موسكو تحذر من تصعيد يهدد بمواجهة مع واشنطن

طائرات روسية تحلق فوق مدمرة أميركية في البحر المتوسط

بعد تفجير في إدلب أمس (أ.ف.ب)
بعد تفجير في إدلب أمس (أ.ف.ب)
TT

موسكو تحذر من تصعيد يهدد بمواجهة مع واشنطن

بعد تفجير في إدلب أمس (أ.ف.ب)
بعد تفجير في إدلب أمس (أ.ف.ب)

حذرت وزارة الخارجية الروسية من «عواقب وخيمة» يمكن أن تسفر عن أي تدخل عسكري خارجي في سوريا. وقالت إن الاعتداء على بلد توجد فيه قوات روسية بطلب من الحكومة الشرعية «غير مقبول على الإطلاق»، في وقت أعلنت فيه موسكو إعداد مشروع قرار في مجلس الأمن في مواجهة المشروع الغربي.
وصعدت موسكو من لهجتها التحذيرية على خلفية التهديدات الأميركية بشن هجوم على سوريا، ووصفت الخارجية الروسية «المزاعم عن هجوم كيماوي» جديد في غوطة دمشق الشرقية بأنها «استفزازات سبق أن حذرت روسيا منها»، مضيفة أنها تهدف إلى حماية المتشددين وتبرير ضربات محتملة على سوريا من الخارج.
وصعدت الخارجية الروسية في بيان حملتها على فرق الإغاثة ومنظمات حقوقية أكدت وقوع الهجوم، وقالت إن «الخوذ البيضاء وما تسمى منظمات حقوقية تتخذ من بريطانيا والولايات المتحدة مقرا لها، تلفق تقارير عن هجوم كيماوي جديد، وهي سبق أن ضُبطت متلبسة في التواطؤ مع الإرهابيين». وحذر البيان من أن «أي تدخل خارجي تحت ذرائع مفبركة ومزيفة في سوريا، حيث يوجد العسكريون الروس بطلب رسمي من الحكومة الشرعية، غير مقبول إطلاقا، وسوف يؤدي إلى عواقب وخيمة للغاية».
تزامن ذلك مع تنبيه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى ضرورة «ألا تصل الأمور في سوريا إلى مستوى التهديد باندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة».
وكشف بوغدانوف أن الخارجية الروسية استدعت أمس سفير إسرائيل لدى روسيا لـ«بحث الأوضاع المتدهورة في الشرق الأوسط». وشكلت تلك أول إشارة إلى شرخ أصاب العلاقة الروسية – الإسرائيلية بعد الهجوم على مطار تيفور، رغم أن بوغدانوف سعى إلى التخفيف من أهمية الاستدعاء، وقال للصحافيين: «دعوناه فقط للحديث عن سوريا. الوضع هناك متحرك ويتطور بسرعة، نحن مهتمون دائما بمثل هذا الحوار النشط؛ لأن ديناميكيات الأحداث عالية جدا في الشرق الأوسط، وتتطلب تقييمات وتوقعات مشتركة مستمرة لمنع مزيد من التصعيد».
وأكد بوغدانوف أن موسكو «لا تزال تجري اتصالات عملية مع واشنطن بخصوص سوريا»، مؤكدا أن الطرف الروسي يأمل في أن تنتصر العقلانية في الولايات المتحدة. تزامن ذلك مع دخول الكرملين على خط الانتقادات القوية لـ«مواقف الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى من تطورات الأحداث في سوريا». وقال الناطق باسمه ديمتري بيسكوف، إن «المواقف الغربية غير بناءة، وتظهر مرة أخرى أن الغرب لا يهتم بالحقائق، ويسعى دائما إلى إصدار أحكام مسبقة».
وأعرب عن أسفه لأن واشنطن وحليفاتها «لا تتحدث عن ضرورة إجراء تحقيق مستقل». مؤكدا أن هذه المواقف تقلص بشكل ملموس فرص إنجاح الجهود الدبلوماسية؛ لكنه نبه في المقابل إلى أن موسكو «لا تعتزم التخلي عن مساعيها في هذا الاتجاه».
تزامنت التطورات مع نقل وسائل إعلام روسية تفاصيل عن اقتراب سفن عسكرية أميركية من شواطئ سوريا.
ونقلت وكالات روسية أن بين السفن مدمرة يمكنها حمل 60 صاروخا من طراز «توماهوك» قالت إنها اقتربت إلى مسافة 100 كيلومتر من طرطوس؛ حيث توجد القاعدة العسكرية الروسية.
ولفتت إلى أن أربع مقاتلات روسية حامت في أجواء المنطقة التي تحركت فيها المدمرة الأميركية، لكن ناطقا باسم البنتاغون نفى في وقت لاحق أمس صحة المعطيات عن تحرك طائرات روسية لمراقبة المدمرة.
في الأثناء استعدت موسكو أمس لجلسة نارية جديدة في مجلس الأمن، وأعلن وزير الخارجية سيرغي لافروف، أن بلاده أعدت مشروع قرار إلى مجلس الأمن ينص على إرسال خبراء إلى مدينة دوما السورية للتحقيق في مزاعم استخدام أسلحة كيماوية.
وأكد لافروف أن «روسيا لن تقبل باستنتاجات خبراء تم التوصل إليها من بعد»؛ موضحا أنه وفقا لميثاق منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، يتعين عليها «إجراء تحقيق في المكان المشتبه بوقوع حوادث فيه وأخذ عينات لدراستها في مختبرات بشكل يضمن الشفافية» وقال إن مشروع القرار الروسي خلافا للمشروع الغربي المقدم يهدف إلى ضمان تنفيذ هذه الآلية.
وأفاد مصدر دبلوماسي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» بأن الفارق الجوهري بين المشروعين هو إصرار المشروع الروسي على أن يكون الخبراء الموفدون إلى سوريا من المنظمة الدولية لحظر السلاح الكيماوي، في رفض لإعادة إحياء الآلية المشتركة «التي أثبتت فشلها» في إشارة إلى قيام موسكو بتعطيل التمديد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للآلية المشتركة التي تضم خبراء من الأمم المتحدة مع خبراء المنظمة الدولية. وكانت موسكو اتهمتها بأنها «مسيسة» وبأن نشاطها لم يكن مهنيا.
ولفت المصدر إلى فارق جوهري آخر عن المشروع الغربي الذي يستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما يعني أنه يجيز استخدام القوة في حال عدم استجابة أحد الأطراف لمتطلبات التحقيق الدولي. في حين أن المشروع الروسي الذي وصفه بأنه «متوازن» يرفض توجيه إدانة مسبقا إلى أي طرف، ويرى أنه لا يمكن القبول باستخدام قرار دولي لتبرير التدخل العسكري الخارجي في سوريا.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.