فيلم «ولاد النواب» يعود إلى الصالات اللبنانية

بعد أن ألغي عرضه لأسباب خارجة عن إرادة صانعيه

عصام مرعب أحد أبطال الفيلم الذي بدأ عرضه أمس
عصام مرعب أحد أبطال الفيلم الذي بدأ عرضه أمس
TT

فيلم «ولاد النواب» يعود إلى الصالات اللبنانية

عصام مرعب أحد أبطال الفيلم الذي بدأ عرضه أمس
عصام مرعب أحد أبطال الفيلم الذي بدأ عرضه أمس

نحو ألف شخص تمركزوا على مقاعدهم في 5 صالات من سينما «لو مول» في منطقة ضبية (شمال بيروت) ليشاركوا في حفل افتتاح فيلم «ولاد النواب». إلا أن مفاجأة كانت في انتظارهم عندما طلب منهم مغادرة الصالات بسبب عدم إمكانية عرضه. الخبر أثار بلبلة بين المدعوين لا سيما وأن الأسباب الحقيقية لإيقاف عرض الفيلم لم توضح لهم تماما. فأحد المشاركين في تنظيم هذا الحفل جال بين الصالات معلنا الخبر ومعللا السبب بمشكلات تقنية. فيما تردد في الكواليس بأن ضغوطات سياسية أدت إلى منع عرض الفيلم، كونه يتعرض لحياة طبقة سياسية معينة من غير المحبذ التطرق إليها حاليا في فترة التحضير لإجراء انتخابات نيابية.
وفي اتصال لـ«الشرق الأوسط» مع أحد أبطال الفيلم عصام مرعب، أكد بأن كل ما يشاع عن أسباب سياسية منعت الفيلم من عرضه هو أمر غير صحيح وقال: «اللبنانيون يحبون فرضية المؤامرات ويستمتعون في فبركتها على طريقتهم. ولكن كل ما في الأمر هو أن مشكلة تقنية تعرض لها الفيلم أدت إلى إلغاء حفل العرض الأول له الذي كان مخصصا لأهل الإعلام والفن».
أما ميشال غانم الذي يمثل الجهة المنتجة للفيلم فقد أصر على عدم الإفصاح عن الأسباب التي أدت إلى إلغاء حفل العرض الأول، مشيرا إلى أن الفيلم بدأ عرضه منذ الرابعة من بعد ظهر أمس في الصالات اللبنانية على أن يتم تحديد موعد آخر في الأسبوع المقبل لإجراء حفل افتتاحي خاص بأهل الصحافة والإعلام.
ويشير غانم خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن بيانا توضيحيا سيصدر خلال الـ24 ساعة المقبلة عن القيمين على الفيلم يذكر الأسباب التي أدت إلى هذه الحادثة. ويضيف: «هي لا شك أسباب خارجة عن إرادتنا لم نكن نتمنى أن تحدث معنا في وجود حضور ضخم تجاوز عدده الألف شخص. وما يمكنني قوله بأن الفيلم شق طريقه إلى صالات السينما اللبنانية وباتت مشاهدته متاحة أمام الجميع». وعما إذا هناك بالفعل ضغوطات سياسية أدت إلى إيقاف عرضه في ليلة الافتتاح (مساء الأربعاء 28 الحالي) يجيب: «قد لا يصدق اللبنانيون الأسباب الحقيقية التي أدت إلى إلغاء الحفل لأنهم يتوقعون دائما أسبابا مغايرة لا تمت للحقيقة بصلة. وبذلك سيكون للجهة المنتجة التي أمثلها ولكاتبة الفيلم داليا حداد ولمحام يمثلنا قانونيا بيان يوضح ما جرى». وبحسب ما علمته «الشرق الأوسط» من مخرج الفيلم فوزي بشارة فإن التقنية المستخدمة في تصوير الفيلم ارتكزت على نوعية كاميرا جديدة (RED K5) لم يسبق أن استعملت في أفلام لبنانية، ونتيجتها ستكون واضحة على صورة الفيلم الرائعة وسيلمسها مشاهده دون شك. ويضيف: «نحن الوحيدون الذين استخدموا هذه التقنية حاليا في لبنان وقد تكر السبحة بعدنا في هذا الخصوص». وبذلك قد يكون السبب الرئيسي لعدم عرض الفيلم في ليلة الافتتاح يعود إلى مشكلات تقنية بحتة.
ويحكي فيلم «ولاد النواب» قصة رومانسية تدور بين فتاة وشاب أولاد نائبين في البرلمان اللبناني، ولكن الاختلاف السياسي بين العائلتين يقف عائقاً في وجه العلاقة العاطفية التي تربط بينهما. ويتمرّد لاحقا الولدان على الأهل ويبدأ هنا الصراع الذي تتخلله بعض المواقف المؤثّرة. كما يتخلله الكثير من التشويق والإثارة والرسائل السياسية إضافة إلى مواقف كوميدية. «نقدم فيلما بعيدا كل البعد عن الأفلام السينمائية اللبنانية المندرجة قصتها تحت عنوان «كليشيه»، يقول منتج الفيلم ميشال غانم في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «إن قيمة السيارات الفارهة التي استعملناها فيه توازي وحدها ميزانية تبلغ نحو المليون دولار، لأنها تمثل عنصر إكسسوار أساسيا في مجريات القصة، التي تعرض لمجتمعنا اللبناني مع فوارقه الاجتماعية المعروفة ما بين طبقة غنية وأخرى فقيرة». وبحسب غانم فإن الفيلم يلامس الشباب اللبناني عن كثب ويمثل نموذجا عنهم. كما أنه يحمل رسالة واضحة في نهايته تضع الفيلم في خانة العمل السينمائي الهادف.
ويشارك في الفيلم باقة من الممثلين اللبنانيين كأسعد رشدان وأرزة الشدياق وعصام مرعب، إضافة إلى وجوه شابة صاعدة. وهو من كتابة داليا حداد وإخراج فوزي بشارة وإنتاج ميلاد هاشم وميشال غانم. وهو يعد مشروعا نفّذ خصيصا لعرضه في هذه الفترة (قبيل إجراء الانتخابات النيابية)، ويتناول جوانب من حياة عائلات السياسيين بشكل ساخر، كما يشكل دعوة صريحة للشباب بألا يحملوا عبء السياسة وأن يعيشوا على حريتهم. وهو عمل واقعي ينقل صورة بعض العائلات التي تعيش صراعات المراكز السياسية في لبنان.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».