صادق لاريجاني... رئيس القضاء الطامح لخلافة المرشد

ابن عائلة سياسية... ونقطة تقاطع علاقات وثيقة داخل النظام الإيراني

صادق لاريجاني... رئيس القضاء الطامح لخلافة المرشد
TT

صادق لاريجاني... رئيس القضاء الطامح لخلافة المرشد

صادق لاريجاني... رئيس القضاء الطامح لخلافة المرشد

يعد صادق لاريجاني، رئيس القضاء الإيراني، أبرز المسؤولين المنصّبين من المرشد علي خامنئي، وفضلاً عن كونه أبرز المرشحين لخلافته، فإنه قد يكون أبرز المؤثرين في تعيين المرشد الثالث.
انطلاقاً من ذلك فإن صادق لاريجاني يعد أحد أكثر المسؤولين إثارة للجدل في إيران، ليس لدوره السياسي فحسب، بل أيضاً لثرائه الفاحش ورغبته الشديدة في الاحتفاظ بالسلطة وقوة قبضته في كتم أصوات المعارضين، بالإضافة إلى طبعه الحاد وعلاقاته الواسعة مع النخبة الأرستقراطية. وإلى جانب كل ما سبق، يمثل لاريجاني الجيل الثاني من المسؤولين الإيرانيين الذين صعدوا بعد الجيل الأول من قادة النظام. وهنا، يعد «الإخوة لاريجاني» أبرز النماذج لسطوة الأسرة المتنفذة في هيكل نظام كانت أبرز شعاراته تكريس المؤسسات في صلب الدولة وتمكين الدستور. لكن النموذج يُظهر كيف تعمل المؤسسات تحت تأثير أسر بعينها دون الانفتاح على الشعب، وهنا يمكن للقارئ تتبع منطق تداول السلطة في إيران.

«أداء كبار المسؤولين القضائيين والمظالم في هذا الجهاز من الأسباب الرئيسة للاستياء العام. إن التغيير الفوري لرئيس السلطة القضائية وتعيين شخص آخر وفق معايير مقررة دستورياً يمكن أن يهدّئ من خواطر الشعب».
كان هذا جزءاً من رسالة من الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى المرشد الإيراني قبل أسابیع قليلة، وهي رسالة اعتبرها البعض حدثاً تاريخياً. ورغم تراكم المطالب التي جاءت في الرسالة فإن «البطل الحقيقي» للقصة ما كان غير رئيس الجهاز القضائي الإيراني، الشيخ صادق لاريجاني.
صادق هو الابن الوحيد بين أبناء الشيخ هاشم آملي لاريجاني الذي سار على خطى أبيه وارتدى ملابس رجال الدين. وعلى هذا الأساس، بخلاف إخوته الذين يُعرفون باسم «لاريجاني»، اختار لقب «آملي» لنفسه، نسبةً إلى مدينة آمل في محافظة مازنداران بشمال إيران. وهو مع أنه لم يعش فيها، اعتمد بذلك طريقةً تذكِّر بسلوك رجال الدين الإيرانيين في الانتساب إلى المدن التي ينحدرون منها.

