قصر قرطاج ومعركة إطفاء الحرائق

تعقد التجاذب السياسي مجدداً في تونس بين أنصار المسار الانتخابي والداعين إلى تأجيله أو إيقافه بحجة التخوف من أن يؤدي إلى فوز ساحق لمرشحي التيارات المحسوبة على «الإسلام السياسي»، على غرار ما جرى في الجزائر قبل نحو 30 سنة ثم في بلدان عربية كثيرة. ولقد تأزم المشهد الأمني والسياسي والاجتماعي مجدداً وتعاقبت الحرائق والاضطرابات في مؤسسات التعليم في الذكرى 62 لإعلان الاستقلال عن فرنسا، رغم رهانات الدولة منذ الزعيم الاستقلالي الحبيب بورقيبة على خيارات تعميم التعليم ورصد ثلث ميزانية الدولة لقطاع التربية.
ولكن، رغم مناخ الأزمة السياسية والاجتماعية، انتظمت في قصر قرطاج الرئاسي، وفي عدة مدن، بطلب من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ومساعديه، احتفالات خاصة بذكرى الاستقلال. وتزايد الاهتمام الشعبي بهذه الاحتفالات بسبب الزوبعة التي انفجرت في المواقع الاجتماعية ووسائل الإعلام رداً على الانتقادات غير المسبوقة التي وجهتها سهام بن سدرين، الناشطة الحقوقية اليسارية، ورئيسة هيئة الكشف عن تجاوزات الدولة في العقود الماضية لبورقيبة ولوثيقة الاستقلال، انطلاقاً من وثائق قالت إنها سرية وحصلت عليها بطريقتها الخاصة في فرنسا. وبعدما رد 60 مؤرخاً جامعياً تونسياً على بن سدرين، استقبل الرئيس التونسي بعضهم فازداد تعاطف بعض نشطاء «فيسبوك» معها.
السؤال الكبير يظل في تونس بعد 6 عقود من المد والجزر: هل سينجح النموذج التنموي والسياسي التحديثي الذي وضع أسسه الزعيم الاستقلالي الحبيب بورقيبة، ويدافع عنه اليوم «تلميذه» الباجي قائد السبسي... أم تنهار تونس مثلما انهارت دول عربية أخرى بسبب تراكم مشكلاتها وأزماتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية؟
واستطراداً، هل ينجح قائد السبسي، وريث بورقيبة في قصر قرطاج، في إطفاء الحرائق التي تندلع في البلد على أكثر من جبهة منذ سنوات... أم تعصف شظايا تلك الحرائق مجدداً بمؤسسات الدولة والمجتمع، مثلما أحرق الرومان قرطاج (قرطاجة) البونيقية عام 146 قبل الميلاد... وقضوا نهائياً على إمبراطوريتها وحضارتها ومجدها؟
وزير التربية التونسي حاتم بن سالم أعلن بمناسبة تفقده مؤسسات تعليم شملتها الحرائق وإضرابات نقابات الأساتذة في محافظة القصرين، بالقرب من الحدود الجزائرية، أن مجلس الوزراء قرر تطبيق القانون بحزم مع النقابات دفاعاً عن مصالح ملايين الطلاب وعن البلاد وعن هيبة الدولة، بما في ذلك عبر قطع رواتب رجال التعليم المضربين ومحاكمة المتهمين في جرائم حرق عدد من مبيتات الطالبات في عدة مدن.

إضرابات وحرائق
في الوقت نفسه، عادت قيادات بعض النقابات التي نجحت في إسقاط عدد من الوزراء والحكومات خلال الأعوام الماضية إلى تصعيد لهجتها والقيام بتحركات للمطالبة بتعديل جديد في تركيبة الحكومة. ولقد اعترض رئيس الحكومة يوسف الشاهد وعدد من الوزراء وقيادات الأحزاب الكبرى على هذه الدعوات، وأكدوا حاجة البلاد إلى الاستقرار. كذلك أكد الخطاب المطوّل الذي توجه به الرئيس الباجي قائد السبسي إلى الشعب في ذكرى الاستقلال على حاجة البلاد إلى «إطفاء نيران الاضطرابات»، وإلى إنجاح النموذج السياسي الديمقراطي التعددي التونسي عبر تدارك الخسائر التي لحقت بالاقتصاد التونسي بفعل الإضرابات والعمليات الإرهابية، وتضخم حجم الأجور في ميزانية الدولة، واستفحال الديون التي تطورت من 40 إلى 70 في المائة من الناتج الوطني خلال الأعوام السبعة الماضية. ويعتقد بعض الخبراء الاقتصاديين، مثل الصادق جبنون، أن إشعال فتيل الإضرابات بصفة مسترسلة أربك اقتصاد البلاد وأضر بمصالح ملايين العائلات. غير أن الخطب النارية لبعض النقابيين والمعارضين اليساريين لا تزال تدفع الشباب العاطل عن العمل والفقراء نحو مزيد من الاحتجاجات.

