قماش الباشمينا في كشمير يدافع عن نفسه باستنساخ الماعز

الظروف الجوية القاسية التي شهدها فصل الشتاء أدت إلى إحداث فارق في إنتاج الصوف

قماش الباشمينا في كشمير يدافع عن نفسه باستنساخ الماعز
TT

قماش الباشمينا في كشمير يدافع عن نفسه باستنساخ الماعز

قماش الباشمينا في كشمير يدافع عن نفسه باستنساخ الماعز

* صادرات الباشمينا جلبت 160 مليون دولار لكشمير في موسم 2011-2012
* تجري صناعة شال الباشمينا يدويا دون استخدام ماكينة أو أي وسائل صناعية

تواجه أسراب ماعز الباشمينا الكشميرية، المشهور عالميا، تهديدا بالغا نتيجة تناقص عدد قطيع ماعز الباشمينا الذي يربى في منطقة الهيمالايا الباردة المشتهرة بالعواصف، مما أدى إلى معاناة النساجين الكشميريين وجود نقص شديد في صوف الباشمينا الخام.
وعلاوة على ذلك، نفق ما يقدر بنحو 25,000 من ماعز تشانجرا، التي تربيها قبيلة تشانجباس، وهي قبيلة بدوية في هضبة التبت الخطرة التي تضم ولاية لداخ الهندية، في الصحراء الأشد برودة في العالم ومناطق التبت. وكان السبب وراء نفوق هذه الحيوانات هو الظروف الجوية غير الملائمة وغياب المراعي الماشية.
انخفض إنتاج صوف الباشمينا، التي يقدر إنتاجها نحو 42 ألف كيلوغرام كل عام إلى النصف هذا العام. وتفوق جودة الصوف المأخوذ من هذه الماعز شعر الإنسان الطبيعي بستة أضعاف، كما يستخدم في إنتاج منتجات الباشمينا العالمية من الأوشحة والصدريات والإزار والمعاطف الواقية من المطر، التي تلاقي إقبالا كبيرا في الغرب.
ويقول محمد شريف، مسؤول تربية الأغنام بمنطقة لياه، لمراسلة الصحيفة إن هناك انخفاضا شديدا في صوف الباشمينا.
وأردف شريف قائلا «انخفضت كميات صوف الباشمينا التي يجري شراؤها من مربي الماعز إلى نصف إنتاج العام نظرا لنفوق أعداد كبيرة من الماعز. علاوة على ذلك، أدت الظروف الجوية القاسية التي شهدها فصل الشتاء القارس وجفاف الكلأ في الصيف إلى إحداث فارق في إنتاج الصوف حتى على الرغم من قدرة ماعز الباشمينا على التكييف. وكان السبب الرئيس في نفوق الماعز الجوع أو انخفاض درجة الحرارة».
وأشار شريف، إلى أن هناك ما يُقدر بنحو 200 ألف ماعز في تشانغ تانغ. وتنتج كل ماعز 250 غراما من الصوف في الموسم الواحد.
وتربى قطعان الباشمينا في المناطق التي يقطنها البدو الرحل في منطقة تشانغ تانغ بولاية لداخ الواقعة في كشمير الهندية، التي ترتفع أكثر عن 14,000 قدم عن سطح البحر، تهبط درجة الحرارة في فصل الشتاء إلى أقل من 50 درجة مئوية.
وفي سياق ذي صلة، يقول تسيوان موراب، مسؤول آخر بإدارة تربية الأغنام بمنطقة لياه، «إن تشانغ تانغ عبارة عن منطقة شاسعة مساحتها 42,000 كيلومتر مربع، تتراوح درجات الحرارة فيها بين 43 إلى 45 درجة تحت الصفر. ولا تتضح ضخامة تلك المشكلة إلا في حال زيارة الشخص لهذا المكان، حيث تتعرض إناث الماعز لعمليات إجهاض، بينما تنفق صغار الماعز، التي يصل عمرها إلى عام واحد، بسبب البرد».
وجدير بالذكر أن الأزمة بدأت في أوائل عام 2013، عندما أدى تساقط الثلوج في هضاب تشانغ تانغ بمنطقة لداخ في جامو وكشمير إلى مقتل حوالي 13 في المائة من إجمالي عدد الماعز هناك، بالإضافة إلى تهديد عملية توفير صوف الباشمينا الناعم. وجرى كشف النقاب عن تأثير هذا الأمر عندما بدأت عملية الجز والقص في شهر يوليو (تموز).
