تنيسي وليمز الذي خلدته شكوكه بنفسه

تنيسي وليمز الذي خلدته شكوكه بنفسه
TT

تنيسي وليمز الذي خلدته شكوكه بنفسه

تنيسي وليمز الذي خلدته شكوكه بنفسه

نكتشف الآن أن كل شعبية تنيسي وليمز والاعتراف به عالمياً لم يمنحاه ذرة من الثقة في نفسه ككاتب، استناداً إلى المجلد الثاني من رسائله غير المنشورة سابقاً، التي تغطي الفترة من 1945 - 1957، والتي ستصدر في الثالث عشر من هذا الشهر، ونشرت مقاطع منها جريدة «الغارديان» البريطانية في عددها ليوم الجمعة الماضي، بالاتفاق مع «نيويورك تايمز». يقول في إحدى رسائله عام 1964 إلى صديقيه، الناشر جيمس لولين، والمحرر روبرت ماكغرغور، وهو في أوج نجاحه وشهرته: «عليّ أن أعترف بأن لدي شكوكاً وخوفاً». ويكرر ذلك في 1972: «أنتما تعرفان كم أنا بحاجة لأشعر بالطمأنينة فيما يخص أعمالي». وكتب في رسائل أخرى: «أنا تعبت من الكتابة، والكتابة تعبت مني... الكتابة تكاد تدمرني... أنا كاتب طوال حياتي ولكن كل ذلك انتهى إلى لا شيء».
وتنيسي وليمز، كما هو معروف، واحد من أهم الكتاب المسرحيين في القرن العشرين. وقد يكون من أكثرهم شعبية، إلى جانب أنطوان تشيخوف، كاتب وليمز المفضل. فقلما يمر موسم مسرحي، لا تقدم فيه مسرحية من مسرحياته، التي تحول بعضها إلى أفلام جماهيرية، عربياً وعالمياً، خصوصاً «قطة على سطح صفيح ساخن» و«عربة اسمها الرغبة»، التي مثله، كما هو معروف، إليزابيث تايلور وبوبول نيومان. وقد نال عليها وليمز جائزة «بولتزر» المرموقة. وقد حقق وليمز هذه الشعبية مبكراً منذ عرض مسرحيته «الوحوش الزجاجية» التي عرضت عام 1944. وترافق مع هذه الشعبية اعتراف واسع به ككاتب مسرحي من طراز نادر، خصوصاً في قدرته على رسم شخصياته، بكل تعقيداتها ودواخلها المتناقضة، بلغة شعرية حتى لقب بـ«شاعر الأرواح الضائعة»، كتشيخوف تماماً.
لا شيء غريباً في رسائل وليمز، فالتقليل من القيمة الذاتية، الذي قد يصل في تطرفه إلى الاحتقار الذاتي، سمة تكاد تكون عامة عند معظم الكتاب العظام في التاريخ الغربي. وهي سمة لا تدخل نطاق علم النفس، وإنما تصدر من قلق عظيم يدفع بهؤلاء الكتاب إلى أمام دائماً. فهناك الشعور المعِّذب أن لا شيء تحقق، مهما صفق الجميع، وهو التوق العصي إلى الكمال في الكتابة، الذي يأكل النفس والجسد.
كان ريلكه يقول: إن على الشاعر أن يعيش في الظل، بعيداً عن الضجيج، وظلت قصائد أميلي ديكنسون، التي أحدثت ضجة كبرى عند نشرها بعد موتها ومهدت لظهور الشعر الحديث، حبيسة الأدراج. لم تكن تؤمن أن ما تكتبه هو الشعر بعينه، ولم يفعل فرانز كافكا شيئاً مختلفاً. كان يرى أن كتاباته، التي ما تزال تبهر العالم، لا تصلح إلا للحرق.
ولم يكن انتحار أرنست همنغواي بعيداً عن ذلك، رغم شهرته الهائلة، وجائزة نوبل. كان يصارع نفسه ليتجاوزها، ليكتب عملاً آخر ينسى معه الناس أنه فقط صاحب «الشمس ما تزال تشرق» و«الشيخ والبحر» و«وداعاً للسلاح». ولم تخلصه من عذابه سوى البندقية، بينما صمت آخرون مثل سالنجر، بعدما عجز أن يتجاوز رائعته الوحيدة «الحارس في حقل الشوفان»، وكذلك فعلت هاربر لي صاحبة «أن تقتل الطائر المحاكي».
المبدعون الحقيقيون قلقون دائماً. القلق بالنسبة لهم هو ماكينة الكتابة. فالكمال ينتظر، وهم لا يريدون شيئاً دونه. ومن هنا هم عظماء، وباقون.
قلة في التاريخ الأدبي الغربي عرفوا تلك الآفة التي أصيب قسم كبير منا بها، الذات المتضخمة التي ترى نفسها أنها بلغت الكمال بعد نجاح عمل أو عملين. الذات التي تزداد انتفاخاً، وترتفع تيهاً كلما رأت الأيادي ترتفع تصفيقاً، من دون أن تكلف نفسها محاولة اكتشاف الصدوق من الكذوب. ومع هذه الآفة المستفحلة التي يراها الجميع، ما عدا المبتلين بها، تتوقف تغذية العقل والروح. فما حاجة الكامل للمعرفة والقراءة والاكتشاف، وقد انطوى فيه الكمال كله؟ وهكذا تظل الكتابة تدور في حلقة وهمية مركزها الوحيد: صاحبها، الذي سينسى بعد حين.



