{جنديات داعش» في الغرب

قلق أوروبي من العائدات من سوريا والعراق

نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
TT

{جنديات داعش» في الغرب

نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)

لا يزال تنظيم داعش يسبب هلعاً بالغاً لعموم القارة الأوروبية لا سيما أن حديث العائدين من العراق وسوريا، عطفاً على المتسللين من ليبيا إلى أرجاء القارة الأوروبية يملأ الأرجاء، وتُعقَد من حوله المنتديات، وإن كانت الحوارات غالباً ما تدور من حول رجال «داعش»، وقليلاً ما يتم الاهتمام بنسائهم اللائي بِتْنَ يمثلن ركناً خطيراً في سياق منظومة التطرف.
وقبل بضعة أيام شهدت العاصمة الإيطالية روما ندوة عن النساء المنخرطات في التطرف والعمليات الإرهابية، وقد أقيمت الندوة في مركز ابن رشد الثقافي في روما.
الحوارات التي دارت في تلك الأمسية قد أحضرت على طاولة البحث مخاوف أوروبية كثيرة، مؤكد أنها تمثل قلقاً أوروبياً وسعياً لإيجاد حلول لإشكالية أمنية خطيرة تجعل من نهار الأوروبيين قلقاً، ومن ليلهم أرقاً.
وتبقى العاصمة الإيطالية روما بنوع خاص في حالة قلق مضاعف من الدواعش رجالاً ونساء بأكثر من أي عاصمة أوروبية، حتى وإن لم تشهد عمليات إرهابية بنفس قوة ما شهدته باريس أو بروكسل بنوع خاص.
ولعل روما تمثل في منهجية «داعش» وضعاً خاصاً، ذلك أنهم ما برحوا يرددون أنها المدينة التي وعد الله عباده المؤمنين بفتحها بعد مدينة القسطنطينية، التي فتحها الأتراك عام 1453، وقد شاهد العالم كثيراً جداً رايات «داعش» مرفوعة على المسلة المصرية في ميدان الفاتيكان، في إشارة لا تخطئها العين لنيات التنظيم القائمة والمقبلة هناك.
وللمتطرفات الأوروبيات في إيطاليا نصيب لا بأس به. وفي مقدمة الأسماء المعروفة، يأتي اسم «فاطمة سيرجيو»، أول وأشهر داعشية إيطالية، وكانت تُسمَّى من قبل ماريا جوليا، وقد حكمت عليها محكمة إيطالية في مدينة ميلانو بالسجن أربعة أعوام، بتهمة السعي إلى المشاركة في عمليات وهجمات إرهابية والتدريب على السلاح والمتفجرات وتجنيد أعضاء من الجنسين عبر وسائل الاتصال الحديثة، والعهدة هنا على الراوي، صحيفة «كورييري ديلاسيرا» الإيطالية.
والشاهد أن «فاطمة» لم يتوقف دورها عند التطوع للقتال مع الدواعش خارج إيطاليا وفي سوريا تحديداً، ولكنها أشركت أسرتها من حولها، وهم زوجها الألباني الدو كوبوزي، ووالدتها التي مولت سفر ابنتها وزوجها وشقيقها الأصغر إلى سوريا، بل أكثر من ذلك فإن فاطمة سيرجيو عينها استطاعت تجنيد المجندة الإيطالية بشرى حايك الإيطالية - الكندية، وكثير من الإيطاليات بفضل اتصالاتها ودعواتها للشابات صغار العمر للالتحاق بـ«داعش» في سوريا لقتال من أطلقت عليهم «الكفار»، ولنصرة «الإسلام»، بحسب تعبيرها.

