المواهب السعودية تبرز إرثها الثقافي العريق في نيويورك

معارض فنية متنوعة شهدتها فعالية «الأيام الثقافية السعودية» على مدى 3 أيام

مشاركة لأفراد من الجمهور في تلوين أشكال النقش العسيري
مشاركة لأفراد من الجمهور في تلوين أشكال النقش العسيري
TT

المواهب السعودية تبرز إرثها الثقافي العريق في نيويورك

مشاركة لأفراد من الجمهور في تلوين أشكال النقش العسيري
مشاركة لأفراد من الجمهور في تلوين أشكال النقش العسيري

اختتمت الهيئة العامة للثقافة السعودية، أمس (الجمعة)، فعالية «الأيام الثقافية السعودية» التي أقامتها على مدى 3 أيام في مركز ألوتشي للمعارض الفنية، بمنهاتن بنيويورك في الولايات المتحدة الأميركية.
وتهدف الفعالية إلى توفير منصة تفاعلية للمواهب الإبداعية من السعودية لتقديم أعمالهم للجمهور العالمي، ويتم تنظيمها تحت عنوان «كُلِي»، حيث تسلط الضوء على الجوانب المتعددة للثقافة السعودية. وتُقدّم نظرة كلية لفنونها التي تبرز إرثها العريق وحضورها المتزايد في المشهد الثقافي العالمي، ودورها في بناء الجسور مع الثقافات الأخرى في ظل «رؤية 2030».
وقال المهندس أحمد المزيد، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للثقافة: «إن النشاط الثقافي الذي تقوم به الهيئة والمتمثل في استضافة الأيام الثقافية السعودية ليواكب زيارة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، للولايات المتحدة الأميركية، يستلهم من منطلقات (رؤية المملكة 2030) التي تنص على أن ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت هي شعبنا الطموح، ومعظمه من فئة الشباب، وهو فخر بلادنا وضمانُ مستقبلها».
وأضاف المزيد: «من هذا المنطلق، نعمل على إبراز الهوية الثقافية السعودية من خلال مشاريع وفعاليات متنوعة، ونشر القيم التي تعكس الانتماء الوطني. كما نسلط الضوء على مكانة المملكة وتقدمها الحضاري في مختلف المجالات، وإسهامها في تطوير حركة الفكر والإبداع والثقافة والفنون والتأسيس لبيئة محفزة لها عبر قطاعات خمسة رئيسية هي قطاعات الآداب، والفنون، والموسيقى، وفنون الأداء، والسينما».
ويتضمن برنامج الفعالية معارض فنية متنوعة تواصلت خلال فترة انعقادها، أبرزها معرض الفن السعودي الحديث والمعاصر، من تنسيق آية علي رضا ورنيم فارسي. ويقدم المعرض مجموعة منتقاة بعناية من أعمال الفن السعودي، بدءاً من الفن الحديث وصولاً إلى الفن المعاصر، ومن التقليدي حتى الطليعي. ويتيح للزوار والمهتمين خوض تجربة تفاعلية فريدة بعيون فنانين سعوديين.
بينما يسلط معرض فن القط العسيري الضوء على الفن التقليدي الذي تمارسه النساء لزخرفة الجدران الداخلية للمنازل، وقد أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) هذا الفنّ على قائمتها للتراث الثقافي غير المادي للبشرية عام 2017.
في حين يكرس معرض القهوة العربية مظاهر الضيافة «وهي من العادات والتقاليد الأصيلة في المملكة العربية السعودية، ولها طقوس إعداد خاصة متعارف عليها بين معظم القبائل، خصوصاً بين أبناء البادية». وفي عام 2015 تم إدراج القهوة العربية (رمزاً للكرم) ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى «اليونيسكو» بالمشاركة مع الدول الخليجية.
وبالإضافة إلى المعارض الفنية الدائمة، تشهد الأيام الثقافية السعودية عروضاً للموسيقى طوال فترة انعقادها تقدمها فرقة «ميزان» الموسيقية، وفقرات يقدمها موسيقيون سعوديون في أميركا. كما تشمل أيضاً عروضاً للواقع الافتراضي لتعريف الزوار بالمواقع التراثية والثقافية المتعددة في مختلف أرجاء المملكة.
كما تتواصل عروض الأفلام التي تتضمنها الفعالية كي تسلط الضوء على المواهب المحلية في هذا المجال. وتتضمن أجندة الفعالية تقديم عروض أفلام متنوعة تليها جلسات نقاشية بحضور طواقم العمل، وتتعاون الهيئة مع مكتبة الملك عبد العزيز العامة ضمن أجندة فعاليات الأيام الثقافية السعودية في نيويورك لتقديم معرض التصوير الفوتوغرافي «الجزيرة العربية» الذي يرصد ملامح السعودية قبل مرحلة التحديث، وهي صور من المجموعة الخاصة لمكتبة الملك عبد العزيز العامة، وتحديداً من الكتابين اللذين كان قد وضعهما المصور البرازيلي العالمي همبرتو داسيلفيرا عن منطقة نجد وعن البدو.
كما يشمل التعاون مع مكتبة الملك عبد العزيز العامة إقامة صالة للقراءة ضمن الفعالية، توفر مجموعة من الكتب الثقافية عن المملكة، بهدف توسيع اطلاع الحضور والزوار على المملكة العربية السعودية. وتتراوح موضوعات الكتب ما بين الفنون والثقافة والأدب والتاريخ والسياحة والتراث.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».