«اشترِ الآن!»... وثائقي «نتفليكس» الجديد يكشف دهاليز مؤامرة التسوق

الصورة المصاحبة لبوستر الفيلم الوثائقي (نتفليكس)
الصورة المصاحبة لبوستر الفيلم الوثائقي (نتفليكس)
TT

«اشترِ الآن!»... وثائقي «نتفليكس» الجديد يكشف دهاليز مؤامرة التسوق

الصورة المصاحبة لبوستر الفيلم الوثائقي (نتفليكس)
الصورة المصاحبة لبوستر الفيلم الوثائقي (نتفليكس)

تُغري عبارة «اشترِ الآن» ملايين المستهلكين من حول العالم، لتبضع الكثير من السلع الاستهلاكية التي غالباً لا يحتاجون إليها، خصوصاً في فترة نهاية العام؛ حيث تنشط العروض الترويجية، وتزداد حملتا «الجمعة البيضاء» و«الجمعة السوداء» وغيرهما، وهي حيل يكشف دهاليزها الفيلم الوثائقي الجديد الذي أصدرته «نتفليكس» قبل أيام، تحت عنوان: «الشراء الآن: مؤامرة التسوق».

يأتي هذا الفيلم من تأليف وإخراج المرشحة لجائزة «إيمي» للأفلام الوثائقية، نيك ستيسي، لتنبيه المستهلك إلى الأكاذيب التي تم بيعها له وصارت تُكلفه الكثير، كما يكشف الستار عن حيل كبرى العلامات التجارية وأساليبها الذكية في اصطياد المستهلك وتحفيز رغبته الدائمة في الشراء، في عمليات تلاعب نفسي وعاطفي تضمن استمرار ضخ مزيد من الأموال لهذه الشركات العالمية.

خبراء الشركات العالمية يكشفون في الوثائقي كيف روّضت العلامات التجارية مستهلكيها (نتفليكس)

تلاعب نفسي

تقول المصممة السابقة في «أمازون»، مارين كوستا، التي ساعدت في تطوير الموقع: «إنك تتعرّض للخداع بنسبة 100 في المائة، وهذا علم مركب ومُتعمد، بهدف إقناعك بشراء المنتجات». وأشارت، خلال مشاركتها في الفيلم، إلى أن المسوقين يستخدمون الاختبارات والبيانات لتحديد كل التفاصيل، بما في ذلك الألوان، التي ستدر أكبر قدر من المال، من خلال تحفيز المستهلك على ضغط «اشترِ الآن»، وخيارات الشحن المجاني وغير ذلك.

