200 وثيقة مهربة خارج سوريا تكشف خطة نظام الأسد لإسكات الصحافيين

قدم «أوليسيس» المنشق عن الاستخبارات دليلاً على تعقب مكان ماري كولفين إلكترونياً

200 وثيقة مهربة خارج سوريا تكشف خطة نظام الأسد لإسكات الصحافيين
TT

200 وثيقة مهربة خارج سوريا تكشف خطة نظام الأسد لإسكات الصحافيين

200 وثيقة مهربة خارج سوريا تكشف خطة نظام الأسد لإسكات الصحافيين

كشفت شهادة مصدر حكومي سوري سابق، مدعمة بوثائق حكومية داخلية، كيف قامت الدائرة المركزية في النظام بالإشراف على الهجمات الموجهة ضد المدنيين والإعلام، لتكون أول قضية جرائم حرب ضد نظام الأسد. ويكشف هذا الالتماس عن ثروة من الأدلة المبينة لجرائم النظام، متضمنة شهادات من منشقين ذوي مستوى عالٍ، ووثائق حكومية سرية.
وكان مركز العدالة والمحاسبة (CJA) ومكتب «شيرمان وستيرلنغ» للمحاماة، قد كشف عن التماس مقدم بالنيابة عن موكليهما، أفراد عائلة الصحافية القتيلة ماري كولفين، يطلب من المحكمة الفيدرالية في العاصمة واشنطن، أن تقوم بإصدار حكم غيابي ضد الحكومة السورية لاغتيالها ماري كولفين، المراسلة الحربية الشهيرة في صحيفة «ذا صنداي تايمز» البريطانية، أميركية الجنسية، التي قُتلت بنيران المدفعية السورية في 22 فبراير (شباط) عام 2012، أثناء عملها مراسلة صحافية من داخل مدينة حمص السورية المحاصرة.
ووفقاً للأدلة التي حصل عليها «CJA» خلال ست سنوات من التحقيق عبر العالم، فإن كبار المسؤولين السوريين تعقبوا مكان وجود ماري، عن طريق تتبعهم إلكترونياً لموقع إرسال رسائلها الإخبارية من مركز إعلامي سرّي في حمص، وتأكيد تلك المعلومات عن طريق مخبرين محليين للنظام. وباستخدام هذه المعلومات، شن النظام هجوماً استهدف الموقع بالصواريخ، ما أدى إلى مقتل ماري والمصور الفرنسي ريمي أوشليك، وجرح المراسلة الفرنسية إديث بوفير، والمصور البريطاني بول كونروي، والناشط الإعلامي السوري وائل العمر.
وعلق سكوت جيلمور، المحامي الذي يقود فريق مركز العدالة والمحاسبة في هذه القضية، في حواره مع الإعلامية الشهيرة كريستيان أمانبور على «سي إن إن»: «بدأ تتبع كولفين وزملائها منذ لحظة وصولهم إلى لبنان». وقال في تصرحي صحافي آخر: «إن الأدلة التي يتم الكشف عنها اليوم لا تدع مجالاً للشك في أن نظام الأسد قد خطط بشكل منهجي للهجوم الذي قتل ماري، حيث تؤكد شهادة المصادر الداخلية والتسجيلات السمعية والبصرية وما يقرب من 200 وثيقة تم تهريبها سراً خارج سوريا، أن اغتيال ماري كان جزءاً من خطة أكبر لدى نظام الأسد لتصفية المعارضة وإسكات وسائل الإعلام».
هذا وتتضمن أهم الأدلة المسربة شهادة من أحد المنشقين عن المخابرات السورية، أطلق عليه الاسم الرمزي «أوليسيس»، الذي قدم رواية دقيقة عن كيفية تخطيط النظام للهجوم الذي أودى بحياة ماري كولفين وكذلك المصور الفرنسي ريمي أوشليك، وقدم ما يقرب من 200 وثيقة سرية من الجهات العسكرية والأمنية السورية يراها العالم لأول مرة، جمعتها لجنة العدالة والمحاسبة الدولية، وحصلت «الشرق الأوسط» على ملخص لها. وتكشف الوثائق ليس فقط عن كيفية تبني النظام لسياسة استهداف الصحافيين، ولكن أيضاً كيف قام كبار المسؤولين السوريين بشن حملة قمع ضد المعارضة في عام 2011 التي أدت إلى الحرب الأهلية في سوريا، كما تلقي هذه الوثائق الضوء على ما يحدث داخل نظام الأسد.
