زخم مصري للحدّ من انتشار لعبة «الحوت الأزرق»

ضحية جديدة في الإسكندرية تعيد القضية للواجهة

صورة تعبيرية عن لعبة الحوت الأزرق
صورة تعبيرية عن لعبة الحوت الأزرق
TT

زخم مصري للحدّ من انتشار لعبة «الحوت الأزرق»

صورة تعبيرية عن لعبة الحوت الأزرق
صورة تعبيرية عن لعبة الحوت الأزرق

جدّدت واقعة تناول طالبة مبيداً للحشرات في مدينة الإسكندرية (شمال القاهرة)، التحذيرات الرسمية للمواطنين بسبب لعبة «الحوت الأزرق». وتشهد مصر زخماً سياسيا وإعلامياً كبيراً ضد هذه اللعبة التي تسببت في وقوع بعض الضحايا داخل مصر في الآونة الأخيرة.
وكشفت التحقيقات الأولية في واقعة تسمم طالبة المرحلة الإعدادية، عن وصول طالبة تدعى «ي.ا.د» 15 سنة تقيم في دائرة قسم شرطة كرموز لمستشفى الجمهورية العام، مصابة بحالة إعياء شديد بادّعاء تناول مادة غير معلومة، وحوّلت إلى قسم السّموم بالمستشفى الجامعي. وخلال فحص الطالبة، لاحظ رئيس قسم السّموم، وجود وشم عبارة عن حرف p على الساق اليسرى للمصابة المذكورة. وذكرت الطفلة أنّها «تلعب لعبة (الحوت الأزرق) عبر الإنترنت، وتتضمن في مراحلها رسم وشم حرف p رمز اللعبة على الساق اليسرى».
إلى ذلك، تمثل صعوبة حجب اللعبة في مصر تحدياً كبيراً للأجهزة الرسمية، وعائقا نحو منع وقوع حالات انتحار أو إصابات جديدة، حيث قالت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية إنّها غير مسؤولة عن حجب الألعاب الإلكترونية من على الهواتف المحمولة بما فيها الحوت الأزرق. وقال خبراء تكنولوجيا مصريون لوسائل إعلام محلية: «من الصّعب حجب لعبة الحوت الأزرق لوجودها على منصة لا يمكن السيطرة عليها، إلّا من خلال الشركة المشغلة لها».
في السياق نفسه، شغلت قضية تطبيق لعبة «الحوت الأزرق» اهتمام السلطات المصرية، خلال الأيام القليلة الماضية، إذ أصدرت دار الإفتاء المصرية بياناً قالت فيه، إنّ المشاركة في اللعبة المسمّاة بـ«الحوت الأزرق» حرام شرعاً، مطالبة كل من استدرِج للمشاركة فيها أن يُسارِعَ بالخروج منها. وأهابت بالجهات المعنية تجريمَ اللعبة، ومَنْعَها بكل الوسائل الممكنة. بينما تقدم البرلماني المصري شريف الورداني، أمين سر لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان بطلب إحاطة عاجل للمهندس ياسر القاضي وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لحظر اللعبة وجميع الألعاب الإلكترونية الخطيرة في مصر. وطالب بضرورة وجود رقابة على هذه التطبيقات، وعدم السماح باستخدامها.
«مرحبا، هل أنت مستعد للّعب؟ ليس هناك ضغط، وإذا أردت الانسحاب قبل أن نصل إلى التحدي الأول فعليك أن تخبرني فقط»، بهذه الكلمات تبدأ اللعبة القاتلة «الحوت الأزرق» أو «The Blue Whale Challenge»، المنتشرة بين الأطفال والمراهقين في الكثير من دول العالم والتي تسببت منذ نشأتها في انتحار أكثر من 140 حالة حول العالم، كان آخرها نجل البرلماني المصري السابق حمدي الفخراني.
اللعبة التي تستهدف الفئة العمرية ما بين 12 إلى 20 سنة. تبدو في بدايتها بسيطة كأي لعبة إلكترونية. إلّا أنّها تستخدم أساليب نفسية معقدة، للتأثير على الحالة النفسية، تبدأ بين اللاعب والمسؤولين عنها بإعطاء مجموعة من الأوامر والتحديات بين اللاعبين، لمدة 50 يوما، من خلال تكليفهم بالقيام بمهام يومية معينة، حتى تقود الشباب أحيانا نحو الانتحار.
وقد كشف المتابعون للعبة، أنّها تدوم لمدة تزيد على 50 يوما، يطلب المسؤول بها من الضحية إتمام مهمة مختلفة يوميا، وتكون تلك المهام سهلة نسبياً في بدايتها، مثل الاستماع إلى أنواع معينة من الموسيقى، مشاهدة أفلام رعب، الاستيقاظ في أوقات غريبة، عدم التعامل مع أحد أو مغادرة غرفته إلّا للضّرورة القصوى. ومع مرور الأيام، تزداد المهام صعوبة مثل البقاء حتى ساعات الليل لتشويه الجلد إلى جانب نحت رمز «الحوت» على ذراع اللاعبين، لتصل المهمة النهائية، ونهاية اللعبة بإعطاء اللاعب أمرا بالانتحار، وفي حالة الرفض، يهدّد المسؤول اللاعب بنشر بعض الأمور والأسرار الشخصية عنه، من أجل إخافته وبث الرّعب في نفسه لإجباره على الاستمرار وتكملة التحدي للنهاية.
جدير بالذكر، أنّ هذه اللعبة قد صممها طالب روسي يدعى فيليب بوديكين عمره 21 سنة، عام 2013 وطُرد من جامعته، وادّعى أنّه اخترع اللعبة بقصد تطهير المجتمع، عن طريق دفع هؤلاء الأفراد الذين اعتبرهم لا قيمة لهم إلى الانتحار. ونُشرت في البداية من خلال شبكة فكونتاكتي الروسية الاجتماعية (VK.com).
من جهته، قال الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية وتعديل سلوك الطفل لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «اللعبة منتشرة في جميع أنحاء العالم منذ فترة طويلة، وكان من الأولى أن تحذّر الجهات المسؤولة من خطورتها، قبل أن يغوص فيها الكثير من المراهقين»، مشيراً إلى ضرورة مراقبة الأسر لأبنائهم في هذه السن الحرجة التي تستهدفها اللعبة القاتلة. وأضاف أنّ «اللعبة تستهدف هذه السن بالتحديد لأنّ المراهق يشعر في هذا التوقيت أنّه قادر على عمل المستحيل، وقادر على الاعتماد على نفسه وتحدي الآخرين»، واصفا هذه الفترة بفترة التمرد على معتقدات الأسرة وتقاليدها، وهو ما ترتكن إليه اللعبة. وتابع: «إذا تخطى المراهق 35 ساعة أسبوعيا على مواقع التواصل الاجتماعي، فهو بذلك مدمن، ولا بد من إبعاده عنها تدريجيا عن طريق إشراكه في الحياة المجتمعية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».