إيقاف المسار الانتخابي
رضا الشكندالي، الخبير المدير العام السابق لمؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، حذر من جانبه من الصبغة الكارثية للاضطرابات الاجتماعية، وغياب الاستقرار الحكومي، والقرارات السياسية التي تؤثر سلباً في أجواء الانتخابات وفي مناخ الاستثمار والإنتاج وتعمق أزمة الثقة في السياسيين وفي صناع القرار وفي المؤمنين بالإصلاح السياسي وإمكانية تكريس المصالحة بين الثقافات الشرقية والديمقراطية. كما اعتبر المحامي والناشط السياسي عماد بن حليمة، أن الحكومة مطالبة بتطبيق القوانين بحزم، ويحق لها اقتطاع رواتب المضربين عن العمل والمتسببين في خسائر للمجتمع والبلاد. أما سفيان طوبال، رئيس كتلة الحزب الحاكم في البرلمان، وزياد العذاري وزير التنمية الاقتصادية والتعاون الدولي والأمين العام لحزب «النهضة»، فانتقدا التحركات الجديدة التي تهدف إلى إسقاط الحكومة أو إيقاف المسار الانتخابي، ودفع مزيد من الشباب نحو الاعتصامات والاضطرابات، بحجة ارتفاع عدد العاطلين عن العمل من نحو 13 في المائة قبل ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 إلى نحو 16 في المائة حالياً. أيضاً، أكد الوزير اليساري سمير الطيب وعدد من زعماء الأحزاب المشاركة في حكومة «الوحدة الوطنية» حاجة البلاد إلى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وإيقاف نزيف الاضطرابات الاجتماعية التي تسببت - حسب خطاب الرئيس التونسي قائد السبسي - في خسائر بالمليارات في قطاعات الفوسفات والمحروقات والسياحة والاستثمار والتصدير.

المسكوت عنه
إلا أن أخطر ما في تصعيد الاضطرابات النقابية والتحركات الاجتماعية السياسية، حسب عدد من الخبراء والسياسيين، مثل محمد عبو زعيم حركة التيار الديمقراطي في البرلمان، وجود مساعٍ من قبل عدة أطراف لإيقاف المسار الانتخابي الذي بدأ قبل أسابيع، ومن المقرر أن يؤدي إلى تنظيم انتخابات بلدية عامة يوم 6 مايو (أيار) المقبل. وتخشى أطراف كثيرة راهناً من أن تؤدي هذه الانتخابات إلى تغيير المشهد السياسي واختفاء الغالبية الساحقة من الأحزاب الصغيرة التي تجاوز عددها 200 منذ الإطاحة بحكم الرئيس زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011. أيضاً لا يخفي كثير من الساسة تخوفهم من أن تؤثر نتائج هذه الانتخابات في التحضيرات للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة لعام 2019، من حيث تكريس حزبين كبيرين أو 3 لا غير. وحقاً، صدرت دعوات إلى رئيس الجمهورية بإيقاف هذه الانتخابات أو إلغائها عن عدد من السياسيين البارزين، مثل أحمد نجيب الشابي، زعيم الحزب الجمهوري سابقاً وزعيم المعارضة القانونية قبل 2011. واعتبر البرلماني السابق محمود البارودي أن «المسكوت عنه» بالنسبة لدعاة تأجيل الانتخابات أو إلغائها «تجنب تكرار سيناريو انتخابات 1990 في الجزائر»، عندما تسبب الفوز الساحق لمرشحي تيار ما تسمى جماعات «الإسلام السياسي» إلى منعرج عسكري أمني خطير وإلى وقف كامل للتجربة الديمقراطية والتعددية.