النشأة والبداية
وُلد صادق في النجف، مثل أغلب إخوته. وفي سن الخامسة اصطحبه والده المرجع الشيعي إلى حوزة قُم العلمية. وهناك بدأ تلقي الدروس الدينية بموازاة الدروس المدرسية.
لم يُعرف لاريجاني قبل منتصف التسعينات. بل بدأ تداول اسمه عندما كتب رداً على المفكّر الحداثي والليبرالي الإيراني عبد الكريم سروش. حينذاك كان أحد الطلاب الأكثر تطرفاً عند مصباح يزدي الذي يُعرف –بدوره- بالتطرف بين رجال الحوزات في قُم. أما قبل ذلك فلم يكن له أي أثر. وبالتالي، فغيابه عن النشاط الثوري إبان حقبة الخميني يشكل مادة للانتقادات الواردة له من منتقديه. وحقاً، ليس له أي سجل في أثناء أيام الثورة ولم يُلحظ وجوده في الحرب العراقية – الإيرانية. ولاريجاني يقرّ بذلك لكنه يبرّره قائلاً: «كنت أرجح الدراسة وتلقي العلوم».
دخل لاريجاني في سن الثامنة والثلاثين إلى «مجلس خبراء القيادة» بعدما ألّف كتباً في الرد على نظريات سروش حول قبض الشريعة وبسطها (في منتصف التسعينات) واختاره المرشد علي خامنئي بعد 3 سنوات كأحد فقهاء «مجلس صيانة الدستور». ومن ثم، أثار تعيينه كأحد فقهاء هذا المجلس انتقادات من الحوزات العلمية. ذلك أنه وفق المنتقدين ليس متخصصاً في الفقه، بل جاءت دراسته في مجال الكلام والدراسات الإسلامية.
هذا أيضاً ما استند إليه معارضوه عندما وقع اختيار خامنئي عليه ليكون رئيساً للقضاء خلفاً لمحمود هاشمي شاهرودي. فوفقاً للدستور الإيراني يجب أن يكون رئيس السلطة القضائية الإيرانية شخصاً بلغ في الفقه درجة الاجتهاد. وعلى هذا الأساس، طالب أحمدي نجاد في رسالته المفتوحة إلى خامنئي أن يختار شخصاً بدلاً من آملي لاريجاني «تنطبق عليه المواصفات التي ينص عليها الدستور الإيراني». وبدوره أشار الزعيم الإصلاحي مهدي كروبي في رسالته الشهيرة إلى خامنئي الشهر الماضي إلى هذه القضية ليتبين أنها نقطة توافق بين المنتقدين. لكن على ما يبدو أن هناك أهدافاً أخرى عند خامنئي، إلى جانب تبعية صادق، لتعيينه في منصب رئيس القضاء.

شبكة العلاقات الثمينة
إنها أهداف يميل بعض المحللين إلى أن أهمها، ربما، حاجة خامنئي إلى دعم «شبكة» داعمي الرجل بين مراجع تقليد الشيعة والجماعات والقاعدة الشعبية التابعة لهم. إذ تجدر الإشارة إلى أن صادق -أو آملي لاريجاني- صهر المرجع حسين وحيد خراساني، وهو مرجع كان قد وجّه انتقادات لاذعة إلى خامنئي قبل تعيين صهره في منصب رئيس القضاء. إضافة إلى ذلك، تتمتع أسرة لاريجاني بشبكة علاقات عائلية واسعة مع أسر المراجع. فأخوه علي لاريجاني صهر مرتضى مطهري أحد أعضاء لجنة الثورة، وأخوه باقر لاريجاني صهر حسن زاده آملي، أحد مراجع قُم القدامى، وجوادي آملي أحد مراجع قُم متزوج من عمّة «الإخوة لاريجاني». كذلك، فإن الأخت الوحيدة لصادق لاريجاني زوجة مرجع شيعي هو محقق داماد. ومن يعرف تعقيدات نفوذ المراجع في إيران (السلطة والشعب) يعرف تماماً أن هذه الأسماء ليست سهلة. إنها شبكة من أفراد متنفذين في الحوزات العلمية الشيعية في إيران يحتاج خامنئي إلى دعمها. وهذه العلاقات الأسرية الواسعة نفسها بالضبط تفتح آفاقاً أخرى أمام صادق لاريجاني وتعزّز طموحه، وهو الذي يشغله هاجس خلافة خامنئي في منصب الولي الفقيه.
إلى جانب العلاقات العائلية الواسعة مع شخصيات متنفذة في الحوزة العلمية، يتمتع صادق بنفوذ واسع في مؤسسة خامنئي، كما أنه يعمل على بناء علاقات حسنة مع الحرس الثوري بواسطة الامتيازات التي يقدمها لأهم قادة الحرس الثوري، وكذلك عبر علاقات أخيه علي لاريجاني، رئيس البرلمان الحالي، وأحد أبرز الأعضاء القدماء في المكتب السياسي للحرس الثوري. كل ذلك يجعل صادق لاريجاني مرشحاً أساسياً لمنصب المرشد الثالث بعد خامنئي.
أضف إلى ما تقدم، أن الرجل يملك نفوذاً واسعاً الآن في «مجلس خبراء القيادة»، وهو المجلس الذي من مهامه الأساسية، وفق الدستور، اختيار المرشد. ويعتقد البعض أن لاريجاني حاول أن يكون رئيساً للمجلس لكن أغلب الأعضاء يعارضون ذلك؛ بل حتى أولئك الذين يُعدُّون من أنصاره كانوا يعتقدون أنه مع وجود أحمد جنّتي فإن حلة رئاسة «مجلس خبراء القيادة» فضفاضة على قامة صادق لاريجاني. مع هذا، لم يهتم الأخير كثيراً لذلك، بدليل أنه لم يترشّح للحفاظ على كرسي نائب رئيس المجلس في آخر انتخابات شهدها المجلس في الأسبوع قبل الماضي. وهو يدرك أن جنّتي يبلغ من العمر 92 سنة. وبالتالي، فهو متقدم جداً في السن ليكون خليفة المرشد. هذا إلى جانب العلاقات الوثيقة يين جنّتي ولاريجاني. وتفيد التقارير حالياً بأن نفوذ لاريجاني الملحوظ في «مجلس خبراء القيادة» يعزز موقعه كأحد المرشحين لمنصب المرشد الثالث. أما أهم ما يمكن أن يعترض طريقه فهي قساوته وتعطشه للاستبداد، وسوى ذلك من المآخذ التي يعددها خصومه.