بينما يكشف بول بولمان الذي أدار «يونيليفر»، وهي إحدى أبرز الشركات متعددة الجنسيات في العالم، وتُعد من أكبر منتجي السلع المنزلية، مثل مواد التنظيف وغيرها، عن أن شركته تصل لنحو ملياري مستهلك يومياً، مضيفاً: «لا أظن أن المستهلك هو الجاني في هذه الحالة، لأنه يتم تشجيعه على ذلك باستمرار». ويؤكد أنه حين تُرمى هذه المنتجات فإن ذلك لا يعني التخلص منها، فلا يوجد مكان للتخلص منها بشكل نهائي، بل ينتهي بها الأمر في مكان آخر على كوكب الأرض، مما يُنذر بمزيد من العواقب الوخيمة. ويتابع: «بعد 10 أعوام من إدارة (يونيليفر)، شعرت بأنني أستطيع إحداث تأثير أكبر في العالم بترك عالم الشركات».

من ناحيته، بيّن المدير التنفيذي لشركة «فريم وورك» المتخصصة في التقنية نيراف باتيل، الذي انضم إلى شركة «أبل» في عام 2009، أن النجاح الباهر الذي حقّقته «أبل» عبر إصداراتها المتعددة لجهاز «الآيفون» هو أمر أغرى معظم الشركات الإلكترونية الاستهلاكية التي اعتمدت هذا المسلك. وأضاف: «إذا كنت تصنع حواسيب محمولة، أو هواتف ذكية يملكها كل المستهلكين بالفعل، فسيعتمد نموذج عملك على أنهم بحاجة إلى استبدال ما لديهم». وتابع: «هناك قرابة 13 مليون هاتف يتم التخلص منها يومياً، وذلك رغم كونها بالغة التطور وباهظة الثمن».

يقدم الوثائقي صورة تخيلية لأطنان النفايات المتكدسة في المدن جرّاء هوس الشراء (نتفليكس)

هدر بيئي

وخلال اللقطات المتعددة المعروضة في هذا الوثائقي الصادم يمكن للمشاهد أن يرى بنفسه أكواماً من النفايات المتكدسة، كما أن الفيلم يقدّم أرقاماً جديرة بالاهتمام والتمعن، منها أن حجم النفايات البلاستيكية على مستوى العالم تصل إلى نحو 400 مليون طن كل عام، إلى جانب 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنوياً، وفي عام 2022 تجاوز حجم النفايات الكهربائية والإلكترونية حدود 62 مليون طن؛ مما يعني أن الإسراف في الشراء يشكّل أيضاً خطورة بالغة على الكوكب، ويتسبّب في تراكم النفايات على المدى الطويل.

ملصقات كاذبة

في مشاركة لها في الفيلم تقول المهندسة الكيميائية، جان ديل: «بناء على رأيي الذي بنيته من زيارة آلاف المتاجر، ومحاولة إيجاد مصانع تعيد تدوير الأشياء، تبيّن لي أن أغلب ملصقات قابلية إعادة التدوير على العبوات البلاستيكية كاذبة». وتضيف: «عملت في أشهر العلامات التجارية التي تصنع الأحذية والملابس والألعاب، وهذه الشركات تحرص فعلاً على جعل مصانعها تعمل دون إلحاق الضرر بالبيئة، إلا أنه بمجرد أن يصنعوا المنتج ويضعوه على رف المتجر، فإنهم يتبرؤون منه»، مشيرة إلى أن الغالبية العظمى من البلاستيك هي مواد غير قابلة لإعادة التدوير.

ويختتم الفيلم الوثائقي الذي يمتد لنحو 90 دقيقة، فصوله بتوجيه نصيحة إلى المستهلكين أن يكونوا أكثر وعياً، ويتجنبوا الوقوع في فخ إدمان التسوق أو اقتناء منتجات لا يحتاجون إليها، مع تأكيد أن المعلومات الواردة فيه لن تروق لمُلاك الشركات العالمية وتهدد بتضخم ثرواتهم التي تستند إلى هوس الشراء بالدرجة الأولى.