«الخطر الداهم»
من ناحية ثانية، تعالت الأصوات في صفوف المركزية النقابية والبرلمانيين والسياسيين لمطالبة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي باستخدام صلاحياته الدستورية لاعتبار البلاد في وضع خطير جداً، ما يستوجب تعطيل المسار الانتخابي وإحالة صلاحيات الحكومة والبرلمان إلى رئاسة الجمهورية. كذلك طالب عدد من السياسيين مثل الوزير السابق محسن مرزوق زعيم حزب «مشروع تونس»، وياسين إبراهيم زعيم حزب «آفاق»، الرئيس التونسي، بتعديل النظام السياسي الحالي عبر التقدم بمشروع لتعديل الدستور يعطي صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية وينهي الأزمات المتعاقبة بين البرلمان والمؤسسات التنفيذية للدولة. ويحتج هؤلاء بتعاقب الاضطرابات الاجتماعية في مناطق إنتاج الفوسفات والمحروقات والتجاوزات للسلطة من قبل نقابات مهنية في كامل البلاد، وخصوصاً نقابات الأساتذة والأطباء الشبان وبعض نقابات الأمن التي هاجم أنصارها إحدى المحاكم في العاصمة تونس وأفرجوا عن رجال أمن موقوفين بقوة السلاح.
ومن جانب آخر، يحتج آخرون باستفحال المؤشرات المالية وطنياً، وخصوصاً تدهور قيمة الدينار التونسي، والتراجع الذي يسجل لأول مرة منذ 30 سنة في احتياطي البنك المركزي من العملة الأجنبية، إذ بلغ نحو 77 يوماً فقط مقابل معدل يحوم حول 120 يوماً عادة. ولكن هل ترتقي كل هذه الصعوبات والمشكلات إلى درجة الكلام عن خطر داهم، وفق ما ينص عليه الدستور الذي يبيح لرئيس الجمهورية بسببه إعلان «حالة طوارئ»، ومعها أيضاً إجراءات استثنائية جداً من بينها إيقاف المسار الانتخابي؟

... تضخيم
في اتجاه موازٍ، ردّ برلمانيون وسياسيون من الائتلاف الحاكم مطالب دعاة تعطيل المسارين الانتخابي والسياسي، واتهموا أصحابها بتضخيم حجم الأزمات المالية والاجتماعية والأمنية التي تمر بها البلاد «لأهداف انقلابية»، وبسبب انعدام ثقتهم في النتائج التي ستفرزها صناديق الاقتراع. وفي هذا السياق، أصدر زعيم الحزب الحاكم حافظ قائد السبسي بياناً رداً على تلك الحملات أعلن فيه تمسك حزبه بالمسار الانتخابي وتوقع فوز حزبه بالمرتبة الأولى فيها. وصدرت مواقف مماثلة من قيادات أحزاب «النهضة» والمسار والتيار الديمقراطي والحراك.
بل إن قيادات الأحزاب التي تصنّف ضمن مجموعات أقصى اليسار، أي أحزاب «الجبهة الشعبية» بزعامة حمه الهمامي رئيس الحزب العمالي الشيوعي، انخرطت بدورها في المسار الانتخابي وقدّمت مرشحين لها في أكثر من 140 بلدية، أي في نحو نصف عدد البلديات التي يجري التنافس فيها. وكشف استفحال الصدام السياسي بين الأطراف المؤثرة في الأحزاب والنقابات من جهة، وفي الحكومة والمعارضة من جهة أخرى، تعمق الهوة بين الفاعلين الكبار في القرار السياسي والاقتصادي والأمني التونسي. واستفحلت الأزمة عندما ساند سمير ماجول، الرئيس الجديد لاتحاد نقابة رجال الأعمال، المطالبين بتغيير جديد في تركيبة الحكومة بزعامة نور الدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد نقابات العمال، ومحسن مرزوق زعيم حزب «مشروع تونس» وصاحب ثالث كتلة في البرلمان. لكن قيادات الأحزاب الرئيسية المشاركة في حكومة «الوحدة الوطنية»، مثل الوزير السابق للعدل نور الدين البحيري، تعترض على خيار توريط البلاد في إضاعة الوقت في مزيد من التعديلات الحكومية والدستورية والقانونية.