وقدم المحامون عن عائلة كولفين شهادات خبراء من روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في سوريا، وأيضا ديفيد كاي، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير.
يقول هنري وايزبرغ، أحد المحامين الشركاء في مكتب «شيرمان وستيرلنغ»: «هذه الدعوى القضائية من أولى الدعاوى التي تطلب من إحدى المحاكم تحميل نظام الأسد المسؤولية المباشرة عن جرائمه»، ويضيف: «هذا المجهود لا يهدف فقط لتقديم قدر من العدالة لعائلة ماري - رغم كونه غير كافٍ - ولكن على نطاق أوسع يهدف أيضاً للكشف عن الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد، وهو أمر نأمل في أن يساهم في إنهاء معاملة النظام البشعة لشعبه».
في لقائها مع أمانبور في «سي إن إن»، أمس، قالت كاثلين كولفين شقيقة ماري: «كنت أعتقد أن موت ماري سيكون حدثاً فاصلاً، وأن العالم سيلاحظ ذلك، وأن حكومة الولايات المتحدة قد تجد استهداف وقتل مواطن أميركي أمراً لا يمكن تحمله. لكن أياً من ذلك لم يحدث».
وأضافت: «لقد قُتلت أختي بسبب كشفها عن جرائم نظام الأسد الوحشية». وأضافت: «إننا نقدم هذه الأدلة من أجل تحقيق العدالة لماري، وكذلك لآلاف السوريين من ضحايا القتل والتعذيب، ممن لم تتح لهم الفرصة لطلب العدالة بعد». وتابعت: «نأمل في أن تلهم قضيتنا المجتمع الدولي بتقديم مجرمي الحرب في سوريا للعدالة».
وتوجهت كولفين إلى سوريا في فبراير 2012، لتغطية حصار حي باب عمرو في حمص وسط سوريا، التي كانت في ذلك الوقت معقلاً للمعارضة، وكانت كذلك ساحة تجارب لأساليب نظام الأسد التي افتتح فيها الحصار والتجويع وقصف المناطق المدنية، وهي الأساليب التي تم تعميمها بعد ذلك في جميع أنحاء سوريا. في آخر حوار لها مع مذيع قناة «سي إن إن» الشهير أندرسون كوبر، قالت: «إنهم يكذبون تماما عندما يدعون أنهم يلاحقون الإرهابيين فقط، فالجيش السوري يقصف مدينة لا يسكنها إلا المدنيون الذين يعانون من الجوع والبرد».
يذكر أنه تم رفع القضية تحت اسم كولفين وآخرين، في عام 2016 في الولايات المتحدة الأميركية، في المحكمة الجزئية في مقاطعة كولومبيا، بالنيابة عن عائلة ماري كولفين، وهم: كاثلين كولفين؛ وابنة أختها، جوستين أرايا - كولفين؛ وابنا كاثلين. ويؤكد المدّعون ممارستهم حقهم القانوني بموجب نصّ القانون الأميركي الذي ينظم الحصانة السيادية للدول، والذي يسمح أيضاً للضحايا بمقاضاة الدول التي صنّفتها الولايات المتحدة، مثل سوريا، كدولة راعية للإرهاب، في حالة القتل خارج نطاق القضاء والقانون لمواطني الولايات المتحدة الأميركية.



