{جنديات داعش» في الغرب

قلق أوروبي من العائدات من سوريا والعراق

نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
TT

{جنديات داعش» في الغرب

نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)

لا يزال تنظيم داعش يسبب هلعاً بالغاً لعموم القارة الأوروبية لا سيما أن حديث العائدين من العراق وسوريا، عطفاً على المتسللين من ليبيا إلى أرجاء القارة الأوروبية يملأ الأرجاء، وتُعقَد من حوله المنتديات، وإن كانت الحوارات غالباً ما تدور من حول رجال «داعش»، وقليلاً ما يتم الاهتمام بنسائهم اللائي بِتْنَ يمثلن ركناً خطيراً في سياق منظومة التطرف.
وقبل بضعة أيام شهدت العاصمة الإيطالية روما ندوة عن النساء المنخرطات في التطرف والعمليات الإرهابية، وقد أقيمت الندوة في مركز ابن رشد الثقافي في روما.
الحوارات التي دارت في تلك الأمسية قد أحضرت على طاولة البحث مخاوف أوروبية كثيرة، مؤكد أنها تمثل قلقاً أوروبياً وسعياً لإيجاد حلول لإشكالية أمنية خطيرة تجعل من نهار الأوروبيين قلقاً، ومن ليلهم أرقاً.
وتبقى العاصمة الإيطالية روما بنوع خاص في حالة قلق مضاعف من الدواعش رجالاً ونساء بأكثر من أي عاصمة أوروبية، حتى وإن لم تشهد عمليات إرهابية بنفس قوة ما شهدته باريس أو بروكسل بنوع خاص.
ولعل روما تمثل في منهجية «داعش» وضعاً خاصاً، ذلك أنهم ما برحوا يرددون أنها المدينة التي وعد الله عباده المؤمنين بفتحها بعد مدينة القسطنطينية، التي فتحها الأتراك عام 1453، وقد شاهد العالم كثيراً جداً رايات «داعش» مرفوعة على المسلة المصرية في ميدان الفاتيكان، في إشارة لا تخطئها العين لنيات التنظيم القائمة والمقبلة هناك.
وللمتطرفات الأوروبيات في إيطاليا نصيب لا بأس به. وفي مقدمة الأسماء المعروفة، يأتي اسم «فاطمة سيرجيو»، أول وأشهر داعشية إيطالية، وكانت تُسمَّى من قبل ماريا جوليا، وقد حكمت عليها محكمة إيطالية في مدينة ميلانو بالسجن أربعة أعوام، بتهمة السعي إلى المشاركة في عمليات وهجمات إرهابية والتدريب على السلاح والمتفجرات وتجنيد أعضاء من الجنسين عبر وسائل الاتصال الحديثة، والعهدة هنا على الراوي، صحيفة «كورييري ديلاسيرا» الإيطالية.
والشاهد أن «فاطمة» لم يتوقف دورها عند التطوع للقتال مع الدواعش خارج إيطاليا وفي سوريا تحديداً، ولكنها أشركت أسرتها من حولها، وهم زوجها الألباني الدو كوبوزي، ووالدتها التي مولت سفر ابنتها وزوجها وشقيقها الأصغر إلى سوريا، بل أكثر من ذلك فإن فاطمة سيرجيو عينها استطاعت تجنيد المجندة الإيطالية بشرى حايك الإيطالية - الكندية، وكثير من الإيطاليات بفضل اتصالاتها ودعواتها للشابات صغار العمر للالتحاق بـ«داعش» في سوريا لقتال من أطلقت عليهم «الكفار»، ولنصرة «الإسلام»، بحسب تعبيرها.

