إجراءات التصدير المعقدة والنفقات تحبط مربي الخيول في مصر

إجراءات التصدير المعقدة والنفقات تحبط مربي الخيول في مصر
TT

إجراءات التصدير المعقدة والنفقات تحبط مربي الخيول في مصر

إجراءات التصدير المعقدة والنفقات تحبط مربي الخيول في مصر

احتاج مربي الخيول المصرية محمد عبد الله الخولي 4 سنوات لإثبات انتماء مهر تمت ولادته في مزرعته لإحدى عائلات الخيول العربية الأصيلة، وهو الإجراء الذي من دونه لا يفتح للخيل أبواب التصدير، ويصبح بلا قيمة.
ويحتاج تصدير أي خيل إلى ما يعرف بـ«شهادة النسب» التي تحدد شجرة عائلة الخيل من الأب والأم وصولا إلى الرسن، أي الجد الأكبر الذي تنحدر منه العائلة، حيث يوجد خمسة أرسان للخيل العربي، هي الصقلاوية، والشويمة، وأم عرقوب، والعبية، والكحيلة.
ويقول عبد الله الخولي لـ«الشرق الأوسط»: «لإثبات الانتماء لهذه العائلات يتعين على المربي أن يحمل ما يعرف بـ(إخطار الطالوقة)، ويذهب به إلى محطة الزهراء التابعة لوزارة الزراعة المصرية، ويتضمن معلومات عن الحصان الذي تم إطلاقه على الفرسة وكان من نتيجته ذلك المولود الجديد، وهو ما يشبه إخطار الولادة الذي يذهب به الأب لتسجيل المولود الجديد».
ويتعين على محطة الزهراء وفق هذا الإخطار إرسال طبيب بيطري إلى مزرعة المربي لأخذ عينة من شعر المولود وكذلك الأب والأم، ثم تقوم الهيئة بإرسال هذه العينات لمعمل تحليل تابع لمعهد بحوث صحة الحيوان، لإجراء تحليل الـDNA، لإثبات نسب المولود لهما، وفي حال إثبات أن النسب صحيح، تخاطب الهيئة منظمة الحصان العربي الأصيل (WAHO) لتسجيل المولود بوصفه حصانا عربيا أصيلا.
ووفق ما هو معتاد كانت هذه الخطوات لا تستغرق سوى 3 أشهر فقط، لكن عبد الله يشتكي من أن حضور الطبيب إلى مزرعته استغرق 7 أشهر، وحصوله على شهادة النسب استغرق 41 شهرا آخر، ليصل إجمالي الفترة التي انتظرها للحصول على الشهادة 4 سنوات.
ويضيف: «لولا أن تربية الخيول بالنسبة لي هواية محببة في الأساس، لما تمكنت من الاستمرار في هذا العمل الذي يتطلب نفقات هائلة تتمثل في أعلاف وإشراف طبي وتطعيمات ضد الأمراض، وفي النهاية لا أتمكن من تعويض تلك النفقات بتصدير الخيل».
وإذا كان عبد الله احتاج 4 سنوات لإثبات نسب خيله، فإن مربية الخيل، أماني كامل واجهت مشكلة من نوع آخر، وهي أن العينات التي يتم جمعها لإجراء تحليل الـDNA، حدث لها اختلاط مع عينات تم جمعها من مزرعة أخرى، فتأخرت في إثبات نسب الوليد الجديد. وتقول أماني لـ«الشرق الأوسط»: «هذه مشكلة متكررة مع أكثر من مرب، وتؤخر من إجراءات التنسيب، حيث يجب عند حدوثها إعادة الإجراءات مره أخرى، لإثبات نسب الخيل».
وتحلّت أماني بالصبر، واستطاعت في النهاية إثبات نسب الوليد الجديد في مزرعتها، لكنها تحكي عن قصة مرب لم يتحل بالصبر عند حدوث اختلاط لعيناته، فقام ببيع الوليد الجديد بثمن بخس، ليتم استخدامه في منطقة نزلة السمان لجر العربات التي تحمل زوار منطقة الأهرامات.
وتضيف: «المفاجأة أن الحصان لم يتحمل الإهانة في تلك المنطقة، ولقي حتفه سريعا، وهو ما أكد لنا عمليا أن جينات الحصان العربي غير أي حصان آخر».
ويخشى مربي الخيل أحمد حجازي، أن يصبح مصير كثير من الخيول المصرية مثل الحصان الذي لقي حتفه في منطقة نزلة السمان، بسبب ما يعرف بـ«التلقيح الصناعي للخيول».
ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نلوم على الحكومة في بطء إجراءات التنسيب، فلا بد أن نساعدها في تحجيم عمليات التلقيح الصناعي، التي ستؤدي لزيادة المعروض في السوق، بما يؤثر على سعر الحصان العربي ويصبح بلا قيمة، ويباع لأصحاب عربات الكارو وغيرهم».
ويلجأ مربون إلى عمليات التلقيح الصناعي لزيادة إنتاج الفرسة من المهور، حيث إنها لا تلد إلا مرة واحدة في السنة، ولكن من خلال التلقيح الصناعي يتم أخذ بويضة ملقحة منها ووضعها مع السائل المنوي لحصان عربي في رحم أي فرسة بلدي غير منسبة، للحصول على مولود منسب، يحمل صفات الأب والأم المنسبين.
وأدت هذه العملية إلى زيادة المعروض في السوق، ويرى حجازي أن استمرارها بالمعدلات الموجودة نفسها حاليا سيدمر سمعة الحصان المصري.
ووعد دكتور صفوت حداد، نائب وزير الزراعة المصري لشؤون الخدمات والمتابعة، بحل هذه المشكلات خلال ثلاثة أشهر على الأكثر من خلال وضع منظومة تضمن عدم اختلاط العينات وسرعة إصدار نتائج التحاليل.
وقال حداد لـ«الشرق الأوسط» على هامش مشاركته في ندوة نظمها معهد بحوث الصحة الأربعاء الماضي حول تطوير إنتاج الخيول، وشارك فيها عدد كبير من المربين: «أصدرت توجيهات بوضع عينات كل مزرعة في ظرف مغلق ويتم وضع الشمع الأحمر عليه، لضمان عدم فتحه، إلا في حضور صاحب المزرعة نفسه».
ووعد حداد بتوفير كل مستلزمات إجراء التحاليل لمعمل التنسيب بمعهد بحوث صحة الحيوان، لتفادي مشكلة تأخر إصدار نتائج التحليل، قائلا: «أعطونا فرصة 3 أشهر وستحل كل هذه المشكلات».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».