيذية بعدما شبعنا من الوعود الفارغة».
من جهتها، أكدت خواجة لـ«الشرق الأوسط»، أن مسؤولية الكشف عن آلاف المفقودين تقع على عاتق السلطات اللبنانية، في وقت تقوم فيه اللجنة بخطوات عملية لتوثيق الأسماء عبر آليات محددة كي تقدمها للهيئة الوطنية عند تشكيلها. وأوضحت: «بدأنا العمل على الملف في عام 2011، وفي عام 2012 أطلقنا مشروع جمع بيانات ما قبل الاختفاء يهدف إلى الحصول على أكبر قدر من المعلومات، حتى التفصيلية منها حول المفقودين. وفي عام 2015 بدأنا نجمع عينات بيولوجية وتحديداً من اللعاب تحفظ في بيروت وجنيف ليتم الحصول منها على فحص الـDNA، ونجحنا لغاية الآن في إعداد بيانات لنحو ثلاثة آلاف مفقود، ولا يزال هناك كثير من الطلبات التي يتم العمل عليها».
وتشدّد خواجة على أهمية الإسراع في إقرار الهيئة بعدما بات الجميع أمام سباق مع الوقت.
وأشارت إلى أن القضية أصبحت متوارثة لأجيال عدة وفارق عدد من الأهالي وغادرت عائلات بأكملها لبنان، وهنا تذكّر خواجة بتوصيات بعض الأمهات، التي قالت إحداهن لابنتها قبل وفاتها: «أنت تبحثين عن أخيك في الأرض وأنا أبحث عنه في السماء»، بينما أوصت أخرى بإخبارها في قبرها «عند الحصول على أي خبر عن ابنها».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.