بلجيكا واعتقال نساء «الدواعش»
تُعدّ بلجيكا خاصرة رخوة في أوروبا، وقد شهد العالم عمليات إرهابية في أراضيها كان «الدواعش» وراءها، ورغم تصريحات القائمين على حكوماتها ببذل كل الجهود لمواجهة خطر الإرهابي المتنامي، فإن مسارب بعينها، و«خلايا نائمة» بذاتها لا تزال تسبب قلقاً وهلعاً للبلجيكيين، ولهذا تحاول السلطات الأمنية والقضائية سد الذرائع التي تسمح للداعشيات بالتسرب إلى الداخل.
في 21 مارس (آذار) الماضي كانت محكمة بلجيكية تعاقب ثلاث سيدات غيابياً بالسجن لمدة خمسه أعوام وغرامة مالية، على خلفية المشاركة في أنشطة جماعة إرهابية، كما أصدرت المحكمة قراراً يقضي بسرعة اعتقالهن في أقرب وقت لتنفيذ العقوبة.
ولعل حيثيات الحكم تبين الكارثة التي يمكن أن تحلّ في بلجيكا في المدى القريب، لا سيما إن سُمِح لمثل هؤلاء الداعشيات بالعودة إلى البلاد.
فعلى سبيل المثال هناك كوثر إحدى الداعشيات الثلاث المدانات، وقد أشارت المحكمة إلى أن لها نشاطاً ملحوظاً في جماعة «داعش»، وعملت على تزويج فتيات بلجيكيات من مقاتلين في صفوف «داعش»، كما أظهرت صراحة التأكيد والدفاع عن عقيدة التنظيم الوحشية، مما يجعلها خطراً على المجتمع.
أما على صعيد الحياة السياسية، فيبدو الأفق مسدوداً أمام أي احتمالات لقبول عودة الداعشيات حتى وإن أبدين الندم، وقبلن حكم المحكمة؛ إذ تحدث عضو البرلمان البلجيكي بيتر ديروفر، من كتلة التحالف الفلمنكي، أكبر الأحزاب في الائتلاف الحكومي الحالي، بالقول: «لن نسعى لإعادة هؤلاء الذين سافروا عن عمد إلى تنظيم داعش، وسبق لهن أن هاجمن الدولة البلجيكية عبر وسائل التواصل الاجتماعي»، وفي إشارة إلى بشري، العضوة الثانية التي أدانتها المحكمة، فقد سبق وكتبت عبر «فيسبوك» عام 2015 ساخرة من السلطات البلجيكية وسياستها لمواجهة التطرف، ثم زواجها لاحقاً من أحد عناصر «داعش»، وإنجاب أطفال لا يزال أملهم في العودة إلى أوروبا شبه معدوم رغم أن أمهاتهم أوروبيات الجنسية.

{داعشيات} بريطانيا خطر داهم
ولا يختلف الحال في بريطانيا كثيراً عن الوضع في روما أو بروكسل، إذ يبدو أن الفراغ الروحي والاجتماعي، الثقافي والإنساني، لكثير من العناصر النسائية في الغرب اليوم، وأوروبا تحديداً قد وجد متنفساً عبر الحملة الإعلانية الكبيرة التي أطلقها تنظيم داعش بهدف إغراء الفتيات والنساء للالتحاق بالتنظيم في سوريا والعراق».
وكانت المرأة إحدى كلمات السر التي يعتمد عليها تنظيم «داعش» لتجنيد الشباب المسلم من بقية أرجاء العالم، وضم عناصر قتالية جديدة.
ولعل النساء الأجنبيات والأوروبيات بنوع خاص كن يمثلن عامل جذب لكثير من الشباب أكثر من الأموال كمحفز على القتال، بل وصل الأمر بهم إلى تقديم النساء كهدايا وجوائز لمن يجتاز المسابقة الرمضانية، وكأنهن سلعة تُباع وتشترى وتهدى.
ورغم أن عدد البريطانيات اللواتي انضممن إلى «داعش» غير واضح، فإنه من المؤكد أن رجال الأمن البريطانيين وأجهزتهم الاستخبارية رصدوا عودة أكثر من عشرة بريطانيات بصحبة أطفالهن كن قد غادرن إلى سورياً، من مجموع ألفي بريطاني تقريباً استطاعوا الوصول إلى معسكرات الدواعش في العراق وسوريا.
ولعل الكارثة الكبرى التي تنتظر بريطانيا تتمثل في الجيل الثاني من الأطفال الذين وُلدوا لآباء وأمهات بريطانيات أثناء انضمامهم إلى التنظيم في بلاد الشام، ما يجعل من مسألة المتابعة والمراقبة لاحقاً مسألة شائكة وموضوعاً معقداً إلى الدرجة التي حدت بوزير الدفاع البريطاني في 7 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لأن يصرح بالقول: «إرهابي ميت لا يمكنه أن يشكل ضرراً على بريطانيا»، ما يعني أنه يفضل القضاء على عناصر «داعش» رجالاً ونساءً عوضاً عن عودتهم للوطن بريطانيا والاستحقاقات الكارثية التي قد تنشأ من تلك العودة المحتملة، بأطفالهم، خصوصاً الذين بلغوا مرحلة الصبا، فتظل فترة الإقامة مع الدواعش تمثل بالنسبة للبريطانيين مخزوناً من الكراهية التي تضحى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة.

