طقوس خاصة وأجواء جميلة قلما تجد لها مثيلاً يعيشها في جنوب البحر الأحمر أهالي جزيرة فرسان (جنوب غربي السعودية)، في مهرجانهم السنوي صيد «سمك الحريد» الذي يعد كرنفالاً ذا خصوصية لأبناء الجزيرة الجنوبية.
واحتفل أبناء جزيرة فرسان يوم أمس بمهرجانهم العريق وسط حضور منوع من الأهالي ومن خارج الجزيرة من قبل بعض وسائل الإعلام ومحبي الأسماك والمهتمين بالمورث الشعبي والسياحية، ويصاحب المهرجان ردود فعل أهل الجزيرة ابتهاجاً بموروثهم العريق، حيث ينشدون الأهازيج ويؤدون الرقصات الشعبية، كون هذا اليوم له معنى وأهمية كبيرة في الثقافة الفرسانية.
واستعداداً لهذا اليوم التاريخي سيرت وزارة النقل بجازان قبل المهرجان بيومين 28 رحلة لعبَّارتَي نقل الركاب فرسان وجازان عبر الخط البحري بين جازان وفرسان، لاحتواء العدد الكبير من الزوار الذين يرغبون المشاركة ومشاهدة المهرجان الكرنفالي، إذا إن من تتاح له الفرصة لحضور هذا المهرجان سيعيش أجواء لا تتكرر عندما يشاهد المئات من الأهالي ينطلقون جرياً ليعانقوا البحر، ويبحثوا عن غلتهم من السمك في ذلك اليوم.
ورغم أن مهرجان صيد «الحريد» موروث شعبي خاص بأهالي الجزيرة، فإنه يجذب السياح في احتفالية سنوية كمهرجان سياحي في جزيرة فرسان السعودية جنوب البحر الأحمر التابعة إدارياً لمنطقة جازان جنوب غربي السعودية.
يقول إبراهيم الصيادي وهو أحد مثقفي ومؤرخي فرسان وعضو منطقة جازان في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «فعاليات صيد أسماك الحريد هي مورث ثقافي تمتد جذوره إلى مئات السنين لأهالي جزيرة فرسان، وقد ذكر المؤرخ (ابن مجاور) في كتابه عن جزيرة فرسان أن هذه العادة ارتبطت بأهالي فرسان منذ ما يقارب عام 620 هجرية، فهذه العادة ليست وليدة عقود بل أكثر من ذلك».
تسمية «مهرجان الحريد»
سبب تسمية المهرجان بالحريد يعود إلى سمك الحريد الذي يوجَد في المنطقة، وفي تاريخ معين من السنة، وتحديداً في شهر مارس (آذار)، وأول شهر أبريل (نيسان) من كل عام. سمك « الحريد» الذي تسميه بعض الكتب سمك الببغاء بسبب مقدمة فمه التي تشبه مقدمة طائر الببغاء، ويعيش هذا النوع من السمك في مناطق تسمى الحيد البحري (Coral Reefs) حي يعيش فيها ويحصل على غذائه ويتكاثر.
بداية موسم الحريد
عبر مئات السنين اعتاد أهالي فرسان أن سمك الحريد يتجمع سنويّاً بأعداد ضخمة ثم يتوزع على مجموعات يصل العدد في كل مجموعة إلى 1000 سمكة ليكونوا غمامة أو كرات ضخمة ثم تقترب من الشاطئ كما لو كانت تقوم بعملية انتحار جماعي، كما يشير حسين مهدي أحد الصيادين الشباب في حديثه لـ«الشرق الأوسط».
ويشير محمد حمزي، وهو أحد الصيادين العريقين: «بعد أن يتجمع السمك يكتشف الصيادون اقتراب موعد مجيء الحريد برائحة مميزة تنبعث من الشعاب المرجانية القريبة من الشاطئ فحينها يوقن الصيادين أن (الحريد) بات موجوداً وجاهزاً للصيد، عندئذ يتوجه الجميع في الساعات الأولى من الصباح الباكر إلى منطقة ساحل حصيص، ويصعد الصيادون المناطق المرتفعة المحيطة بالساحل لمراقبة المياه ورصد أي تحركات على سطح الماء تدل على اقتراب الحريد من المنطقة، حينها يتجه مجموعة محددة الصيادين الذين يتم اختيارهم بعناية بهدف لف الشباك حول كل مجموعة من الحريد على حدة، في الوقت الذي يكون فيه بقية الصيادين والأهالي على شاطئ الساحل في وضع الاستعداد قبل الانطلاق نحو البحر».