قرطاج وإطفاء الحرائق
وهكذا، مرة أخرى تجد النخب السياسية والثقافية نفسها مضطرة إلى اللجوء إلى قصر الرئاسة في قرطاج وإلى السلطة المعنوية للأب الروحي. ولقد كان موكب إحياء الذكرى السنوية 62 لاستقلال تونس في قصر قرطاج مناسبة نجح خلالها الرئيس الباجي قائد السبسي في أن يجمع حوله زعماء وممثلون عن كل الأطراف السياسية المشاركة في الحكم أو المعارضة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن وزراء حكومات الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي... إلى حكومات ما بعد ثورة يناير 2011.
وبالفعل، جمع الحدث الرئيس السبسي، مدير الأمن ثم وزير الداخلية والدفاع والخارجية في عهد الحبيب بورقيبة، ورئيس أول برلمان في عهد بن علي الهادي البكوش الأمين العام للحزب الحاكم في عهد بورقيبة وبن علي وأول رئيس حكومة في عهد بن علي، والرئيس الأسبق لتونس فؤاد المبزع ومعارضيهم السابقين الذين وصلوا إلى سدة الحكم مثل علي العريّض رئيس الحكومة عام 2013 وزعامات التيارات الدستورية الليبرالية واليسارية والقومية العروبية والإسلامية.
كذلك جمعت القاعة ذاتها زعامات النقابات والمعارضة التي صعدت انتقاداتها للحكم ولوثيقة قرطاج التي وقعتها أبرز الأحزاب والنقابات في سبتمبر (أيلول) 2016، ما أدى إلى تشكيل حكومة «الوحدة الوطنية» الحالية برئاسة يوسف الشاهد بمشاركة ممثلين عن نحو 10 أحزاب ونقابات. ورغم تجاوزه الـ90 من عمره صمد الباجي قائد السبسي وارتجل كعادته خطاباً تجاوز الساعة حاول من خلاله إطفاء الحرائق التي أضمت في كل الجهات... ووظف الشبه بينه وبين الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة من حيث أسلوب الخطابة والكاريزماتية. وأسهم خطابه واستضافته لخصومه ومعارضيه مع مسانديه بمناسبة العيد الوطني 62 في إطفاء كثير من الحرائق وتحييد كثير من الألغام، خصوصاً أنه التقى على هامش الاحتفالات برموز من المعارضة.

ورقة ترمب وماكرون
وإذ تجنب رئيس الجمهورية، كعادته، قراءة خطابه فإنه اعتمد فيه منهجية إطفاء حرائق واضحة استهلها بتلاوة مقتطفات من رؤساء العالم التي تنوه بالمسارين الديمقراطي والانتخابي في تونس، من بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. قائد السبسي رد على المشككين في المسار السياسي والانتخابي بورقة الدعم الدولي لما يوصف بالاستثناء الديمقراطي التونسي، ورغم الضغوط الكبيرة التي مارستها أحزاب علمانية وأطراف مالية وسياسية ونقابية وأمنية على الرئيس التونسي لكي يتقدم للبرلمان بمشروع تعديل الدستور ويفك التحالف الحالي بين حزبه وبقية مكونات حكومة «الوحدة الوطنية»، وخصوصاً «النهضة»، فإنه فاجأهم مجدداً بالدفاع عن الدستور الحالي وعن خيار الوحدة الوطنية الذي تبناه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة عند تشكيل حكومات شارك فيها ممثلو النقابات ومختلف التيارات. بل، كان قائد السبسي براغماتياً جداً إذ قال: «لم أشارك في صياغة هذا الدستور الذي انتخبني الشعب اعتماداً عليه، وليس دوري تعديله، ولكن البرلمان هو الذي يقوم بذلك».