بلجيكا واعتقال نساء «الدواعش»
تُعدّ بلجيكا خاصرة رخوة في أوروبا، وقد شهد العالم عمليات إرهابية في أراضيها كان «الدواعش» وراءها، ورغم تصريحات القائمين على حكوماتها ببذل كل الجهود لمواجهة خطر الإرهابي المتنامي، فإن مسارب بعينها، و«خلايا نائمة» بذاتها لا تزال تسبب قلقاً وهلعاً للبلجيكيين، ولهذا تحاول السلطات الأمنية والقضائية سد الذرائع التي تسمح للداعشيات بالتسرب إلى الداخل.
في 21 مارس (آذار) الماضي كانت محكمة بلجيكية تعاقب ثلاث سيدات غيابياً بالسجن لمدة خمسه أعوام وغرامة مالية، على خلفية المشاركة في أنشطة جماعة إرهابية، كما أصدرت المحكمة قراراً يقضي بسرعة اعتقالهن في أقرب وقت لتنفيذ العقوبة.
ولعل حيثيات الحكم تبين الكارثة التي يمكن أن تحلّ في بلجيكا في المدى القريب، لا سيما إن سُمِح لمثل هؤلاء الداعشيات بالعودة إلى البلاد.
فعلى سبيل المثال هناك كوثر إحدى الداعشيات الثلاث المدانات، وقد أشارت المحكمة إلى أن لها نشاطاً ملحوظاً في جماعة «داعش»، وعملت على تزويج فتيات بلجيكيات من مقاتلين في صفوف «داعش»، كما أظهرت صراحة التأكيد والدفاع عن عقيدة التنظيم الوحشية، مما يجعلها خطراً على المجتمع.
أما على صعيد الحياة السياسية، فيبدو الأفق مسدوداً أمام أي احتمالات لقبول عودة الداعشيات حتى وإن أبدين الندم، وقبلن حكم المحكمة؛ إذ تحدث عضو البرلمان البلجيكي بيتر ديروفر، من كتلة التحالف الفلمنكي، أكبر الأحزاب في الائتلاف الحكومي الحالي، بالقول: «لن نسعى لإعادة هؤلاء الذين سافروا عن عمد إلى تنظيم داعش، وسبق لهن أن هاجمن الدولة البلجيكية عبر وسائل التواصل الاجتماعي»، وفي إشارة إلى بشري، العضوة الثانية التي أدانتها المحكمة، فقد سبق وكتبت عبر «فيسبوك» عام 2015 ساخرة من السلطات البلجيكية وسياستها لمواجهة التطرف، ثم زواجها لاحقاً من أحد عناصر «داعش»، وإنجاب أطفال لا يزال أملهم في العودة إلى أوروبا شبه معدوم رغم أن أمهاتهم أوروبيات الجنسية.

{داعشيات} بريطانيا خطر داهم
ولا يختلف الحال في بريطانيا كثيراً عن الوضع في روما أو بروكسل، إذ يبدو أن الفراغ الروحي والاجتماعي، الثقافي والإنساني، لكثير من العناصر النسائية في الغرب اليوم، وأوروبا تحديداً قد وجد متنفساً عبر الحملة الإعلانية الكبيرة التي أطلقها تنظيم داعش بهدف إغراء الفتيات والنساء للالتحاق بالتنظيم في سوريا والعراق».
وكانت المرأة إحدى كلمات السر التي يعتمد عليها تنظيم «داعش» لتجنيد الشباب المسلم من بقية أرجاء العالم، وضم عناصر قتالية جديدة.
ولعل النساء الأجنبيات والأوروبيات بنوع خاص كن يمثلن عامل جذب لكثير من الشباب أكثر من الأموال كمحفز على القتال، بل وصل الأمر بهم إلى تقديم النساء كهدايا وجوائز لمن يجتاز المسابقة الرمضانية، وكأنهن سلعة تُباع وتشترى وتهدى.
ورغم أن عدد البريطانيات اللواتي انضممن إلى «داعش» غير واضح، فإنه من المؤكد أن رجال الأمن البريطانيين وأجهزتهم الاستخبارية رصدوا عودة أكثر من عشرة بريطانيات بصحبة أطفالهن كن قد غادرن إلى سورياً، من مجموع ألفي بريطاني تقريباً استطاعوا الوصول إلى معسكرات الدواعش في العراق وسوريا.
ولعل الكارثة الكبرى التي تنتظر بريطانيا تتمثل في الجيل الثاني من الأطفال الذين وُلدوا لآباء وأمهات بريطانيات أثناء انضمامهم إلى التنظيم في بلاد الشام، ما يجعل من مسألة المتابعة والمراقبة لاحقاً مسألة شائكة وموضوعاً معقداً إلى الدرجة التي حدت بوزير الدفاع البريطاني في 7 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لأن يصرح بالقول: «إرهابي ميت لا يمكنه أن يشكل ضرراً على بريطانيا»، ما يعني أنه يفضل القضاء على عناصر «داعش» رجالاً ونساءً عوضاً عن عودتهم للوطن بريطانيا والاستحقاقات الكارثية التي قد تنشأ من تلك العودة المحتملة، بأطفالهم، خصوصاً الذين بلغوا مرحلة الصبا، فتظل فترة الإقامة مع الدواعش تمثل بالنسبة للبريطانيين مخزوناً من الكراهية التي تضحى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة.

