من هو هيكو ماس وزير الخارجية الجديد؟

لا يتمتع وزير الخارجية الألماني الجديد هيكو ماس بخبرة واسعة في السياسة الخارجية. فهو ترقى بسرعة داخل الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي)، الشريك الأساسي في الائتلاف الحكومي في ألمانيا. صعد ماس من سياسي محلي في ولاية السار (سارلاند) الصغيرة بغرب البلاد إلى وزير للعدل عام 2013. وخلال هذه السنوات التي تسلم فيها حقيبة وزارة العدل، «كسب» ماس أعداء كثيرين، أو على الأقل أعداء من اليمين المتطرف. فالرجل السليط اللسان والسريع الرد على انتقادات اليمين المتطرف، أدخل قانوناً يجرّم وسائل التواصل الاجتماعي التي تسمح بنشر إهانات عنصرية، ويغرّمها مبالغ باهظة. وهذه الخطوة اتخذت بشكل أساسي لوقف إهانات المتطرفين ضد اللاجئين والمسلمين في ألمانيا. وبالتالي، اتهمه مناصرو الحركات والتنظيمات العنصرية واليمينية المتطرفة بأنه يعمل على قمع حرية التعبير، وحقاً، تلقى إهانات وتهديدات شخصية من غاضبين من القانون.
مع ذلك، لم يكترث ماس كثيراً لهذا الأمر، وظل يدافع بشجاعة عن القانون الذي طرحه وجرى إقراره في مجلس النواب، ليضع ألمانيا في طليعة الدول التي تفرض رقابة على وسائل التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بالخطاب التحريضي. وفي دفاعه عن القانون، قال ماس في حينه إن «لا ضرر من الإفراط في حذف مشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأن الغرامة ستفرض على الامتناع عن مسح مداخلات تصب في إطار الخطاب التحريضي». وفي رفضه اتهامات السعي لتقييد حرية التعبير، قال: «هذا (التحريض العنصري) ليس حرية تعبير، بل اعتداء على حرية التعبير. إن أسوأ ما يمكن أن يعرّض حرية التعبير للخطر هي تهديدات لا يعاقب أصحابها عليها».
هذا الصراع الذي اختاره ماس مع اليمين المتطرف في بلاده ليس عبثياً. ذلك أنه يقول صراحة إنه لم يدخل حلبة السياسة ليس بالمصادفة ولا لتحقيق حلم، بل «بسبب أوشفيتز»، في إشارة إلى أكبر «معسكرات الموت» التي شيدها النازيون في بولندا، والذي يعتقد أن نحو مليون ونصف مليون سجين، معظمهم من اليهود، قتلوا فيه.
تاريخ ألمانيا الذي أدخل ماس إلى السياسة، بحسب أقواله، يقوده أيضاً في مقاربته للسياسة الخارجية. فالسياسي الذي لا يجاوز الثانية والخمسين من العمر، بدأ يتحدث عن ضرورة إعادة العلاقات القوية مع إسرائيل، بعدما كانت قد فترت في الفترة الأخيرة عقب إلغاء المستشارة أنجيلا ميركل القمة السنوية الألمانية - الإسرائيلية العام الماضي. وكانت ميركل قد بررت إلغاءها حينذاك بالتحضير للانتخابات التي أجرت في سبتمبر (أيلول) الماضي. لكن كثيرين اعتبروها رسالة من ميركل للحكومة الإسرائيلية اعتراضاً على مواصلتها توسيع المستوطنات غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية.
وفي حين اكتسب سيغمار غابرييل، سلف ماس في وزارة الخارجية، بين أعضاء حزبه، صيت «المقرّب أكثر من المحبب» من ميركل، يبدو أن ماس بدأ مشواره في حكومة المستشارة بتحديد المسافة بينهما، ومحاولة الإبقاء على شيء من الاستقلالية في مقاربة الملفات الخارجية.
مقابل ذلك، في القضايا الأخرى بمنطقة الشرق الأوسط، لا تختلف مواقف ماس كثيراً عن مواقف سلفه. فبعد أيام قليلة من توليه منصبه، توجه ماس إلى العاصمة البلجيكية والأوروبية بروكسل للقاء نظرائه الأوروبيين ومسؤولين في الاتحاد الأوروبي. وقال مكتبه حينها إن سوريا وضرورة «إنقاذ» الملف النووي الإيراني كانا ضمن النقاشات. أيضاً، تحدث ماس والوزراء الآخرون إلى المبعوث الأممي لسوريا ستيفان دي ميستورا. وجاء في بيان عن مكتبه، إن ماس شدد على ضرورة أن يبقى «إنهاء القتال وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية في طليعة الاهتمامات».
وفي خطاب أمام البرلمان قبل يومين، عاد ماس فتحدث عن سوريا وإيران، مؤكداً أنهما في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية الألمانية، إلى جانب العمل على «العلاقة الصعبة» مع روسيا. وفي مؤشر إلى إمكانية تصعيد ما في الموقف الألماني فيما يتعلق بالأزمة السوري، قال ماس «إن استمرار استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، الذي لم يحاسب أحد عليه، أمر غير مقبول». وأعلن أن الحكومة الألمانية ستعمل لضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الاعتداءات وجلبهم أمام العدالة، وتحدث عن نقاش ما في هذا الموضوع مع نظيره الفرنسي.