«غوغل» يحتفي بموسيقار هندي بارز

الموسيقار بسم الله خان
الموسيقار بسم الله خان
TT

«غوغل» يحتفي بموسيقار هندي بارز

الموسيقار بسم الله خان
الموسيقار بسم الله خان

احتفى موقع «غوغل» مؤخراً، بالموسيقار بسم الله خان، أحد أفضل أساتذة الموسيقى الكلاسيكية الهندية في يوم ميلاده الثاني والثمانين، حيث شوهد وهو يعزف بآلة «شيهناي»، وهي النسخة الهندية من آلة «الأوبوا» النفخية، وهو يأخذ جلسته المميزة أثناء عزفه عليها.
يعرفه عالم الموسيقى بأسره، لأنّه أول شخصية موهوبة يتقن العزف على آلة «شيهناي»، وبرز اسم خان لأنّه السبب في انتشار ما وصفه أحد المعاجم القديمة بأنّها «الآلة الهندية النفخية الخاصة المماثلة لآلة (الأوبوا)»، ورفعها إلى وضعية لم يكن أحد يحلم بها من قبل. وعلى مدى أكثر من 80 عاماً، أسر خان ألباب المستمعين بمجموعته العبقرية من الألحان الموسيقية الرائعة.
ولقد كانت آلة «شيهناي»، وهي من الآلات النفخية الجميلة ذات الثقوب الأصبعية ومنفذ على شاكلة الجرس في نهايتها، مرفوض إدراجها ضمن فئات الآلات الموسيقية الكلاسيكية حتى جاء خان ورفعها إلى وضعية راقية بين جموع المستمعين. ولقد كانت نقرات أصابعه الفريدة مع الضبط التام لحركة التنفس سبباً رئيساً في إنتاج مجموعة مميزة ولازمة من الأصوات لمختلف أنماط النوتات الموسيقية (راغا)، الأمر الذي عزّز من مكانة تلك الآلة من الاستخدام الشعبي الدارج إلى استمالة أسماع الجماهير حول العالم.
وربما كانت أعظم لحظات خان قاطبة هي تلك اللحظة التي كان الموسيقار الوحيد المدعو للعزف في الاحتفالية الرسمية التي نُظمت في 15 أغسطس (آب) من عام 1947، للاحتفال بيوم الاستقلال الهندي عن الحكم الاستعماري البريطاني، الأمر الذي اعتبر مناسبة كبيرة للاعتراف به، وبروحه الفريدة عبر موسيقاه التي أذاعت عبق التاريخ الهندي في الاحتفالية، وتقاسمت شذا الإنسانية الحقيقية بين أبناء وطنه الكبير. فليس للموسيقى من طبقة تحكمها أو عقيدة تفرضها.
وتلك هي عظمة الموسيقى، كما قال بنفسه في فيلم «العلامة البارزة» الوثائقي الشهير من إنتاج عام 1989 وإخراج المخرج الهندي البارز غوتام غوسيه. ومنذ ذلك الحين ظل السيد خان ضيفاً على كل احتفالية تقام بمناسبة يوم الاستقلال إلى جانب عرض معازفه الموسيقية على شاشات التلفاز الوطني الهندي مباشرة بعد خطاب رئيس الوزراء إلى الأمة.
وينتمي السيد خان إلى أسرة من الموسيقيين الكلاسيكيين الذين كانوا من عازفي الموسيقى البارزين في البلاط الملكي. وكان قد تلقّى تدريبه الأول في سن السادسة من عمره على يدي عمه علي باكش، وهو من عازفي آلة «شيهناي» وكان يعيش في فاراناسي، أقدس مدن طائفة الهندوس، وتقع إلى الشمال من ولاية أوتار براديش، وعلى صلة وثيقة بمعبد فاراناسي كاشي فيشواناث الهندوسي. وكانت أبواب المبعد تفتتح على عزف مستمر من علي باكش على آلة «شيهناي». وكان السيد خان، في صغره، يمارس العزف والاستماع والاستيعاب بكل صبر وأناة حتى تمرّست أصابعه، وانضبط تنفسه في نهاية المطاف مع الموسيقى التي تعتمل داخل رأسه.
وكان العم وابن أخيه يعزفان بانتظام داخل المعابد الهندوسية خلال كافة المراسم والاحتفالات المرتبطة بمختلف الآلهة الهندوس. وظهر السيد خان أيضاً معاوناً لعمه خلال العديد من المؤتمرات الموسيقية في ثلاثينات القرن الماضي، ومن ثم سرعان ما لاحظه الهواة هناك. ونظراً لحسن ملامحه وحسه الفكاهي الكبير، صار مفضلاً لدى الملوك ونبلاء الطبقة الراقية، ومحبباً لدى الزعماء القوميين مثل الزعيم الهندي جواهر لال نهرو.
وإثر وفاة عمه في عام 1940 أصبح السيد خان عازفاً منفرداً عن جدارة. ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى أنّ آلة «شيهناي» صارت تحظى بشعبية كبيرة بين الناس. وتحول منزله في وسط مدينة فاراناسي قبلة للزوار الهنود والأجانب العاشقين للموسيقى الكلاسيكية الهندية.