ليندا الألمانية... {داعشية إشكالية
في الخامس عشر من يوليو (تموز) من عام 2017، كانت قوات الأمن العراقية تلقي القبض على فتاة ألمانية تدعى «ليندا وينزيل»، والمثير حتى الدهشة أن الفتاة كانت على مستوى ودراية في إطلاق النيران إلى الدرجة التي جعلت منها «قناصاً» لدى «داعش» في الموصل، والمفاجأة أن عمرها لم يكن يتجاوز الـ16 عاماً، وتعيش في بلدة بولسينتز بالقرب من مدينة دريسدن الألمانية الشهيرة.
بدا الأمر محيراً ولا يزال في أوساط السلطات الرسمية، فكيف استطاعت الفتاة صغيرة العمر خداع المصارف الألمانية، وتزوير توقيع والدتها للحصول على الأموال اللازمة لشراء تذكرة سفر إلى إسطنبول في تركيا، قبل أن تواصل طريقها إلى سوريا، وهناك غيرت اسمها وظهرت على «فيسبوك» مرتدية الحجاب.
ولعل الأكثر إثارة أن ليندا هذه كانت تحت أعين مسؤولي الاستخبارات الألمانية ضمن المجموعات المشتبه فيهم بالتخطيط لجرائم خطيرة ضد الدولة، قبل أن تسافر إلى الخارج وتسقط في فخ الدواعش.
أما كيف جرى الإيقاع بها فهذا ما يحيلنا إلى الدور شديد الخطورة الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة إذ يرجح أن تكون قد وقعت فريسة لعنصر داعشي عالي التدريب نفسياً ومعنوياً، استطاع أن يقيم معها علاقة رومانسية عبر الإنترنت.
وتالياً كان من اليسير عليه أن يطلب إليها الانتقال إلى سوريا للانضمام إليه والعيش في جواره.
ويقدم المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات دراسات مستفيضة عما يجري في عموم العواصم الأوروبية. وفي ألمانيا تحديداً يبدو المشهد مثيراً وأكثر خطورة، فقد رصدت مجموعة «الوقاية من الإرهاب» التابعة لوزارة الداخلية، خطابات إلكترونية مكثفة للمتطرفين على الإنترنت إلى المراهقات المسلمات المقيمات في ألمانيا، ويبدو أن هذه المحاولات تنجح الآن أكثر مما في السابق في توريط المراهقات في العمل مع التنظيمات المتطرفة، وتصوِّر هذه الرسائل الانتماء إلى التنظيمات المتطرفة على انه احترام حد «الملوكية» للمرأة، لأنها تقوم على ولادة وتنشئة الجيل المقبل من المقاتلين.
غير أن واقع الحال يكون مغايراً طولاً وعرضاً، شكلاً وموضوعاً حين الوصول إلى أرض الواقع، إذ يضع القائمون على التنظيم نساء الأجنبيات في منازل خاصة، ويحبسهن حتى يوافقن على اختيار أي عضو من التنظيم والزواج به بحجة عدم جواز خروج المرأة بغير محرم، ولاحقاً يُستغللن لإشباع شهوات قيادات التنظيم وأفراده الذين يتبادلون الأدوار بشكل أسبوعي وبعقود من زواج المتعة.
أما الكارثة الأكبر التي تواجه الأوروبيات السيئات الحظ اللواتي ينضممن إلى التنظيم الدموي، فتتمثل في الوقوع في براثن ما يعرف بـ«كتائب الخنساء الإرهابية»، وهن الأداة الأكثر عسفاً وخسفاً للتنظيم في التعامل مع نساء «داعش»، حيث من مهامهن الرسمية معاقبة النسوة اللواتي يخالفن أوامر التنظيم، وأحياناً يتم اتهام بعض الداعشيات لا سيما من الجنسيات الأوروبية بالكفر والردة، ولعل هذا ما يفسر لنا حالة الندم والرغبة في العودة إلى العواصم الأوروبية حتى وإن كان السجن هو المصير الذي ينتظرهن، فقد بكت ليندا كثيراً، وذرفت الدموع الغزيرة أمام عدسات المحطات الألمانية التلفزيونية مبدية الأسف الشديد على فعلتها وقائلة: «أريد العودة لبيتي ولعائلتي، أريد الابتعاد عن الحرب والسلاح والضجيج».