ويضيف سعيد بكري أحد المشاركين في المهرجان: «بعد أن ينهي الصيادون الرئيسيون مهمتهم يطلب كبير الصيادين من الشباب والأطفال بتجميع شجيرات معينة تسمى (الكسب) المشتهرة في (فرسان) وعمل حاجز من تلك الشجيرات بارتفاع نصف متر بحد أقصى حول الممر المائي بالخليج الذي يمر به سمك الحريد لمنعه من عبور الممر الضحل».
بداية الانطلاق وطقوس الصيد
ويتطرق سعيد بكري للأجواء الاستعدادية للصيد بقوله: «هي بصدق أجواء لا توصَف وأشعر بأنها فريدة من نوعها ولا سيما أنها تقام منذ مئات السنين»، ويشرح: «بعد الانتهاء من جميع الإجراءات المتعلقة بوضع النصب للأسماك يصل الجميع للحالة القصوى من الاستعداد كل يحمل بيده شبكة أو كيساً لصيد (الحريد)، إذ إنه لا يُصاد عن طريق السنارة أو أي أداة صيد أخرى، وإنما بالشباك أو ما يسمى الشوال، وهو عبارة عن كيس مجوف، ويصاحب أجواء الاستعداد للانطلاق طقوس من الصمت الكامل والهدوء والإنصات خشية أن يتحرك البعض قبل أن يطلق كبير الصيادين بصوت جهوري إشارة البدء، وهي مفردة (الضويني) التي تعني انطلاق، حيث تشخص أبصار الجميع بين كبير الصيادين والبحر استعداداً للانطلاق جرياً سريعاً نحو البحر لالتقاط الغلة في ذلك اليوم. فعندما يطلق كبير الصيادين (الضويني) ينطلق الجميع كباراً وصغار فيا يشبه (الماراثون) تجاه البحر في أجواء فرح واحتفالية لا تخلو من المنافسة على الحصول على أكبر كمية من الحريد، وفي ختام السباق يخرج كل فرد بحسب حصيلته في ذلك اليوم، ما بين أعداد كبيرة وأخرى أقل».
ويذكر إبراهيم الصيادي أن أصل مفردة «الضويني» التي تعني انطلاق يعود لشخص يدعى الضويني، وهو من ابتكر هذا المهرجان قديماً فارتبطت انطلاق الأهالي نحو البحر بسماع اسمه.
ويذكر أحمد الجبرتي من أحد أهالي فرسان أنهم يحتفلون عقب الصيد بالأهازيج والرقصات الفرسانية القديمة والشعبية، ويضيف: «قديماً كان أهل فرسان يحتفلون بيوم الحريد في بيوت المتزوجين الجدد الذي تزوجوا خلال موسم حريد ذلك العام حيث يقدم الأهالي ولا سيما النساء والأطفال (الحريد) هدية للعروسين».
الحريد لا يُباع
ضمن العادات والتقاليد، ورغم الكميات الوفيرة التي تجنيها جزيرة فرسان من سمك الحريد، فإنه من «العيب» بالمورث الشعبي في الجزيرة أن يُباع الحريد وإنما يُهدى فقط، ويتذكر إبراهيم صيادي والدته التي كانت تهدي أسماك الحريد لمعارفها في مدينة جيزان منذ عقود، كما يشير صيادي.
يُذكر أن الأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز أمير منطقة جازان، ونائبه الأمير محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز، وكما هي العادة السنوية، شارك أهالي الجزيرة فعاليات صيد سمك الحريد قبل أن يسلم في نهاية السباق المبالغ النقدية والهدايا العينية للفائزين في المسابقة والبالغ عددهم عشرة فائزين.
8:17 دقيقة
السعودية: «صيد الحريد» موروث شعبي يجذب السياح جنوب البحر الأحمر
https://aawsat.com/home/article/1230061/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%C2%AB%D8%B5%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%AF%C2%BB-%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%AB-%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A-%D9%8A%D8%AC%D8%B0%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%AD-%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B1
السعودية: «صيد الحريد» موروث شعبي يجذب السياح جنوب البحر الأحمر
أهالي جزيرة فرسان يحتفون به على إيقاع الأهازيج والرقصات الشعبية
- جدة: محمد العايض
- جدة: محمد العايض
السعودية: «صيد الحريد» موروث شعبي يجذب السياح جنوب البحر الأحمر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة