هوفمان تحت التعذيب.. وبواتييه كبرياء الشعب الأسود

وجوه السبعينات الرائعة (الأخيرة)

روبرت ردفورد في «كل شيء ضاع»
روبرت ردفورد في «كل شيء ضاع»
TT

هوفمان تحت التعذيب.. وبواتييه كبرياء الشعب الأسود

روبرت ردفورد في «كل شيء ضاع»
روبرت ردفورد في «كل شيء ضاع»

توزعت الخريطة السياسية لهؤلاء الممثلين الذين مروا معنا إلى الآن، وهم وارين بيتي وروبرت دينيرو وجاك نيكولسون وآل باتشينو وكلينت إيستوود إلى ثلاث فئات؛ يسار (وارين بيتي) ويمين (كلينت إيستوود) وليبراليين على خط الوسط (باتشينو، دينيرو، نيكولسون). اللافت أنه في تلك الآونة من الستينات التي بزغ فيها نجم كلينت إيستوود، كان من الصعب على ممثل محافظ أن يجد كثيرا من التأييد الشعبي. وعندما قام إيستوود بتمثيل فيلم «ديرتي هاري» سنة 1971 تحت إدارة المخرج اليميني دون سيغال، ثار عليه النقد السينمائي الليبرالي في الولايات المتحدة، على أساس أن هذه الشخصية متعجرفة تؤمن بالقتل وممارسة أحادية القانون (إلقاء القبض والحكم على الجاني في آن واحد) مما دفع إيستوود في الجزء الثاني «ماغنوم فورس» لاختيار موضوع مختلف لشخصيـته البوليسية تلك، فإذا بالتحري (المعروف بـ«القذر») يحقق في سرب من أفراد البوليس المتطرفين الذين يقومون بتنفيذ أحكام الإعدام التي يصدرونها هم ومجابهتهم.
ما هو مثير للاهتمام أن «يمينية» إيستوود المفترضة لم تمنعه من مهاجمة السـلطة في «غير المسامـح» (1992) والرئاسة الأميركية في «سـلطة مطلقة» (1997) والإعلام الرسمي في «رسائل من إيوا جيما» (2006)، ونقده نفسه المحافظة في «غران تورينو» (2008) وسنجد نقدا مبطـنا أكثر من هذا لشخصيـته أو بين طيات النظام، من دون أن يعني ذلك تخلي إيستوود عن موقفه الثابت حتما.

* سلسلة متنوعة
في الوقت ذاته، كان هناك نجم مناسب يصعد سريعا اسمه روبرت ردفورد. كان في الـ24‫ من العمر، عندما ظهر لماما في حفنة من الأفلام على نحو عابر، وأولها كان «حكاية طويلة» سنة 1960، وهو العام الذي وجد فيه عدة أدوار تلفزيونية في مسلسلات، منها «مافريك» و«بلايهاوس 90» و«بيري ماسون».
وبقي نشطا على الشاشة الصغيرة طوال السنوات الثلاث التالية، فظهر أيضا في «مدينة عارية» و«الطريق 66» و«ألفرد هيتشكوك يقدم» كما في حلقة من «الشرفاء» The Untouchables لاعبا دورا شريرا لافتا عام 1963.‬
المخرج المنسي على جدارته روبرت موليغن منحه فرصة الوقوف أمام نتالي وود وكريستوفر بلامر في «داخل دايزي كلوفر». ومنحه آرثر بن دورا مساندا ومهمـا في «المطاردة» (1966) لاعبا شخصية هارب من السجن في طريق عودته إلى بلدته ليبرهن عن براءته. مارلون براندو كان بطل ذلك الفيلم ذي النبرة النقدية.
كان هذا الفيلم آخر أفلام ردفورد كوجه مساند، إذ لعب في العام ذاته بطولة «هذه الملكية مـدانة» عن مسرحية لتنيسي ويليامز، كتب السيناريو لها فرنسيس فورد كوبولا، وقام بإخراجها سيدني بولاك، حيث التقى ردفورد مرة ثانية مع نتالي وود. بعده، وجد نفسه في كوميديا مريعة من إخراج جين ساكس عنوانها «حافية في الحديقة»، والحافية كانت جين فوندا. الأهم كان في المستقبل القريب عندما قام سنة 1969 بالظهور، لجانب بول نيومان (من رعيل الخمسينات) في بطولة «بوتش كاسيدي وصندانس كيد»: وسترن حافل وذي طينة مختلفة عن أفلام النوع من إخراج جورج روي هيل. وهذا المخرج عاد فطلبه وبول نيومان لبطولة «اللدغة» سنة 1973. في السنوات الفاصلة كان اسمه تعزز أكثر في سلسلة متنوعة من الأدوار، هو في الفيلم الرياضي «داونهيل رايسر» (1969)، والدراما «فوسي القصيرة وهالسي الكبير» (1970)، والتشويقي «الحجر الساخن» لبيتر ياتس (1972). وعندما قرر الكاتب أبراهام بولونسكي الانتقال إلى كرسي الإخراج (وكان من ضحايا الحملة المكارثية) اختار ردفورد ليمثل دور رئيس البوليس الذي يفهم معضلة الهندي الأحمر في عالم اليوم، وذلك في «أخبرهم أن ويلي بوي بات هنا» Tell Them Willie Boy is Here (1969). تلا ذلك فيلم سياسي عن الترشيحات الرئاسية الأميركية، عنوانه «المرشـح» من إخراج مايكل ريتشي (مخرج «داونهيل رايسر») وكان أول فيلم يقوم ردفورد بإنتاجه أيضا. كما وقف دون سيغال وراء إيستوود وآرثر بن وراء وارين بيتي ومارتن سكورسيزي وراء روبرت دينيرو، وقف المخرج سيدني بولاك وراء ردفورد. بعد «تلك الملكية المدانة»، عاد بولاك إلى ردفورد في ثلة من الأفلام المتتابعة بدأت بالوسترن «جيريميا جونسون» (1972) وامتدت لتشمل «كيف كنـا» (أمام باربرا سترايسند، 1973) و«ثلاثة أيام من الكوندور» (مع فاي داناواي، 1974) ولاحقا في «الفارس الكهربائي» (لجانب جين فوندا، 1975) وفي «خارج أفريقيا» أمام ميريل ستريب عام 1983. المرة السابعة والأخيرة بين ردوفورد - بولاك وردت عام 1990 في فيلم «هافانا»، الذي جمع بين الرومانسية (أميركي وكوبية) والأحداث التي سبقت مباشرة ثورة كاسترو. خلال الفترة لم يتوقـف ردفورد عن العمل، هو تحت إدارة جورج روي هيل مرة ثالثة في «والدو بيبر العظيم» وألان ج. باكولا في «كل رجال الرئيس» لجانب دستين هوفمان وفي «بروباكر» لستيوارت روزنبيرغ (1980) و«الطبيعي» (باري ليفنسون، 1984) و«صقور قانونية» (إيفان رايتمان، 1986) و«حادثة عند أوغلالا» (مايكل أبتد، 1992) وسواها. وآخر ما شاهدناه له كممثل أول هو «كل شيء ضاع» الذي احتل به الشاشة بمفرده لاعبا شخصية البحار الذي تاه في المحيط.
الانتقال إلى الإخراج لم يعد بعيدا، ففي عام 1980 حقق أول فيلم له، وهو «أناس عاديون»، وأنجز بعده تسعة أفلام تتراوح بين الجيد والممتاز، آخرها «الشراكة التي تحتفظ بها» وهو لا يقل عن بعض أعماله الأخرى، مثل «أسود كحملان» و«المتآمر» في منحاه السياسي.