تعامله عدواني وحاد
هؤلاء يقولون إن صادق لاريجاني عدواني وحادّ الطباع. ووفق مصطلح المتدينين، ليس له سعة الصدر ويُعرف بحقده بين الخاصة والعامة. ويعتقد محللون أن هذا الحقد من أسباب تنامي قوة ونطاق عمل جهاز استخبارات السلطة القضائية ليتحوّل من جهاز داخلي في السلطة القضائية إلى جهاز يقوم بأعمال استخباراتية موازية لوزارة الاستخبارات وجهاز استخبارات الحرس الثوري. ولعل اعتقال المنتقدين وممارسة الضغط والتعذيب بحقهم والبحث عن نقاط ضعف المنافسين والمنتقدين من بين أعمال جهاز استخبارات السلطة القضائية في زمن صادق آملي لاريجاني. وبالإضافة إلى ذلك، يرميه خصومه بالتطرف ونزعة الغضب وسرعة الانفعال. ويزعمون أنه لا يؤمن بالتنافس ويرى أن كل من يعارضه عدو. وهو يتهم راهناً أحمدي نجاد بالخيانة العظمى والشق عن مسار الثورة. وهذه حدة خُلقٍ أزعجت خامنئي مراراً. وفي سياق النزاع مع أحمدي نجاد، سعى مراراً إلى اعتقال الرئيس السابق، لكن محاولاته اصطدمت بمعارضة من المرشد الإيراني. مع هذا اقترب قليلاً من مبتغاه في عزل أحمدي نجاد خلال الأسبوع الماضي، باعتقال مساعديه اسفنديار رحيم مشايي وحميد بقايي.
تمكن ملاحظة هذا التطرف بوضوح في مرآة الأرقام. فعلى مدى السنوات السبع الأولى من رئاسته في القضاء جرى إعدام أكثر من 4300. إذ أعدم خلال الدورة الخمسية الأولى من رئاسته 2600 متهم، بينما صودق في العامين الأولين من فترة رئاسته الثانية على إعدام 1700.

انتهاك حقوق الإنسان
في نهاية مارس (آذار) 2012، أدرج الاتحاد الأوروبي اسم صادق لاريجاني ضمن قائمة تضم 17 مسؤولاً إيرانياً رفيعاً بتهمة الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان. وقال الاتحاد إن فرض العقوبات ضد لاريجاني ومنعه من دخول الأراضي الأوروبية، جاء رداً على توقيعه أحكاماً بالإعدام والرجم وبتر الأعضاء والجلد ورشّ الحمض (الأسيد) في أعين المتهمين، إضافة إلى قمع احتجاجات «الحركة الخضراء» الإصلاحية بين عامي 2009 و2010. وفي منتصف يناير (كانون الثاني) 2018، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على 14 شخصية وكياناً إيرانياً لانتهاكها حقوق الإنسان، خصوصاً قمع المحتجين في أكثر من 80 مدينة إيرانية، وكان لاريجاني أبرز المسؤولين الإيرانيين.
صادق لاريجاني يقف اليوم على مشارف المستقبل؛ تماماً مثل النظام الإيراني برمّته. إنه ينتظر وفاة المرشد ليرى إن كانت مقامرته ستثمر أم ستفشل. رئاسته جهاز القضاء تعطيه مكانة سامية بين المتنافسين على خلافة خامنئي وبين التيار المحافظ، لكنه إذا فقد المنصب سيبتعد عدة خطوات عن السباق على خلافة المرشد، علماً بأن فترة رئاسته الثانية للقضاء ستنتهي في أغسطس (آب) 2019.



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».