غارينشيا.. من بهجة شعب إلى صفحات التاريخ المنسية

لاعب الكرة البرازيلي تحدى الإعاقة ليصبح أبرع مراوغ عرفته الملاعب.. حتى الآن

نصب يعلوه تمثال غارينشيا في باو غراندي مسقط رأسه (أ.ف.ب)
نصب يعلوه تمثال غارينشيا في باو غراندي مسقط رأسه (أ.ف.ب)
TT

غارينشيا.. من بهجة شعب إلى صفحات التاريخ المنسية

نصب يعلوه تمثال غارينشيا في باو غراندي مسقط رأسه (أ.ف.ب)
نصب يعلوه تمثال غارينشيا في باو غراندي مسقط رأسه (أ.ف.ب)

«على أي كوكب ولد غارينشيا؟ على كوكب صغير اسمه باو غراندي}، هذا ما كتب على لوحة صغيرة إلى جانب الملعب الذي بدأ فيه الأسطورة البرازيلي المنسي غارينشيا مسيرته الكروية.
يقع الحي التابع لبلدية ماغيه بين ريو دي جانيرو ومعسكر المنتخب البرازيلي لمونديال 2014 في تيريسوبوليس.
بعد الخروج من الأوتوستراد السريع، يتجه بك الطريق عبر مدينة صعودا نحو غابات مورقة وصولا إلى باو غراندي.
إنه مجتمع متواضع وسيلاحظ المرء فقر المنطقة خصوصا إذا كان مقبلا من تيريسوبوليس «الغنية}، لكن هنا ولد غارينشيا وهنا دفن.
كان غارينشيا، واسمه الكامل مانويل فرانشيسكو دوس سانتوس، الزميل المخضرم لبيليه الشاب في منتخب البرازيل الذي توج باللقب العالمي الأول عام 1958 في السويد. وفي ظل إصابة بيلية، كان غارينشيا النجم المطلق في تشكيلة 1962 التي أبقت اللقب برازيليا.
وعلى الرغم من التشوهات الخلقية التي ولد بها التي تعيق الإنسان حتى عن المشي، تحدى غارينشيا الإعاقة بمراوغة جعلت منه أشهر جناح أيمن في تاريخ كرة القدم، وأبرع مراوغ عرفته الميادين الخضراء حتى الآن، وقيل عنه «إنه بالنسبة لكرة القدم، مثل بيكاسو للفن».
كان غارينشيا مع التشكيلة التي خاضت نهائيات 1966 أيضا، وهو أسطورة في نادي بوتافوغو والملعب الوطني الذي تواجه فيه البرازيل مع الكاميرون بعد غد الاثنين في الجولة الثالثة الأخيرة لمنافسات المجموعة الأولى من مونديال 2014، يحمل اسمه وليس اسم بيليه.
بسبب التشوه الخلقي المتمثل باعوجاج في الركبتين نحو الخارج واعوجاج أيضا في العمود الفقري وحتى الحوض كان مائلا بوضوح نحو الشمال. أطلق على غارينشيا لقب «الملاك صاحب الساقين الملتويتين».
لكن على شاهد ضريحه الذي يصعب على المرء رؤيته إلا إذا كان يعرف بوجوده هناك في مقبرة {رايز دا سيرا}، على جانب الطريق المقبل من باو غراندي، هناك جملة «بهجة شعب».
وبينما كان بيليه في قمة عطائه خلال أعوام السبعينات، فارق غارينشيا الحياة عام 1983 عن 49 عاما بعد إدمانه على الكحول ومعاناته المادية.
«في البرازيل، الشخصيات المهمة في السابق سرعان ما يصبحون طي النسيان». هذا ما قالته لوكالة الصحافة الفرنسية حفيدة غارينشيا، ألكسندرا دوس سانتوس البالغة من العمر 41 عاما.
وأضافت «بيليه هو الملك لكن ليس من الضروري أن يكون هناك واحد فقط. بالإمكان أن يكون هناك اثنان. الأموال لم تكن تعني لجدي كثيرا. كان رجل الشعب».
المنزل الذي عاش فيه غارينشيا كفتى يقف هناك متمايزا عن محيطه. جدرانه مطلية باللون الأصفر وفي داخله حانة صغيرة اسمها «غارينشينيا} تيمنا باللاعب الأسطورة.
ألكسندرا تعيش هناك، على مقربة من الملعب الذي لعب فيه غارينشيا والمعمل الذي عمل فيه. على باو غراندي أن تكون فخورة إلى الابد بابنها الأسطوري، لكن ألكسندرا تخالفنا الرأي.
غارينشيا ترك خلفه 14 ولدا من علاقات مختلفة ودون أي سند مادي، ما يجعل المرء يتفهم عدم اهتمام أبناء البلدة بأي حدث أو شيء يقام بهدف تكريمه، والحانة المقامة داخل منزله ليست تكريما له من قبل من عاش حوله، بل تقدمة من برنامج تلفزيوني واقعي.
