«رسائل من بغداد»... العراق من منظور جاسوسة بريطانية شكلت معالمه

من فيلم «رسائل من بغداد»
من فيلم «رسائل من بغداد»
TT

«رسائل من بغداد»... العراق من منظور جاسوسة بريطانية شكلت معالمه

من فيلم «رسائل من بغداد»
من فيلم «رسائل من بغداد»

شهد جمهور بغداد أول من أمس عرض للقطات لم تشاهد من قبل للعراق قبل 100 عام ورسائل ووثائق تاريخية للمستكشفة البريطانية غيرترود بيل، وذلك من خلال الفيلم الوثائقي «رسائل من بغداد»، الذي عرض في المسرح الوطني ببغداد. وتعد بيل وهي كاتبة ومستكشفة وجاسوسة وضابطة بريطانية شخصية هامة في تاريخ العراق، حيث ساهمت بشكل ما في تشكيل معالم العراق الحديث.
حضر الفيلم جمهور كبير مؤلف من أكاديميين ودبلوماسيين وصحافيين.
وحسب تقرير لـ«رويترز» فالفيلم يسلط بعض الضوء على التحديات التي يواجهها العراق في الوقت الراهن مع خروجه من حرب مع تنظيم داعش، وسعي البلاد لتحقيق المصالحة بين الأغلبية الشيعية والأقليتين السنية والكردية.
وأشاد مصطفى سالم وهو صحافي عراقي يعمل بمكتب صحيفة «واشنطن بوست» في بغداد بالفيلم بعد عرضه في المسرح الوطني في بغداد. وقال: «الفيلم رائع، لكن كمشاهد عراقي كنت أود أن يعالج بعمق أكبر الجانب السياسي والتاريخي، ودورها النافذ في تأسيس الدولة العراقية»؛ وكان يشير إلى حقيقة أن أجزاء من الفيلم ركزت بشكل كبير على حياة بيل الخاصة.
وقالت سابين كراينبول التي شاركت في إخراج الفيلم مع زيفا أويلباوم قبل العرض: «المشاهد العراقي سينغمس في تجربة بصرية عن ماض مشترك، وسيخرج بانطباع عن بغداد متعددة ثقافيا ونابضة بالحياة في أوائل القرن العشرين».
وعرض الفيلم عالميا عام 2016 واختير للعرض في مهرجان لندن السينمائي، ونال جائزة الجمهور في مهرجان بيروت السينمائي الدولي.
ونظمت وزارة الثقافة العراقية عرض الفيلم في بغداد ومناطق أخرى بالعراق، ويتزامن عرضه مع الذكرى المائة والخمسين لميلاد بيل.
ويشرح الفيلم قرارات مهمة اتخذتها بيل بصفتها ضابطة سياسية في الإدارة الاستعمارية البريطانية التي كانت تحكم العراق بعد الحرب العالمية الأولى.
ومن بين هذه القرارات قرار ضم الموصل التي تسكنها أغلبية سنية، والمناطق الكردية في الشمال إلى الدولة العراقية التي كان يشكلها البريطانيون، بالإضافة لقرار اختيار فيصل بن الحسين من الأسرة الهاشمية العربية السنية ملكا للبلاد.
ورسمت بيل حدود العراق استنادا إلى معرفتها بالتجمعات السكانية المحلية التي مرت عليها بصفتها مستكشفة عندما كانت شبه الجزيرة العربية وبلاد ما بين النهرين لا تزال تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية.
وفي إحدى الصور تقف بيل مع لورانس العرب وونستون تشرشل قرب الأهرام المصرية.
كما يعرض الفيلم مشاهد من حياتها اليومية في بغداد، وكذلك لأسر وشخصيات من المجتمع اليهودي المزدهر آنذاك.
وقالت أويلباوم: «كانت غيرترود بيل من المدافعات عن التنوع، وقعت في حب الثقافة المختلفة التي صادفتها. كان العراق في عهدها متنوعا للغاية، وكانت بغداد مدينة نابضة بالحياة. نشعر بأن هذه رسالة مهمة للغاية اليوم».
وأسست بيل، التي توفيت عام 1926، ودفنت في المدينة متحف بغداد لعرض وحفظ التراث السومري والبابلي لبلاد ما وراء النهرين.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».