{جنديات داعش» في الغرب

قلق أوروبي من العائدات من سوريا والعراق

نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
TT

{جنديات داعش» في الغرب

نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)

لا يزال تنظيم داعش يسبب هلعاً بالغاً لعموم القارة الأوروبية لا سيما أن حديث العائدين من العراق وسوريا، عطفاً على المتسللين من ليبيا إلى أرجاء القارة الأوروبية يملأ الأرجاء، وتُعقَد من حوله المنتديات، وإن كانت الحوارات غالباً ما تدور من حول رجال «داعش»، وقليلاً ما يتم الاهتمام بنسائهم اللائي بِتْنَ يمثلن ركناً خطيراً في سياق منظومة التطرف.
وقبل بضعة أيام شهدت العاصمة الإيطالية روما ندوة عن النساء المنخرطات في التطرف والعمليات الإرهابية، وقد أقيمت الندوة في مركز ابن رشد الثقافي في روما.
الحوارات التي دارت في تلك الأمسية قد أحضرت على طاولة البحث مخاوف أوروبية كثيرة، مؤكد أنها تمثل قلقاً أوروبياً وسعياً لإيجاد حلول لإشكالية أمنية خطيرة تجعل من نهار الأوروبيين قلقاً، ومن ليلهم أرقاً.
وتبقى العاصمة الإيطالية روما بنوع خاص في حالة قلق مضاعف من الدواعش رجالاً ونساء بأكثر من أي عاصمة أوروبية، حتى وإن لم تشهد عمليات إرهابية بنفس قوة ما شهدته باريس أو بروكسل بنوع خاص.
ولعل روما تمثل في منهجية «داعش» وضعاً خاصاً، ذلك أنهم ما برحوا يرددون أنها المدينة التي وعد الله عباده المؤمنين بفتحها بعد مدينة القسطنطينية، التي فتحها الأتراك عام 1453، وقد شاهد العالم كثيراً جداً رايات «داعش» مرفوعة على المسلة المصرية في ميدان الفاتيكان، في إشارة لا تخطئها العين لنيات التنظيم القائمة والمقبلة هناك.
وللمتطرفات الأوروبيات في إيطاليا نصيب لا بأس به. وفي مقدمة الأسماء المعروفة، يأتي اسم «فاطمة سيرجيو»، أول وأشهر داعشية إيطالية، وكانت تُسمَّى من قبل ماريا جوليا، وقد حكمت عليها محكمة إيطالية في مدينة ميلانو بالسجن أربعة أعوام، بتهمة السعي إلى المشاركة في عمليات وهجمات إرهابية والتدريب على السلاح والمتفجرات وتجنيد أعضاء من الجنسين عبر وسائل الاتصال الحديثة، والعهدة هنا على الراوي، صحيفة «كورييري ديلاسيرا» الإيطالية.
والشاهد أن «فاطمة» لم يتوقف دورها عند التطوع للقتال مع الدواعش خارج إيطاليا وفي سوريا تحديداً، ولكنها أشركت أسرتها من حولها، وهم زوجها الألباني الدو كوبوزي، ووالدتها التي مولت سفر ابنتها وزوجها وشقيقها الأصغر إلى سوريا، بل أكثر من ذلك فإن فاطمة سيرجيو عينها استطاعت تجنيد المجندة الإيطالية بشرى حايك الإيطالية - الكندية، وكثير من الإيطاليات بفضل اتصالاتها ودعواتها للشابات صغار العمر للالتحاق بـ«داعش» في سوريا لقتال من أطلقت عليهم «الكفار»، ولنصرة «الإسلام»، بحسب تعبيرها.