ليندا الألمانية... {داعشية إشكالية
في الخامس عشر من يوليو (تموز) من عام 2017، كانت قوات الأمن العراقية تلقي القبض على فتاة ألمانية تدعى «ليندا وينزيل»، والمثير حتى الدهشة أن الفتاة كانت على مستوى ودراية في إطلاق النيران إلى الدرجة التي جعلت منها «قناصاً» لدى «داعش» في الموصل، والمفاجأة أن عمرها لم يكن يتجاوز الـ16 عاماً، وتعيش في بلدة بولسينتز بالقرب من مدينة دريسدن الألمانية الشهيرة.
بدا الأمر محيراً ولا يزال في أوساط السلطات الرسمية، فكيف استطاعت الفتاة صغيرة العمر خداع المصارف الألمانية، وتزوير توقيع والدتها للحصول على الأموال اللازمة لشراء تذكرة سفر إلى إسطنبول في تركيا، قبل أن تواصل طريقها إلى سوريا، وهناك غيرت اسمها وظهرت على «فيسبوك» مرتدية الحجاب.
ولعل الأكثر إثارة أن ليندا هذه كانت تحت أعين مسؤولي الاستخبارات الألمانية ضمن المجموعات المشتبه فيهم بالتخطيط لجرائم خطيرة ضد الدولة، قبل أن تسافر إلى الخارج وتسقط في فخ الدواعش.
أما كيف جرى الإيقاع بها فهذا ما يحيلنا إلى الدور شديد الخطورة الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة إذ يرجح أن تكون قد وقعت فريسة لعنصر داعشي عالي التدريب نفسياً ومعنوياً، استطاع أن يقيم معها علاقة رومانسية عبر الإنترنت.
وتالياً كان من اليسير عليه أن يطلب إليها الانتقال إلى سوريا للانضمام إليه والعيش في جواره.
ويقدم المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات دراسات مستفيضة عما يجري في عموم العواصم الأوروبية. وفي ألمانيا تحديداً يبدو المشهد مثيراً وأكثر خطورة، فقد رصدت مجموعة «الوقاية من الإرهاب» التابعة لوزارة الداخلية، خطابات إلكترونية مكثفة للمتطرفين على الإنترنت إلى المراهقات المسلمات المقيمات في ألمانيا، ويبدو أن هذه المحاولات تنجح الآن أكثر مما في السابق في توريط المراهقات في العمل مع التنظيمات المتطرفة، وتصوِّر هذه الرسائل الانتماء إلى التنظيمات المتطرفة على انه احترام حد «الملوكية» للمرأة، لأنها تقوم على ولادة وتنشئة الجيل المقبل من المقاتلين.
غير أن واقع الحال يكون مغايراً طولاً وعرضاً، شكلاً وموضوعاً حين الوصول إلى أرض الواقع، إذ يضع القائمون على التنظيم نساء الأجنبيات في منازل خاصة، ويحبسهن حتى يوافقن على اختيار أي عضو من التنظيم والزواج به بحجة عدم جواز خروج المرأة بغير محرم، ولاحقاً يُستغللن لإشباع شهوات قيادات التنظيم وأفراده الذين يتبادلون الأدوار بشكل أسبوعي وبعقود من زواج المتعة.
أما الكارثة الأكبر التي تواجه الأوروبيات السيئات الحظ اللواتي ينضممن إلى التنظيم الدموي، فتتمثل في الوقوع في براثن ما يعرف بـ«كتائب الخنساء الإرهابية»، وهن الأداة الأكثر عسفاً وخسفاً للتنظيم في التعامل مع نساء «داعش»، حيث من مهامهن الرسمية معاقبة النسوة اللواتي يخالفن أوامر التنظيم، وأحياناً يتم اتهام بعض الداعشيات لا سيما من الجنسيات الأوروبية بالكفر والردة، ولعل هذا ما يفسر لنا حالة الندم والرغبة في العودة إلى العواصم الأوروبية حتى وإن كان السجن هو المصير الذي ينتظرهن، فقد بكت ليندا كثيراً، وذرفت الدموع الغزيرة أمام عدسات المحطات الألمانية التلفزيونية مبدية الأسف الشديد على فعلتها وقائلة: «أريد العودة لبيتي ولعائلتي، أريد الابتعاد عن الحرب والسلاح والضجيج».