* الضحية والصحافي
مثل ردفورد وإيستوود، بدأ دستين هوفمان في العمل تلفزيونيا في منتصف الستينات، ثم وجد لنفسه موقع قدم في دور صغير (جدا) في «النمر ينجج» The Tiger Makes out لآرثر ميلر العام 1967. لكنه انطلق كصاروخ أبوللو في ثاني أفلامه «الخريج» الذي لعب فيه دور شاب لم يدخل بعد التجربة الجنسية تصطاده ثرية ملولة (آن بانكروفت)، وذلك تحت إدارة مايك نيكولز.
الدور الأهم له كمن له عند الناصية التالية: شخصية رجل مهدوم وبلا مستقبل يعرج ويسعل طوال الوقت في «مدنايت كاوبوي» (إخراج جون شليسنجر) وهو الفيلم الذي أطلق، ولحين، ممثلا آخر من عقاله وهو جون فويت. بعد ذلك الطريق باتت مفتوحة أمام هوفمان لكي يختار ما يشاء، فأم الفيلم العاطفي «جون وماري» لبيتر ياتس (1969) والوسترن «رجل صغير كبير» لآرثر بن (1970) و«كلاب من قش» لسام بكنباه (1971) حيث لعب دور الرجل الأميركي الضعيف الذي ينقلب ذئبا قبل أن تأكله الذئاب، ثم ظهر، وبعد أفلام أخرى، لجانب روبرت ردفورد في «كل رجال الرئيس» لألان ج. باكولا، الفيلم الذي تناول أكثر من سواه فضيحة ووترغيت.
عاد إليه جون شليسنجر في فيلم تشويقي حول ضحايا الهولوكوست عنوانه «رجل الماراثون» (1976)، حيث يخضع للتعذيب عندما يقوم النازي لورنس أوليفييه بخلع ضرس سليم له من دون مخدر. في «أغاثا» لمايكل أبتد هو الصحافي الذي يحقق في اختفاء الكاتبة أغاثا كريستي لبضع سنوات من دون أثر أو نشاط، ثم هو في «توتسي» متنكرا في زي امرأة، لأنه يعتقد أن الوظائف تمنح للنساء أكثر مما تمنح للرجال والفيلم من إخراج سيدني بولاك سنة 1982، ومثـله بعد غياب عامين عن الظهور، وذلك بعد أدائه بطولة «كرامر ضد كرامر» لروبرت بنتون أمام ميريل ستريب.
ثم هو مع وورن بايتي في «عشتار» و«دك ترايسي»، وبينهما «رجل المطر» (مع توم كروز)، وبقي منشغلا طوال الثمانينات والتسعينات، حتى هدأ الحال قليلا في العقد الأول من هذا القرن ثم أكثر قليلا في السنوات الأربع الماضية. من بين أبرز أفلامه في تلك الحقبة «بيلي باثغايت» (روبرت بنتون، 1991) و«بطل» (ستيفن فريرز، 1992) و«سير على القمر» (سامويل غولدوين، 1999). إلى جانب تقاطع الطريق الذي جمع بين هوفمان وبايتي مرتين، وبينه وبين ردفورد (مرة) لاحظنا كيف أن درب آل باتشينو ودرب روبرت دينيرو اللذين انطلقا متوازيين لسنوات كثيرة، التقيا عندما قاما ببطولة «حرارة» لمايكل مان (1995) وها هو ذات الدرب يجمع بين هوفمان ودينيرو في «قابل آل فوكرز» و«فوكرز الصغار» وكلاهما لم يكن يستحق الإنتاج أساسا. وهوفمان يشترك مع دينيرو في أنه أنجز النقلة إلى الإخراج، لكن مرتين فقط؛ الأولى سنة 1978 عندما قام ببطولة وتحقيق «وقت مستقيم» بنتيجة متوسـطة، والثانية سنة 2012 عندما عاد إلى كرسي الإخراج في «رباعي» بنتيجة جيدة.