بلجيكا واعتقال نساء «الدواعش»
تُعدّ بلجيكا خاصرة رخوة في أوروبا، وقد شهد العالم عمليات إرهابية في أراضيها كان «الدواعش» وراءها، ورغم تصريحات القائمين على حكوماتها ببذل كل الجهود لمواجهة خطر الإرهابي المتنامي، فإن مسارب بعينها، و«خلايا نائمة» بذاتها لا تزال تسبب قلقاً وهلعاً للبلجيكيين، ولهذا تحاول السلطات الأمنية والقضائية سد الذرائع التي تسمح للداعشيات بالتسرب إلى الداخل.
في 21 مارس (آذار) الماضي كانت محكمة بلجيكية تعاقب ثلاث سيدات غيابياً بالسجن لمدة خمسه أعوام وغرامة مالية، على خلفية المشاركة في أنشطة جماعة إرهابية، كما أصدرت المحكمة قراراً يقضي بسرعة اعتقالهن في أقرب وقت لتنفيذ العقوبة.
ولعل حيثيات الحكم تبين الكارثة التي يمكن أن تحلّ في بلجيكا في المدى القريب، لا سيما إن سُمِح لمثل هؤلاء الداعشيات بالعودة إلى البلاد.
فعلى سبيل المثال هناك كوثر إحدى الداعشيات الثلاث المدانات، وقد أشارت المحكمة إلى أن لها نشاطاً ملحوظاً في جماعة «داعش»، وعملت على تزويج فتيات بلجيكيات من مقاتلين في صفوف «داعش»، كما أظهرت صراحة التأكيد والدفاع عن عقيدة التنظيم الوحشية، مما يجعلها خطراً على المجتمع.
أما على صعيد الحياة السياسية، فيبدو الأفق مسدوداً أمام أي احتمالات لقبول عودة الداعشيات حتى وإن أبدين الندم، وقبلن حكم المحكمة؛ إذ تحدث عضو البرلمان البلجيكي بيتر ديروفر، من كتلة التحالف الفلمنكي، أكبر الأحزاب في الائتلاف الحكومي الحالي، بالقول: «لن نسعى لإعادة هؤلاء الذين سافروا عن عمد إلى تنظيم داعش، وسبق لهن أن هاجمن الدولة البلجيكية عبر وسائل التواصل الاجتماعي»، وفي إشارة إلى بشري، العضوة الثانية التي أدانتها المحكمة، فقد سبق وكتبت عبر «فيسبوك» عام 2015 ساخرة من السلطات البلجيكية وسياستها لمواجهة التطرف، ثم زواجها لاحقاً من أحد عناصر «داعش»، وإنجاب أطفال لا يزال أملهم في العودة إلى أوروبا شبه معدوم رغم أن أمهاتهم أوروبيات الجنسية.

{داعشيات} بريطانيا خطر داهم
ولا يختلف الحال في بريطانيا كثيراً عن الوضع في روما أو بروكسل، إذ يبدو أن الفراغ الروحي والاجتماعي، الثقافي والإنساني، لكثير من العناصر النسائية في الغرب اليوم، وأوروبا تحديداً قد وجد متنفساً عبر الحملة الإعلانية الكبيرة التي أطلقها تنظيم داعش بهدف إغراء الفتيات والنساء للالتحاق بالتنظيم في سوريا والعراق».
وكانت المرأة إحدى كلمات السر التي يعتمد عليها تنظيم «داعش» لتجنيد الشباب المسلم من بقية أرجاء العالم، وضم عناصر قتالية جديدة.
ولعل النساء الأجنبيات والأوروبيات بنوع خاص كن يمثلن عامل جذب لكثير من الشباب أكثر من الأموال كمحفز على القتال، بل وصل الأمر بهم إلى تقديم النساء كهدايا وجوائز لمن يجتاز المسابقة الرمضانية، وكأنهن سلعة تُباع وتشترى وتهدى.
ورغم أن عدد البريطانيات اللواتي انضممن إلى «داعش» غير واضح، فإنه من المؤكد أن رجال الأمن البريطانيين وأجهزتهم الاستخبارية رصدوا عودة أكثر من عشرة بريطانيات بصحبة أطفالهن كن قد غادرن إلى سورياً، من مجموع ألفي بريطاني تقريباً استطاعوا الوصول إلى معسكرات الدواعش في العراق وسوريا.
ولعل الكارثة الكبرى التي تنتظر بريطانيا تتمثل في الجيل الثاني من الأطفال الذين وُلدوا لآباء وأمهات بريطانيات أثناء انضمامهم إلى التنظيم في بلاد الشام، ما يجعل من مسألة المتابعة والمراقبة لاحقاً مسألة شائكة وموضوعاً معقداً إلى الدرجة التي حدت بوزير الدفاع البريطاني في 7 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لأن يصرح بالقول: «إرهابي ميت لا يمكنه أن يشكل ضرراً على بريطانيا»، ما يعني أنه يفضل القضاء على عناصر «داعش» رجالاً ونساءً عوضاً عن عودتهم للوطن بريطانيا والاستحقاقات الكارثية التي قد تنشأ من تلك العودة المحتملة، بأطفالهم، خصوصاً الذين بلغوا مرحلة الصبا، فتظل فترة الإقامة مع الدواعش تمثل بالنسبة للبريطانيين مخزوناً من الكراهية التي تضحى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة.