وضمن الحديث المتصل وغير المنفصل عن خطورة الداعشيات بشكل عام والأوروبيات منهن بنوع خاص ما اكتشفته وأعلنت عنه السلطات العراقية أخيراً، حيث تم القبض على عدد وافر منهن، وبينهن جنسيات أجنبية، وفي حوزتهن أطفال من الطائفة الإيزيدية، وقد كشفت التحقيقات أنهن كن يخططن للهرب بهم إلى بلادهن، وهنا فإن الاحتمال الأكبر كان استخدام هؤلاء الأطفال في عمليات إرهابية، وغالباً كان التخطيط لاستعمالهم كقنابل بشرية وسط جموع المدينة المسالمين في العواصم الأوروبية.
ولعل الخوف دب في قلوب أجهزة الأمن والاستخبارات الأوروبية الأسابيع القليلة الماضية بنوع أكثر رعباً بعدما بث تنظيم داعش في الأسبوع الأول من شهر فبراير (شباط) الماضي إصداراً جديداً لما يعرف بـ«ولاية البركة» التابعة له سوريا، حيث تظهر الداعشيات وهن يقدن العمليات الإرهابية للتنظيم للمرة الأولى بشكل علني فيما أطلق عليه «غزو الثأر للعفيفات» ضد عناصر حزب العمل الكردستاني.
ويكاد المتابعون لشأن داعش القطع بأن المجاهدات من الداعشيات بحسب توصيفهن، قد تقدمن الصفوف القتالية للتنظيم أخيراً على جبهات القتال في ثلاث دول سوريا والعراق وليبيا، وقمن بتنفيذ عدد من العمليات الانتحارية، أما السبب وراء ذلك فهو تعويض نقص المقاتلين الذي يعاني منه التنظيم في الوقت الحالي.
ويبقى السؤال الأخير قبل الانصراف وهو السؤال المحير لعموم الأوروبيين... ما الذي يدفع فتيات في عمر الزهور يتمتعن بمناخات الحرية داخل المجتمعات الأوروبية، للالتحاق بجماعات ظلامية سوداء المظهر والمخبر، جماعات لا تتسق بأي حال من الأحوال مع نشأة وتربية وتعليم فتيات أوروبا التي عرفن التنوير منذ أزمنة بعيدة؟
في كتابهما الشيق «جهاد النساء»، يكشف لنا الطبيب النفسي فتحي بنسلاما، والمتخصص في علم الاجتماع فرهاد خوسرو خافار أن النساء يشكلن نحو 10 في المائة من نحو خمسة آلاف من المتطرفين الأوروبيين الذين انضموا إلى «داعش»، وعند المؤلفين أن الدواعش نجحوا في تصدير الفكرة الجهادية الخيالية، أو العالم المثالي الذي تروج له آلتهم الدعائية، حيث ترسم لهن صورة زوجة مقاتل في ثياب أمير جذاب وشجاع وصادق، وأم أشبال يشكلون الجيل الجديد من الجهاديين الجاهزين منذ نعومة أظفارهم.
أما الباحث السياسي رالف غضبان وفي حديث له لموقع «دويتشه فيلله» باللغة العربية فيرى أن ما يدفع هؤلاء الفتيات للالتحاق بـ«داعش» ليس سبباً دينياً، بل هو راجع إلى مرحلة النمو التي يعيشها هؤلاء الشباب والمراهقون، مرحلة الرغبة في تحقيق الذات بشكل غير واقعي من خلال الالتزام بقضايا كبرى. أصوات أخرى ترى أن الداعشيات لا سيما الانتحاريات منهن لسن إلا مرتزقة تقوم الولايات المتحدة باستخدامهن في حروبها بالوكالة.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».