النازحون اليمنيون يواجهون الصقيع والطرد من المساكن

بقايا خيام نازحين في مأرب بعد حريق تسبب في وفاة طفلة (إعلام محلي)
بقايا خيام نازحين في مأرب بعد حريق تسبب في وفاة طفلة (إعلام محلي)
TT

النازحون اليمنيون يواجهون الصقيع والطرد من المساكن

بقايا خيام نازحين في مأرب بعد حريق تسبب في وفاة طفلة (إعلام محلي)
بقايا خيام نازحين في مأرب بعد حريق تسبب في وفاة طفلة (إعلام محلي)

قضت نازحتان في محافظة مأرب اليمنية، خلال الأيام الماضية، جراء الصقيع والحرائق، بينما يخشى عشرات الآلاف من النازحين الطرد من المنازل التي يسكنونها بالإيجار في عدد من المحافظات، مع لجوء الآلاف منهم، خلال الأسابيع الأخيرة، إلى النزوح مجدداً، والانضمام إلى المخيمات التي يواجه ساكنوها مخاطر شديدة خلال فصل الشتاء.

وقضت طفلة وأصيب آخرون، الأربعاء الماضي، جراء حريق في مأوى عائلتها بمخيم الجفينة، جنوب مدينة مأرب (173 كيلومتراً شرق صنعاء)، بسبب ماس كهربائي أدى إلى انفجار أسطوانة غاز في منزل عائلة الطفلة التي تبلغ 7 سنوات، والتي تفحَّمت جثتها تماماً، في حين أصيب والدها واثنان من أشقائها بجروح طفيفة، وفقاً لمصادر رسمية.

وذكرت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب (حكومية) أن فرق الدفاع المدني هرعت على الفور إلى موقع الحريق، وتمكنت من السيطرة عليه ومنع انتشاره إلى المآوي المجاورة، وإسعاف المتضررين منه، في حين رجحت مصادر من سكان المخيم أن يكون سبب الحريق محاولة الحصول على التدفئة من خلال إشعال النار.

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن المخيم ذاته شهد، منذ أيام، حريقاً تمت السيطرة عليه قبل انتشاره من قبل النازحين، بسبب إشعال نار للتدفئة، منوهة بأن هذه الحوادث تتكرر باستمرار خلال فصل الشتاء؛ إذ يُضطر كثير من النازحين إلى هذه الطريقة لتدفئة أنفسهم بسبب البرد الشديد، وعدم كفاية وسائل الوقاية منه.

حريق نشب في مخيم في أبين منذ أسبوعين وترك النازحين في العراء (إعلام محلي)

ومنذ أسبوعين، اندلع حريق هائل في مخيم ميكلان للنازحين بمديرية خنفر التابعة لمحافظة أبين (جنوب)، أدى، كما أوردت المصادر المحلية، إلى التهام جميع مساكن النازحين المبنية من القش، ومحتوياتها من المواد الغذائية والإيوائية، دون وقوع ضحايا، ودون معرفة أسبابه.

وشهدت محافظة مأرب، منتصف العام الحالي، حريقاً كبيراً قضى على أكثر من 50 مأوى لنازحين من القرن الأفريقي، في مخيم بن معيلي بمديرية الوادي.

وطبقاً لإحصائية رسمية سابقة، فإن الشتاء الماضي شهد 135 حادثة حريق في مخيمات النازحين بمأرب، تسببت بوفاة شخصين وإصابة 25 آخرين، وأدَّت إلى دمار أكثر من 80 مأوى.

معركة مع الشتاء

شهد مخيم العكرمة بمديرية الوادي شرق المدينة وفاة مسنَّة بسبب معاناتها من موجة الصقيع الشديدة التي تشهدها معظم مناطق اليمن.

إشعال النار للحصول على التدفئة تسبب بعشرات الحرائق في خيام النازحين (إعلام محلي)

ويعيش عشرات الآلاف من النازحين اليمنيين في أوضاع مأساوية تتفاقم خلال الشتاء، بسبب الافتقار إلى وسائل التدفئة، مثل البطانيات والملابس، بالإضافة إلى النقص الشديد في المواد الغذائية، في حين لا تكفي الخيام للوقاية من البرد.

ونقلت مصادر محلية في مأرب لـ«الشرق الأوسط» عن نازحين أن عدداً محدوداً من العائلات تلقت حقيبة مساعدات صغيرة لمواجهة قسوة الشتاء قدمتها بعض المنظمات، في حين تنتظر آلاف العائلات تقديم معونات لها دون جدوى.