وفي حقبة الستينات والسبعينات، عندما كان الموسيقيون الكلاسيكيون الهنود يعرضون الموسيقات الهندية على العالم الغربي، لم يكن من المستغرب حينها أن يكون من بينهم أحد الموسيقيين من فئة السيد خان. وصار العديد من عشاق الموسيقى الهندية في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وغيرها من البلدان متأثرين كثيراً بتسجيلات السيد خان الموسيقية، حتى قبل أن يعرضها على الملأ في بلادهم.
وفي حين أنّ العديد من زملائه الموسيقيين قد أصبحوا من الأثرياء، وانتقلوا للعيش من المدن الصغرى إلى دلهي وبومباي وكلكتا - وحتى في خارج البلاد أيضاً، رفض السيد خان مغادرة مدينة فاراناسي المحببة إلى قلبه. وعندما جاءه عرض من الجامعة الأميركية لكي يشغل منصب مدرس مقيم للموسيقى في الولايات المتحدة، قال بكل وضوح إنّه موافق على شرط الانتقال بعائلته، وأفراد فرقته الموسيقية، ومدينته، ونهر الغانج برفقته إلى هناك.
وتقول ريتا غانغولي، كاتبة السيرة الذاتية للسيد خان، إنّ الموسيقار الكبير يخاف وبشدة من السفر الجوي، وبالتالي فقد تجنب على الدوام السفر إلى الخارج. وعندما تلقّى في عام 1965 دعوة للعزف في أوروبا، تقدم بمطالب يستحيل الوفاء بها بهدف الابتعاد عن السفر إلى الخارج. وتلقى مرة أخرى دعوة في عام 1966 من المملكة المتحدة عبر الحكومة الهندية للمشاركة في مهرجان إدنبرة الشهير. ولقد جنح الموسيقار مرة أخرى إلى أساليبه المعهودة من المطالبة بأشياء يستحيل تحقيقها مثل «لن أسافر بالطائرة، وأريد اصطحاب 10 أشخاص معي، كما أريد الكثير من المكافآت في انتظاري». وكان ذلك على أمل منه أن يتم سحب الدعوة المقدمة. بيد أنّ الضغوط قد مورست عليه للقبول. ولقد وافق السيد خان على الذهاب إلى إدنبرة، ولكن على شرط واحد. إذ طلب أن ينتقل بصحبة فرقته الموسيقية على نفقة الدولة في رحلة الحج إلى مكة والمدينة. ولقد وافقت الحكومة على هذا المطلب، وأخيراً استقل السيد خان الطائرة، واستكمل شعائر الحج على نفقة الدولة، وإثر التحصينات والدعوات إلى الله القدير، وصل السيد خان إلى إنجلترا بسلام. وكان هو نجم مهرجان إدنبرة من دون منازع في ذلك العام. وغمرت آلة «شيهناي»، عبر عزف جميل ورخيم، وأحياناً حيوي وقوي مع تلاوات رائعة، أخضعت الجماهير تحت تأثير عزفه السحري الخلاب. وفي اليوم التالي كانت الصحف مليئة بالثناء الكبير على أدائه العظيم.
وأعلنت صحيفة «لندن إيفيننغ ستاندرد»، في مقولة دخلت قاموس «أكسفورد» الإنجليزي طبعة عام 1986 «من المتوقع الآن أن تعرفوا المزيد عن بسم الله خان وآلته شيهناي». وعلى ما يبدو أنّ آلة «شيهناي» والسيد خان قد احتلا مكانة مميزة في اللغة الإنجليزية. وفي عام 1967 جمع السيد خان مع العازف الشهير سيتار ألبوماً موسيقياً حمل اسم ديوتس، وكان عبارة عن سلسلة من الموسيقات الرائعة التي عُرفت بعنوان «موسيقى من الهند». وكان الموسيقار الكبير جورج هاريسون، على سبيل المثال، دائم الحضور في حفلات الموسيقار بسم الله خان.
وأسفر ذلك عن تعدد حفلاته الموسيقية في جميع أنحاء العالم، في الولايات المتحدة، وأوروبا، وإيران، والعراق، وكندا، وغرب أفريقيا، واليابان، وهونغ كونغ، وروسيا، وفي العديد من المدن الأخرى حول العالم. كما أنّه كان أول عازف هندي يُدعى للعزف في قاعة «لينكولن سنتر هول» المرموقة في الولايات المتحدة الأميركية.
وكانت آلة «شيهناي» من الآلات الموسيقية الدارجة المستخدمة فقط في مراسم الزفاف أو الطقوس الدينية الهندوسية، حتى تمكن الموسيقار خان من وضعها في مركز متميز في الموسيقى الكلاسيكية الهندية.
وعلى الرغم من كافة أشكال التملق والمداهنة، كان السيد خان مثالاً حياً للتواضع والبساطة - وهي من السمات النادرة للغاية بين المشاهير. لقد كان رجلاً متواضعاً بحق، ولم يكن يجنح للفخامة والبذخ حتى وإن سنحت له الفرص إلى ذلك. فقد كان يفضل الحياة البسيطة غير المفعمة بالتفاخر والتباهي الكاذب، ولم يكن يقتني سيارة قط، وكانت وسيلة انتقاله بين شوارع المدينة بواسطة عربة (الريكشا) البسيطة. وعندما وافته منيته، شهدت الجنازة الرسمية آلاف المشيعين الذي غمروا شوارع المدينة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».