«حصل غارينشيا على المنزل عام 1958 كهدية من المعمل المحلي كجائزة له نتيجة إحرازه كأس العالم لكنهم (أصحاب المعمل) عادوا لاحقا للمطالبة به قبل أن نتوصل في النهاية إلى اتفاق»، هذا ما شرحته ألكسندرا، مضيفة «والبرنامج التلفزيوني دفع ثمن الحانة وما فيها، لكن ذلك ليس كافيا. أنا أكافح من أجل تدبر أموري».
وألكسندرا مستعدة حتى للتخلي عن الحانة لكنها تطالب بمبلغ 650 ألف ريال (292 ألف دولار) كثمن لها!.
كان غارينشيا «خجولا وغريب الأطوار»، بحسب حفيدته. وقع عقودا على ورقة بيضاء وانتهى به الأمر بأن يكون أفقر لاعبي بوتافوغو.
بذلك عائلته جهدا كبيرا لكي تحافظ على ذكراه محليا، وهناك تمثال تذكاري صغير لغارينشيا بالقرب من محطة للحافلات أقيم عام 1992، وعلى جدران المركز الرياضي البلدي هناك صورة له بالقميص الأصفر للمنتخب البرازيلي.
في هذا المركز الرياضي تعمل ابنته روزانجيلا التي ترى بهذه الجدران تذكيرا يوميا بشخص لم تكن تعرف أنه والدها إلا بعد وفاته.
«عندما كنت صغيرة، الناس قالوا بأني أشبه غارينشيا. على أوراقي الثبوتية لا والد لي}، هذا ما قالته روزانجيلا، مضيفة «كنت متأكدة نوعا ما بأنه هو (والدي) لكننا قمنا بفحص الحمض النووي بعد 15 عاما من وفاته. والآن أصبحت متأكدة. كان أفضل بكثير من نيمار (نجم المنتخب الحالي). لو كان يلعب الآن، فالبرازيل ستفوز بكأس العالم بشكل مؤكد».
غارينشيا الذي ولد في 28 أكتوبر (تشرين الأول) 1933، هو سابع إخوته الاثنين والعشرين، من أب مدمن على الكحول.
كان غارينشيا الطفل الفقير ذو الجسم النحيف المشوه، وإزاء هذا الوضع كان أهله يدعون الله ليل نهار حتى يتمكن ابنهم من الوقوف على قدميه وتطلب الأمر تدخل الجراحين، حتى تمكن على الأقل من المشي ولو بطريقة غير سليمة.
لكن الطفل مانويل خلق المعجزة، وبعد أن كان أهله يحلمون برؤيته يمشي على قدميه، أصبح يداعب الكرة ببراعة الكبار.
فعلى الرغم مما أصابه من تشوهات حرمته حتى من الجري بطريقة عادية، فإنه بهذا الجسم المليء بالعيوب صنع لنفسه مجدا، وتمكن من التغلب على الإعاقة بمراوغة واحدة، يعيدها في كل مرة عجز كل مدافعي العالم في مواجهتها، واستسلموا لها جميعا.
كان يدربه أحد الأصدقاء، وفي أحد أيام عام 1953، وهو في السادسة عشرة من عمره، وفي مباراة تدريبية لفريق بوتافوغو العريق، كان هناك نقص في عدد اللاعبين، فاقترح مدربه أن يشارك في المباراة التدريبية لسد الفراغ.
إلا أن النجم الصاعد لم يصدق أن الفرصة أتيحت له، وعوض أن يسد الفراغ ويكمل عدد اللاعبين، راح في جهته اليمنى المفضلة يبدع، وكان أول ضحاياه، المدافع المشهور آنذاك الدولي نيلتون سانتوس الذي كان أفضل ظهير أيسر في البرازيل، إلا أن الشاب اليافع المشوه تمكن من قهر سانتوس، على مرتين بمراوغتين لم يفهم فيهما سانتوس شيئا، فاستسلم تماما أمام عبقرية منافسه.
وتوجه سانتوس بعد أن واجه هذا الفنان وعرف إمكاناته الفنية، مباشرة إلى إدارة ناديه، وصاح قائلا «يجب عدم إهدار هذه الفرصة، علينا ضم هذا اللاعب حالا إلى الفريق}. وهو ما حصل بالفعل، وبقي غارينشيا لمدة 13 عاما في صفوف هذا الفريق العريق. ومنذ هذا التاريخ بدأ غارينشيا مسيرة رائعة، صار فيها اللاعب المراوغ الذي لا يمكن توقيفه، والغريب أنه اعتمد دائما على مراوغة واحدة حيث راوغ على مرحلتين، الأولى من دون كرة يقوم فيها بتمويه جسدي، وقدمه اليمنى، التي يموه بها، ثم يقفز على اليسرى، كي يعطي الانطباع أنه يريد الانطلاق، وعند ارتباك المدافع الذي لا يمكنه فهم نية غارينشيا، ينفلت الأخير بسهولة على الجناح، معتمدا على سرعة انطلاقه قبل أن يمرر كرات العرضية باتجاه زملائه.