وعلى المستوى التاريخي، وفر الحرفيون الكشميريون خام الباشمينا لأجيال لصنع شال الباشمينا الذائع الصيت المنسوج يدويا الذي تبلغ تكلفته ما بين 200 إلى 600 دولار.
وأدت صادرات الباشمينا إلى جلب 160 مليون دولار لكشمير في موسم 2011-2012.
لقد ظلت صناعة بضائع الباشمينا، الحرفة الأساسية، للنساء المسلمات في كشمير، والتي تدر ربحا وفيرا دون حاجة لخروجهن من المنزل. تجري صناعة شال الباشمينا، يدويا دون استخدام ماكينة أو أي وسائل صناعية.
وفي المقابل، فبسبب النقص في خام الباشمينا، يعاني حوالي 65 في المائة من النساء التي تنسج باستخدام الباشمينا، واللاتي يكون أغلبهن مضطهدات وأرامل وليس لديهن أي مصدر آخر للكسب، من الوطأة العظمى لذلك النقص.
كان نقص صوف الباشمينا ضربة مؤلمة لبعض النساء من أمثال حميدة باي، وهي أرملة عملت في مجال غزل الصوف ما يقرب من عقدين من الزمان وقامت بتربية أطفالها الأربعة بعد وفاة زوجها.
وتقول باي «لقد تركت مهنة غزل صوف الباشمينا لأننا لم نعد نحصل على الصوف. فالصوف المتاح في الأسواق، يُباع بأسعار باهظة مبالغ فيها. ولا يستطيع العامل العادي مثلي تحمل تكلفة شراء الصوف الخام». ولكي توفر القوت لها ولابنتها الأرملة، انتقلت باي إلى غزل صوف الأغنام العادي، الذي يُدر بالكاد 3,000 روبية (نحو 50 دولارا) في الشهر. وأردفت باي قائلة «كان غزل صوف الباشمينا مربحا، فقد اعتدت على كسب ما يزيد على 12,000 روبية (ما يقرب من 200 دولار) في كل شهر».
هناك آلاف النساء من أمثال باي، واللاتي تعودن على غزل الباشمينا الخام لكسب قوتهن. وعلى الرغم من عدم وجود بيانات رسمية بشأن العدد الدقيق للنساء المشتغلين بالغزل، حيث كانت إسهاماتهن بمثابة العمود الفقري لصناعة الباشمينا في كشمير.
وعلاوة على ذلك، يساور القلق شاميما واني، البالغة من العمر 42 عاما التي توفر العمل لنحو 2,000 امرأة مسلمة كشميرية، وذلك بسبب ندرة الباشمينا الخام.
وتقول واني «70 في المائة من النساجين الذين يعملون لدي، هم من النساء والأرامل اللاتي ليس لديهن أي مصدر آخر من مصادر الدخل. وتواجه تلك النسبة تأثيرات نقص الصوف. وعندما بدأت عملية جز وقص المعز في لداخ العام الحالي، ارتفعت الأسعار فجأة بسب قلة العرض عن الطلب. وارتفع سعر الكيلوغرام الواحد من صوف الباشمينا من 9,000 روبية إلى 12,500 روبية. وسيتواصل هذا الارتفاع. وعليه، فيجب علي بكل أسف تقليل أعداد النساء العاملات لدي. وتتناسب تلك الوظيفة مع طبيعة المرأة لأنها تسمح لها بأداء الأعمال المنزلية داخل منزلها، فضلا عن كسب الدخل». وأردفت واني أنها تقدم كميات قليلة من صوف الباشمينا إلى الحرفيين الماهرين لغزلها بسبب نقص الباشمينا الخام.
ويقول نذير أحمد، أحد تجار الباشمينا، «سيفكر مليا آلاف النساجين، الذين يغزلون الشال ويحققون دخلا شهريا من 6,000 إلى 7,000 روبية، قبل شراء المواد الخام بمثل هذه الأسعار».
وتعود عملية صناعة الباشمينا إلى شبكة عمل محددة من النساء، المنتشرات عبر كشمير، اللاتي يحولن الباشمينا الخام باستخدام المغزل لصناعة خيوط جيدة من الصوف. وتكون أجود أنواع الباشمينا هي تلك التي عادة ما تغزلها المرأة يدويا لصناعة الشال.