ليندا الألمانية... {داعشية إشكالية
في الخامس عشر من يوليو (تموز) من عام 2017، كانت قوات الأمن العراقية تلقي القبض على فتاة ألمانية تدعى «ليندا وينزيل»، والمثير حتى الدهشة أن الفتاة كانت على مستوى ودراية في إطلاق النيران إلى الدرجة التي جعلت منها «قناصاً» لدى «داعش» في الموصل، والمفاجأة أن عمرها لم يكن يتجاوز الـ16 عاماً، وتعيش في بلدة بولسينتز بالقرب من مدينة دريسدن الألمانية الشهيرة.
بدا الأمر محيراً ولا يزال في أوساط السلطات الرسمية، فكيف استطاعت الفتاة صغيرة العمر خداع المصارف الألمانية، وتزوير توقيع والدتها للحصول على الأموال اللازمة لشراء تذكرة سفر إلى إسطنبول في تركيا، قبل أن تواصل طريقها إلى سوريا، وهناك غيرت اسمها وظهرت على «فيسبوك» مرتدية الحجاب.
ولعل الأكثر إثارة أن ليندا هذه كانت تحت أعين مسؤولي الاستخبارات الألمانية ضمن المجموعات المشتبه فيهم بالتخطيط لجرائم خطيرة ضد الدولة، قبل أن تسافر إلى الخارج وتسقط في فخ الدواعش.
أما كيف جرى الإيقاع بها فهذا ما يحيلنا إلى الدور شديد الخطورة الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة إذ يرجح أن تكون قد وقعت فريسة لعنصر داعشي عالي التدريب نفسياً ومعنوياً، استطاع أن يقيم معها علاقة رومانسية عبر الإنترنت.
وتالياً كان من اليسير عليه أن يطلب إليها الانتقال إلى سوريا للانضمام إليه والعيش في جواره.
ويقدم المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات دراسات مستفيضة عما يجري في عموم العواصم الأوروبية. وفي ألمانيا تحديداً يبدو المشهد مثيراً وأكثر خطورة، فقد رصدت مجموعة «الوقاية من الإرهاب» التابعة لوزارة الداخلية، خطابات إلكترونية مكثفة للمتطرفين على الإنترنت إلى المراهقات المسلمات المقيمات في ألمانيا، ويبدو أن هذه المحاولات تنجح الآن أكثر مما في السابق في توريط المراهقات في العمل مع التنظيمات المتطرفة، وتصوِّر هذه الرسائل الانتماء إلى التنظيمات المتطرفة على انه احترام حد «الملوكية» للمرأة، لأنها تقوم على ولادة وتنشئة الجيل المقبل من المقاتلين.
غير أن واقع الحال يكون مغايراً طولاً وعرضاً، شكلاً وموضوعاً حين الوصول إلى أرض الواقع، إذ يضع القائمون على التنظيم نساء الأجنبيات في منازل خاصة، ويحبسهن حتى يوافقن على اختيار أي عضو من التنظيم والزواج به بحجة عدم جواز خروج المرأة بغير محرم، ولاحقاً يُستغللن لإشباع شهوات قيادات التنظيم وأفراده الذين يتبادلون الأدوار بشكل أسبوعي وبعقود من زواج المتعة.
أما الكارثة الأكبر التي تواجه الأوروبيات السيئات الحظ اللواتي ينضممن إلى التنظيم الدموي، فتتمثل في الوقوع في براثن ما يعرف بـ«كتائب الخنساء الإرهابية»، وهن الأداة الأكثر عسفاً وخسفاً للتنظيم في التعامل مع نساء «داعش»، حيث من مهامهن الرسمية معاقبة النسوة اللواتي يخالفن أوامر التنظيم، وأحياناً يتم اتهام بعض الداعشيات لا سيما من الجنسيات الأوروبية بالكفر والردة، ولعل هذا ما يفسر لنا حالة الندم والرغبة في العودة إلى العواصم الأوروبية حتى وإن كان السجن هو المصير الذي ينتظرهن، فقد بكت ليندا كثيراً، وذرفت الدموع الغزيرة أمام عدسات المحطات الألمانية التلفزيونية مبدية الأسف الشديد على فعلتها وقائلة: «أريد العودة لبيتي ولعائلتي، أريد الابتعاد عن الحرب والسلاح والضجيج».