لكن وعلى الرغم من ذلك نجح دائما في مراوغته هذه وأغلب الأحيان كان المدافعون يسقطون أرضا، مستسلمين لفنيات هذا العبقري.
بعد عطائه المميز في صفوف نادي بوتافوغو، فتحت له أبواب المنتخب الوطني مصراعيها، وكان أحد اللاعبين الذين مثلوا البرازيل في نهائيات كأس العالم عام 1958.
ولعب أول مباراة له كأساسي أمام الاتحاد السوفياتي ثم في الدور نصف النهائي أمام فرنسا حيث مرر كرتين حاسمتين إلى فافا الذي ترجمهما إلى هدفين (5 - 2).
وكذلك كانت الحال في المباراة النهائية أمام السويد صاحبة الأرض التي انتهت بنفس النتيجة، وأقر بعدها اللاعب السويدي نيلز ليدهولم بدور غارينشيا فيها، حيث قال «خسرنا المباراة النهائية بسببه (غارينشيا)، لقد صنع هدفين خارقين».
وبذلك ساهم ملك المراوغات بفعالية في تتويج منتخب بلاده بالتاج العالمي للمرة الأولى. وفي مونديال تشيلي 1962، انفجرت مواهب غارينشيا وأظهر فعليا فنياته العالية.
البداية في هذا المونديال كانت صعبة أمام المكسيك، فبعد انتهاء الشوط الأول بالتعادل السلبي، انتظر البرازيليون الجوهرة السوداء بيليه ليقوم بمجهودين فرديين رائعين، سجل منهما هدفي الفوز.
غير أن بيليه لم يتمكن من مواصلة المنافسة بعد تعرضه لإصابة خطيرة في بداية مباراة منتخب بلاده أمام تشيكوسلوفاكيا التي انتهت بالتعادل السلبي.
وفي المباراة الثالثة أمام إسبانيا، تلقى مرمى البرازيل هدفا أول مباغتا، ألزم غارينشيا بالقيام باللازم لإنقاذ فريقه من الإقصاء، ففعلها ومرر كرتين على طبق من ذهب إلى أماريلدو الذي ترجمهما إلى هدفين أهلا المنتخب الذهبي إلى الدور ربع النهائي.
بعد هذه المباراة فهم غارينشيا، وبعد غياب بيليه، أنه إذا أراد أن يقود اللعب ويسجل أهدافا يجب عليه الدخول أكثر نحو وسط الميدان وعدم البقاء على أقصى الجهة اليمنى التي يفضلها: «اكتشفت أن المرمى يظهر أكبر من وسط الميدان منه على الجناح».
في مباراة ربع النهائي وضع الإنجليز ثلاثة مدافعين لحراسة غارينشيا إلا أنهم لم يفلحوا في إيقافه حيث تمكن من تسجيل هدفين من تسديدتين صاروخيتين، وفازت البرازيل (3 - 1).
وفي مباراة نصف النهائي لقي البلد المضيف تشيلي نفس مصير سابقيه من المنتخبات، حيث استسلم لقانون غارينشيا ورفاقه (2 - 4) وتمكن اللاعب الأسطوري من تسجيل هدفين.
وفي المباراة النهائية واجهت البرازيل منتخب تشيكوسلوفاكيا، ولعب غارينشيا المباراة وهو مصاب {بالإنفلونزا}، إلا أنه أربك المدافعين كثيرا وساهم في فوز منتخب بلاده (3 - 1) ونيلها الكأس للمرة الثانية على التوالي.
بعد مونديال تشيلي، بدأت لعنة الإصابات تطارد غارينشيا، خاصة أن جسمه المريض - وخصوصا ساقيه - كان لا يتحمل الضرب الذي كان يتلقاه بصفة مستمرة، ومن هنا بدأ نجمه في الأفول.
غارينشيا الذي كان يملك عقل طفل لا يتجاوز الثامنة من العمر حسب الأطباء النفسانيين، بدأ يكثر من الخروج إلى الملاهي الليلية، وغاب عن التدريبات ثم أدمن الكحول وانفصل عن زوجته وأولاده، وارتمى في حضن عشيقته المغنية الزا سواريز معلنا بذلك بداية نهاية نجوميته.
حاول غارينشيا العودة إلى أجواء المنافسة في مونديال إنجلترا 1966، إلا أن البرازيل خرجت من الدور ربع النهائي بانهزامها أمام بلغاريا (1 - 3)، فكانت أول هزيمة لغارينشيا في صفوف المنتخب خلال 41 مشاركة في صفوفه، وكانت كذلك آخر ظهور له بالزي الذهبي.
وتواصل بعد ذلك مسلسل تدهوره ثم أصيب بمرض صدري وخضع لعملية جراحية في الركبة، لينتهي الطفل العملاق في براثن الكحول والبؤس، قبل أن يغادر هذا العالم نهائيا عام 1983 في أحد مستشفيات ريو دي جانيرو.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».