تجاذبات... ولكن
وفي هذه الأثناء، في ظل استمرار التجاذبات من جهة، ومحاولات إنجاح المسار الانتخابي من جهة أخرى، قد يزداد الاهتمام بالشواغل السياسية على حساب الملفات الاقتصادية والمالية والتنموية. وفي ظل تدهور المقدرة الشرائية للطبقتين الوسطى والفقيرة، يخشى علماء الاجتماع من انفجار الأوضاع في أي وقت، خصوصاً في المحافظات الداخلية والأحياء الفقيرة حول العاصمة والمدن الكبرى. وفي مثل هذه الحالة قد تجد تونس نفسها مهددة مرة أخرى بانتفاضة جديدة يفجرها المهمشون والشباب العاطل عن العمل ويجني ثمرتها بعض السياسيين.
فهل يكون قارب النجاة بالنسبة لتونس والاستثناء التونسي سياسياً... أم يحتاج ضمانات اقتصادية ومالية وأمنية؟

محطات في تاريخ تونس المستقلة
في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) كان الحزب الحر الدستوري (الجديد) - تمييزاً له عن الحزب الحر الدستوري الذي كان قد أسسه الشيخ عبد العزيز الثعالبي عام 1920، الذي أصبح يعرف بعد ظهور الحزب الجديد بـ«الحزب القديم» - أبرز محاور الحراك الوطني من تقرير المصير وإنجاز الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي. ولقد أسس الحزب الجديد نخبة من الناشطين على رأسهم الطبيب الدكتور محمود الماطري رئيس ديوانه السياسي والمحامي الحبيب بورقيبة أمينه العام (أو الكاتب العام) ومعهم الطاهر صفر والبحري قيقة ومحمد بورقيبة. وظهر الدستور الجديد للحزب في المؤتمر الذي انعقد يوم 2 مارس (آذار) 1934 بمدينة قصر هلال في الساحل التونسي.
ما يجدر ذكره أن فرنسا كانت قد وعدت الحزب بالاستقلال عام 1952، بيد أن تراجعها عن وعدها أدى إلى اندلاع الثورة الشعبية المسلحة. وبالتالي، اضطرت السلطات الفرنسية للدخول في مفاوضات عام 1955 أقرت فيها حكومة رئيس الوزراء الاشتراكي بيار منديس فرانس بـ«الاستقلال الداخلي» لتونس. ثم الاستقلال التام في العام التالي 1956 على الرغم من معارضة قوى اليمين الفرنسي.
حركة المقاومة التونسي المسلحة ظهرت بين ربيع 1952 و1954، وتشكّلت من زمر ومجموعات صغيرة انخرطت في معارك كثيرة ضد الأهداف الاستعمارية، وخصوصاً جنوب تونس وغربها، وكان بين أبرز قادتها الميدانيين الساسي الأسود والأزهر الشرايطي. أما الحبيب بورقيبة، أبرز الزعماء السياسيين فعاد من المنفى وأطلق العملية التفاوضية مع الفرنسيين حول الاستقلال. ولقد واصل بورقيبة التفاوض بعد سقوط حكومة منديس فرانس، وأنجز «بروتوكول الاستقلال» يوم 20 مارس 1956.
شخصية بورقيبة كانت محورية في الحراك الاستقلالي. ومن أبرز نشاطاته توجهه إلى العاصمة المصرية القاهرة وفتحه مكتب المغرب العربي وسفره إلى نيويورك عام 1945. ولكن مسيرته لم تخلُ من الاعتقال والنفي والمعاناة. ومنذ عام 1949 أعاد بورقيبة تنظيم الحزب الحر الدستوري، وبعد إنجاز الاستقلال يوم 20 مارس 1956، انتخب بورقيبة رئيساً للمجلس القومي التأسيسي يوم 8 أبريل (نيسان) ثم كلّف يوم 11 أبريل بتشكيل الحكومة التونسية الأولى. وفي 25 يوليو (تموز) 1957 قرر المجلس القومي التأسيسي بالإجماع إعلان الجمهورية وأصبح الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية.
بعد ذلك، وبعد إنجاز قيادة تونس المستقلة بناء الدولة الحديثة، ونجاحها في احتواء الولاء القبلي والجهوي وتعزيز الروح الوطنية وتحديثها التعليم و«تونسة» الإعلام والإدارة، جرى تغيير اسم الحزب الحاكم ليغدو الحزب الاشتراكي الدستوري.