* عنصرية
الممثل الذي لم يلتق بأحد من المذكورين حتى الآن، لكنه لم يقل عن أي منهم في درجة بلوغه الشهرة وتحقيقه المكانة عبر ثلاثة عقود على الأقل، هو سيدني بواتييه. هو أكبرهم سنا، إذ ولد سنة 1927 (بذلك هو في السابعة والثمانين من العمر) وباشر التمثيل في السينما قبل كل أترابه، ولو أن أدواره في النصف الأول من الخمسينات كانت أصغر من أن تشهد له بأكثر من التفاتة عابرة. هو الدكتور لوثر في «بلا مهرب» لجوزف مانكوفيتز (1950) والواعظ في الكنيسة في «ابكِ يا وطني الحبيب» لسلطان كوردا (1951) والمجند المغلوب على أمره في فيلم بد ويتيكر الحربي «رد بول إكسبرس» (1952). هذا المنوال بدأ في التغيـر سنة 1955، عندما أسند له المخرج رتشارد بروكس دور طالب في دراما مدرسية لعب فيها غلن فورد شخصية الأستاذ. لكن حظـ بواتييه الحسن واتاه أساسا بعد عامين، عندما قام المخرج مارتن رت بإسناد دور أساسي له في «حافة المدينة» أمام جون كازافيتيز.
هذه دراما عن العنصرية. سيدني الأفرو - أميركي يتصادق والأبيض الوحيد الذي يتعاطف معه بين عمال البناء في ذلك الفيلم. جاك ووردن في دور رئيس مجموعة من العمال (اسمه في الفيلم تشارلز ماليك) وأكثرهم شراسة وعنصرية. بعد أدوار متفاوتة أحدها تحت إدارة بروكس مرة أخرى (وهو «شيء ذو قيمة»، 1957) عاد فاشترك في توليفة الأبيض والأسود في فيلم ستانلي كرامر «المتحديان» حول أبيض عنصري (توني كيرتس) وأسود (بواتييه) يهربان من السجن وكل مقيـد بسلسال إلى الآخر. ليس هناك من تعاطف بينهما في البداية، لكن تآخيهما يتجاوز اللون عندما يدركان أنهما معا ضحية النظام.
هذا كان الدور البطولي الأول لبواتييه الذي نتج عنه إثبات صورته في أذهان المشاهدين البيض قبل السود كموهبة أفرو - أميركية طليعية وجديرة بالتقدير. ما بثـه بواتييه هو أمل جامح بالنسبة لكل تلك المواهب السوداء التي كانت تنتظر الفرصة، من باب أنه إذا ما استطاع بواتييه تحقيق النجاح، فإن أيا من الممثلين السود الآخرين يستطيع ذلك، وهو بالفعل ما حدث في الستينات التي انشغل فيها بواتييه بتمثيل عدة أفلام درامية لافتة، من بينها «براعم في الحقل» و«باريس بلوز» و«رقعة زرقاء». إلى جانبها هو في احتكاك عنصري آخر بينه وبين رتشارد ودمارك في «حادثة بدفورد» الحربي وفي فيلم الوسترن «مبارزة في ديابلو»، ثم عودة إلى المدرسة، هذه المرة كأستاذ تغني له لولو أغنية «إلى الأستاذ مع حبي» التي كانت عنوان هذا الفيلم.
الاحتكاك العنصري الأمثل جاء في الفيلم اللاحق «في حرارة الليل» لنورمان جويسون أمام رود ستايغر (1967). هذا الأخير هو شريف بلدة صغيرة ناعسة في جورجيا تقع فيها جريمة قتل والمشتبه به، لحين، هو ذلك الغريب الأسود لمجرد أنه أسود. بعدما يبرهن مستر تيبس (بواتييه) على أنه تحرٍ جاء من المدينة في زيارة قصيرة ينبري لمساعدة البوليس المحلي في الكشف عن القاتل.
لا أحد قبل بواتييه مثـل دورا كهذا حمل فيه كل الكبرياء الأسود. المشاهدون سقطوا تحت تأثير سيادته على المشاهد التي ظهر فيها لقاء اضطرار رود ستايغر للحفاظ على شخصيته ذات التلون المحدود، ولو أن مانحي الأوسكار أعطوا جائزة أفضل ممثل لستايغر وليس لبواتييه. في المشهد الذي يصفع فيه بواتييه رجلا ثريا أبيض البشرة كان أهانه أكثر من دلالة على أن أميركا انتقلت من عصر الاضطهاد إلى عصر المساواة.

* الممثلون والأوسكار
في نهاية هذه الحلقات، نظرة على حظ كل ممثل من الأوسكار:
* جاك نيكولسون: رشـح 12 مرة ونال الأوسكار ثلاث مرات: أفضل ممثل عن «طار فوق عش المجانين» (1976)، وأفضل ممثل مساند عن «شروط المودة» (1983)، وأفضل ممثل مساند عن «أفضل ما يكون» (1997).
* آل باتشينو: رشح ثماني مرات، ونالها مرة واحدة عن «عطر امرأة» (1992).
*روبرت دينيرو: رشح سبع مرات ونالها مرتين: أفضل ممثل مساند عن «العراب 2» (1974) وأفضل ممثل في دور رئيس عن «ثور هائج» (1980).
* كلينت إيستوود: رشح تسع مرات ونالها أربع مرات؛ الأولى أفضل مخرج عن «غير المسامح» (1992)، كما نال فيلمه ذاك أوسكار أفضل فيلم. المرة الثانية أفضل مخرج عن «ميستيك ريفر» (2003) الذي لم يشترك في تمثيله والثالثة أفضل مخرج عن «مليون دولار بايبي» (2004) الذي نال أيضا أوسكار أفضل فيلم.
* روبرت ردفورد: رشح أربع مرات ونالها مرة واحدة كأفضل مخرج عن فيلمه الأول «أناس عاديون».
*دستين هوفمان: رشح سبع مرات، ونالها مرتين، حيث فاز بأوسكار أفضل ممثل رئيس عن «كرامر ضد كرامر» (1979) وكأفضل ممثل رئيس أيضا عن «رجال المطر».
* سيدني بواتييه: لجانب أوسكار شرفي منح له سنة 2002 نال أوسكار أفضل ممثل أول عن «براعم في الحقل» (1963)، من بين المرات الثلاث التي رشـح فيها لهذه الجائزة.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».