وتحتوي الحقيبة على بطانيات خفيفة وصغيرة الحجم، بجانب ملابس محدودة لا تكفي جميع أفراد العائلة، بحسب المصادر.

كما نقلت المصادر عن النازحين مطالبهم بمساعدات عاجلة، تتمثل في وسائل التدفئة وترميم الخيام وتكثيف الخدمات الطبية؛ خصوصاً أن الشتاء يشهد انتشار العديد من الأمراض وانتقال العدوى بسرعة كبيرة.

وكان الشتاء الماضي شهد موجة صقيع أودت بحياة 7 نازحين في محافظة مأرب، كما أوردت المصادر الرسمية، في حين تقول مصادر أخرى إن الوفيات تجاوزت 10 حالات.

الشتاء يداهم النازحين اليمنيين في ظل تراجع المساعدات ونقص وسائل التدفئة (غيتي)

ودعا فرع الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات اللاجئين في محافظة تعز (جنوب غرب) المنظمات الإنسانية الدولية بتقديم الدعم العاجل لنازحي مخيم الأشروح بمديرية جبل حبشي، غرب المحافظة.

وأوضح فرع الوحدة أن نازحي المخيم يواجهون ظروفاً مأساوية داخل خيام تفتقر للحماية الكافية من البرد والصقيع، ويعانون من النقص الحاد في الاحتياجات الأساسية، كالبطانيات والملابس الشتوية، في حين تضررت خيامهم خلال الأشهر الماضية بسبب الأمطار الغزيرة.

نزوح مركَّب

وكشف تقرير حكومي يمني أن العام الحالي شهد لجوء أكثر من 16 ألف نازح في محافظة مأرب، إلى مغادرة المنازل التي كانوا يقطنونها بالإيجار، والانضمام إلى مخيمات النزوح، بعد عجزهم عن الالتزام بسداد الإيجارات، وتراجع المساعدات الإنسانية المقدَّمة لهم.

نازحون ينصبون خيمة قرب الخوخة بمحافظة الحديدة (رويترز)

ووفقاً لتقرير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب؛ فإن الفريق التابع لها وثّق نزوحاً ثانياً لـ2566 أسرة، تشمل 16411 شخصاً، من منازل مستأجَرة إلى مخيمات النزوح، خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. بعد تدهور أحوالهم المعيشية، وتراجع المداخيل وعدم ثباتها، والعجز عن سداد الإيجارات التي تراكمت على غالبية العائلات.

وبيَّن التقرير أن محافظة مأرب استقبلت 1547 أسرة نازحة جديدة خلال الأشهر الـ11 الماضية، تضم نحو 8577 شخصاً، قدموا من محافظات مختلفة بسبب خوفهم من الاعتقالات التعسفية والملاحقات غير القانونية وتجنيد الأطفال، إلى جانب تفاقم الأوضاع الاقتصادية.

وطالبت الوحدة التنفيذية بتوفير تدخلات عاجلة، تشمل المأوى، والمواد الغذائية وغير الغذائية، وتنفيذ مشاريع لدعم مصادر دخل مستدامة للأسر المتضررة، وتعزيز المساعدات النقدية، خاصة للعائلات التي لا تزال تعيش في منازل مستأجَرة وتعاني من خطر الطرد.

لقطة جوية لمخيم الجفينة في محافظة مأرب الذي يُعدّ أكبر مخيمات النزوح في اليمن (إكس)

وأفادت مصادر حكومية بأن مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، سيف مثنى، بحث، مع منظمة «حسنة العالمية»، ومؤسسة «معاً من أجل الأطفال»، الوضع الإنساني في المحافظة، وفجوة الاحتياجات الإنسانية المتزايدة، وخطة الاستجابة الإنسانية للمحافظة، وما يمكن أن تسهم به المنظمتان في تخفيف المعاناة الإنسانية.

وتأمل الجهات الرسمية اليمنية أن تتجه التدخلات الإنسانية الدولية والأممية إلى تبني المشاريع المستدامة التي تستجيب لاحتياجات النازحين والمجتمع المضيف في الوقت الراهن ومستقبلاً، وتساعد السكان على الصمود وتخفف من معاناتهم.