وبعد ذلك، يقوم الحرفيون المهرة بتطريز تلك المنتجات بتصاميم دقيقة للحصول على منتج نهائي يمكن أن يباع بآلاف الدولارات في الغرب.
وقد بدأ مالكو الأنوال، مثل مشتاق أحمد من منطقة ترال الواقعة جنوب كشمير، شراء الصوف من أحد التجار المستوردين للمواد الخام من التبت ومنغوليا.
وأوضح أحمد قائلا «لكن الصوف المستورد لا يمكن أن يضاهي جودة صوف الباشمينا الخاص بولاية لداخ. ويبلغ قطر الصوف من لداخ من 9 إلى 11 ميكرون، في حين يبلغ قطر الصوف المستورد من التبت من 12 إلى 16 ميكرون، فكلما قل القطر، كانت الجودة أعلى».
وبالإضافة إلى ذلك، ينتج هذا الصوف الناعم نحو 42,000 كيلوغرام في كل عام من منتجات الباشمينا العالمية، مثل الدثار والوشاح والصدرية والإزار والمعطف الواقي من المطر، التي تلاقي طلبا شديدا في الغرب.
وفي الوقت الحالي، يعمل في مجال الصناعة المرتبط بالباشمينا في جامو وكشمير نحو 23,000 من النساجين، فضلا عن 2,18,000 عامل مساعد وما يقرب من 85 ألفا من الحرفيين الماهرين.
وتستطيع ماعز الباشمينا البقاء في مستويات أكثر انخفاضا فيما يخص الارتفاع عن مستوى سطح البحر في كشمير، ولا تنتج نفس الجودة من صوف الباشمينا.
ويشير سارفاراز أحمد، أحد الباحثين بجامعة كشمير للزراعة والعلوم، قائلا «في الواقع، يعد صوف الباشمينا الذي تنتجه الماعز في مسكنها الطبيعي بمثابة استجابة بيولوجية للأحوال الجوية شديدة البرودة في المستويات العالية للارتفاع عن مستوى سطح البحر».
وبهدف التعامل مع مسألة تناقص معز الباشمينا، تمكن العلماء بجامعة كشمير للعلوم الزراعية من استنساخ ماعز باشمينا بنجاح في ظل مواصلة الكثير من التجارب لحماية ماعز الباشمينا لأنها تعتبر من المساهمين الأساسين في اقتصاد كشمير.
وخلال السنوات القليلة الماضية، واجه الباشمينا الكشميري بالفعل أوقاتا عصيبة بسبب التأثير السيئ للكثير من المنتجات الرخيصة والمقلدة المصنعة باستخدام الماكينات، التي تأتي من أنحاء متفرقة في الهند، حيث أضرت بمنتجات الباشمينا.
وفي هذا الصدد، يقول رفيق شاه، أحد نساجين الباشمينا، «لا يوجد أي منتج في أي مكان في العالم يضاهي الشال المغزول يدويا والمتماسك الذي يُصنع من الباشمينا، على الرغم من المنتجات المستنسخة من الأصل التي تتدفق باطراد إلى الأسواق بأسعار رخيصة بما يضر برزق النساجين».
وعلاوة على ذلك، يقول مصطفى قادر، البالغ من العمر 70 عاما والذي يعتبر من أفضل نساجين الباشمينا، أن لديه ولدين توقفا بالفعل عن غزل الباشمينا لأن بضائع الباشمينا المقلدة المصنوعة باستخدام الآلات واستخدام الصوف المقبل من الصين ومنغوليا أدت إلى تقليل أجورهما. وأضاف قادر «لقد انخفضت أجورنا اليومية بشكل حاد، مما جعل ابني الاثنين يضطران إلى تغيير عملهما، وفتح محل بقالة». وعلى الرغم من ذلك، ما زال قادر يعمل هو وأحد أبنائه في صنع منتجات الباشمينا المغزولة يدويا.
ويعتبر المشهد قاسيا ومحبطا لحين اتخاذ أي إجراء للحفاظ على ماعز الباشمينا من الانقراض. ويتوقع الخبراء أن آلاف الكشميريين الذين يتاجرون في الباشمينا ربما يتركون هذه المهنة.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».