وضمن الحديث المتصل وغير المنفصل عن خطورة الداعشيات بشكل عام والأوروبيات منهن بنوع خاص ما اكتشفته وأعلنت عنه السلطات العراقية أخيراً، حيث تم القبض على عدد وافر منهن، وبينهن جنسيات أجنبية، وفي حوزتهن أطفال من الطائفة الإيزيدية، وقد كشفت التحقيقات أنهن كن يخططن للهرب بهم إلى بلادهن، وهنا فإن الاحتمال الأكبر كان استخدام هؤلاء الأطفال في عمليات إرهابية، وغالباً كان التخطيط لاستعمالهم كقنابل بشرية وسط جموع المدينة المسالمين في العواصم الأوروبية.
ولعل الخوف دب في قلوب أجهزة الأمن والاستخبارات الأوروبية الأسابيع القليلة الماضية بنوع أكثر رعباً بعدما بث تنظيم داعش في الأسبوع الأول من شهر فبراير (شباط) الماضي إصداراً جديداً لما يعرف بـ«ولاية البركة» التابعة له سوريا، حيث تظهر الداعشيات وهن يقدن العمليات الإرهابية للتنظيم للمرة الأولى بشكل علني فيما أطلق عليه «غزو الثأر للعفيفات» ضد عناصر حزب العمل الكردستاني.
ويكاد المتابعون لشأن داعش القطع بأن المجاهدات من الداعشيات بحسب توصيفهن، قد تقدمن الصفوف القتالية للتنظيم أخيراً على جبهات القتال في ثلاث دول سوريا والعراق وليبيا، وقمن بتنفيذ عدد من العمليات الانتحارية، أما السبب وراء ذلك فهو تعويض نقص المقاتلين الذي يعاني منه التنظيم في الوقت الحالي.
ويبقى السؤال الأخير قبل الانصراف وهو السؤال المحير لعموم الأوروبيين... ما الذي يدفع فتيات في عمر الزهور يتمتعن بمناخات الحرية داخل المجتمعات الأوروبية، للالتحاق بجماعات ظلامية سوداء المظهر والمخبر، جماعات لا تتسق بأي حال من الأحوال مع نشأة وتربية وتعليم فتيات أوروبا التي عرفن التنوير منذ أزمنة بعيدة؟
في كتابهما الشيق «جهاد النساء»، يكشف لنا الطبيب النفسي فتحي بنسلاما، والمتخصص في علم الاجتماع فرهاد خوسرو خافار أن النساء يشكلن نحو 10 في المائة من نحو خمسة آلاف من المتطرفين الأوروبيين الذين انضموا إلى «داعش»، وعند المؤلفين أن الدواعش نجحوا في تصدير الفكرة الجهادية الخيالية، أو العالم المثالي الذي تروج له آلتهم الدعائية، حيث ترسم لهن صورة زوجة مقاتل في ثياب أمير جذاب وشجاع وصادق، وأم أشبال يشكلون الجيل الجديد من الجهاديين الجاهزين منذ نعومة أظفارهم.
أما الباحث السياسي رالف غضبان وفي حديث له لموقع «دويتشه فيلله» باللغة العربية فيرى أن ما يدفع هؤلاء الفتيات للالتحاق بـ«داعش» ليس سبباً دينياً، بل هو راجع إلى مرحلة النمو التي يعيشها هؤلاء الشباب والمراهقون، مرحلة الرغبة في تحقيق الذات بشكل غير واقعي من خلال الالتزام بقضايا كبرى. أصوات أخرى ترى أن الداعشيات لا سيما الانتحاريات منهن لسن إلا مرتزقة تقوم الولايات المتحدة باستخدامهن في حروبها بالوكالة.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».