وضمن الحديث المتصل وغير المنفصل عن خطورة الداعشيات بشكل عام والأوروبيات منهن بنوع خاص ما اكتشفته وأعلنت عنه السلطات العراقية أخيراً، حيث تم القبض على عدد وافر منهن، وبينهن جنسيات أجنبية، وفي حوزتهن أطفال من الطائفة الإيزيدية، وقد كشفت التحقيقات أنهن كن يخططن للهرب بهم إلى بلادهن، وهنا فإن الاحتمال الأكبر كان استخدام هؤلاء الأطفال في عمليات إرهابية، وغالباً كان التخطيط لاستعمالهم كقنابل بشرية وسط جموع المدينة المسالمين في العواصم الأوروبية.
ولعل الخوف دب في قلوب أجهزة الأمن والاستخبارات الأوروبية الأسابيع القليلة الماضية بنوع أكثر رعباً بعدما بث تنظيم داعش في الأسبوع الأول من شهر فبراير (شباط) الماضي إصداراً جديداً لما يعرف بـ«ولاية البركة» التابعة له سوريا، حيث تظهر الداعشيات وهن يقدن العمليات الإرهابية للتنظيم للمرة الأولى بشكل علني فيما أطلق عليه «غزو الثأر للعفيفات» ضد عناصر حزب العمل الكردستاني.
ويكاد المتابعون لشأن داعش القطع بأن المجاهدات من الداعشيات بحسب توصيفهن، قد تقدمن الصفوف القتالية للتنظيم أخيراً على جبهات القتال في ثلاث دول سوريا والعراق وليبيا، وقمن بتنفيذ عدد من العمليات الانتحارية، أما السبب وراء ذلك فهو تعويض نقص المقاتلين الذي يعاني منه التنظيم في الوقت الحالي.
ويبقى السؤال الأخير قبل الانصراف وهو السؤال المحير لعموم الأوروبيين... ما الذي يدفع فتيات في عمر الزهور يتمتعن بمناخات الحرية داخل المجتمعات الأوروبية، للالتحاق بجماعات ظلامية سوداء المظهر والمخبر، جماعات لا تتسق بأي حال من الأحوال مع نشأة وتربية وتعليم فتيات أوروبا التي عرفن التنوير منذ أزمنة بعيدة؟
في كتابهما الشيق «جهاد النساء»، يكشف لنا الطبيب النفسي فتحي بنسلاما، والمتخصص في علم الاجتماع فرهاد خوسرو خافار أن النساء يشكلن نحو 10 في المائة من نحو خمسة آلاف من المتطرفين الأوروبيين الذين انضموا إلى «داعش»، وعند المؤلفين أن الدواعش نجحوا في تصدير الفكرة الجهادية الخيالية، أو العالم المثالي الذي تروج له آلتهم الدعائية، حيث ترسم لهن صورة زوجة مقاتل في ثياب أمير جذاب وشجاع وصادق، وأم أشبال يشكلون الجيل الجديد من الجهاديين الجاهزين منذ نعومة أظفارهم.
أما الباحث السياسي رالف غضبان وفي حديث له لموقع «دويتشه فيلله» باللغة العربية فيرى أن ما يدفع هؤلاء الفتيات للالتحاق بـ«داعش» ليس سبباً دينياً، بل هو راجع إلى مرحلة النمو التي يعيشها هؤلاء الشباب والمراهقون، مرحلة الرغبة في تحقيق الذات بشكل غير واقعي من خلال الالتزام بقضايا كبرى. أصوات أخرى ترى أن الداعشيات لا سيما الانتحاريات منهن لسن إلا مرتزقة تقوم الولايات المتحدة باستخدامهن في حروبها بالوكالة.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».