نجوم الأغنية في العالم العربي يحيون أولى حفلاتهم في السعودية

عمرو دياب إلى المملكة في مطلع 2019

عمرو دياب يقيم أول حفل له في السعودية مطلع عام 2019 («الشرق الأوسط»)
عمرو دياب يقيم أول حفل له في السعودية مطلع عام 2019 («الشرق الأوسط»)
TT

نجوم الأغنية في العالم العربي يحيون أولى حفلاتهم في السعودية

عمرو دياب يقيم أول حفل له في السعودية مطلع عام 2019 («الشرق الأوسط»)
عمرو دياب يقيم أول حفل له في السعودية مطلع عام 2019 («الشرق الأوسط»)

شهد يوم 30 مارس (آذار) المنقضي، انطلاق أولى الحفلات الغنائية الجماهيرية للرجال والنساء في السعودية، بدعم ورعاية الهيئة العامة للترفيه، الذي دشن مسرح جمان في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية أولى حفلاتها التي أحياها «نجم الجيل» الفنان تامر حسني، لتتوالى من بعدها سلسلة من الحفلات الغنائية لأشهر نجوم الغناء في الوطن العربي.
وفي هذا الحفل الذي أشعل فيه الفنان تامر حسني حماس جمهوره الذي كان مترقباً للقائه، قدم باقة كبيرة من أغانيه تقاسم ترديد كلماتها مع جمهوره، مشيداً بحفاوة الاستقبال ودقة التنظيم والاستعدادات، قائلا: «من شدة حفاوة الاستقبال أشعر أن من قام بدعوتي لإحياء هذا الحفل هم أهلي، هذا الحفل من أجمل وأقوى الحفلات الغنائية التي أحييتها منذ بدء مسيرتي الغنائية».
واستقبلت شركة «360 لايف» لتنظيم الحفلات، طلبات الراغبين لحضور الحفل الغنائي الجماهيري الذي سيحيه الفنان محمد حماقي يوم الخميس المقبل، وحفل الفنانيّن وائل جسار وصابر الرباعي، الذي سيقام في اليوم التالي الموافق 6 أبريل (نيسان) الجاري ضمن حفلات ربيع جدة.
وتهدف الهيئة العامة للترفيه من دعمها ورعايتها لهذه الحفلات الغنائية الجماهيرية إلى تنوع المحتوى المقدم وإحداث تنوع جغرافي على خريطة الفعاليات في السعودية، كما تهدف الشركة المنظمة «360 لايف»، إلى التواصل مع أشهر المطربين في الوطن العربي ليقدموا فنهم لجمهور السعودية على مسرح غنائي بأهم وأحدث الوسائل السمعية والبصرية، صمم بجهود وكفاءات سعودية بشكل يضاهي المسارح الغنائية العالمية.
الحفل الذي أحياه الفنان تامر حسني شهد حضوراً جماهيرياً كثيفاً لم يستغربه رئيس مجلس إدارة الشركة المنظمة زكي حسنين، كون تذاكر الحفل نفدت بعد طرحها بساعات قليلة في اليوم نفسه، وهو ما جعل استعدادات الحفل تكون على أعلى مستوى لاستقبال الجمهور الذي فاق عدده الـ8 آلاف من الرجال والنساء في أول حفل غنائي يقام في السعودية، بطريقة سلسة ومنظمة تتماشى مع خصوصية المجتمع السعودي، ووفق الضوابط الشرعية.
وعلمت «الشرق الأوسط»، أن مطلع عام 2019، سيشهد إحياء أول حفل جماهيري لـ«الهضبة» كما يطلق عليه الفنان المصري العالمي عمرو دياب في السعودية، حيث تأخير موعد إقامة الحفلة عائد للفنان نفسه، لا سيما أن هناك جمهورا كبيرا للفنان في السعودية والخليج.
وأكد زكي حسنين أن اختيار الفنانين المصريين لبدء الحفلات الغنائية الموجهة للجمهور من الجنسين جاء لتصدر جمهورية مصر العربية قائمة الفن الغنائي الأصيل وريادتها في ذلك، مما جعل الفنانين المصريين ضمن أقوى نجوم الغناء العربي الذين وصلوا للعالمية، واكتسبوا شهرة دولية.
وأكد أن تجهيزات الحفلات الغنائية للفنانين العرب الذين سيحيون حفلاتهم في السعودية، كانت لها استعدادات وفق رؤية خاصة، حرص فيها على تجهيز مقاعد منفصلة بين الرجال والنساء، تشكلت ألوانها حسب ألوان علم البلد الذي يحمل جنسيته الفنان، فمقاعد حفل الفنان تامر حسني كانت تحمل نفس ألوان العلم المصري الأبيض والأحمر والأسود، كذلك ستكون ألوان مقاعد حفل الفنان محمد حماقي، بينما ستكون ألوان مقاعد الفنانين صابر الرباعي ووائل جسار باللون الأحمر والأبيض تماشيا مع ألوان العلم اللبناني والتونسي.
وأشاد حسنين بنجاح الحفل الغنائي الذي أقيم أول من أمس، مرجعا هذا النجاح لرقي الجمهور والتزامه، وتفاعله مع الفنان تامر حسني الذي قال له إنه غير مستوعب ما حدث في الحفل ولم يكن يتخيل احتفاء الجمهور به بهذه الطريقة وتفاعله معه وحفظه لجميع أغانيه، مشيرا إلى أن هذا التفاعل الحماسي جعل تامر حسني يقدم مجموعة إضافية من أغانيه ليزيد الوقت المخصص للحفلة من ساعتين إلى ثلاث ساعات.
ووصف دعم الهيئة العامة للترفيه لإنجاح الفعاليات والحفلات في السعودية بـ«السخي»، الذي يسعى بكل الطرق لتحقيق رؤية المملكة 2030، وفق خطط مدروسة وبخطى ثابتة لصناعة الترفيه في السعودية.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)