لبنان يغرق في المياه.. والمسؤولون يتبادلون الاتهامات

النائب قباني يصفه ببلد «كل مين ايدو الو».. واللبنانيون يغردون «غدا يوم سباحة عادي في المدارس»

لبنان يغرق في المياه.. والمسؤولون يتبادلون الاتهامات
TT

لبنان يغرق في المياه.. والمسؤولون يتبادلون الاتهامات

لبنان يغرق في المياه.. والمسؤولون يتبادلون الاتهامات

وسط حالة من الذهول والاستنكار تابع اللبنانيون أول من أمس مشاهد غرق المواطنين في نفق طريق مطار بيروت وهم لا يصدقون ما تشاهده أعينهم.
فالمواطنون الذين سلكوا هذا الطريق كانوا يمرون بصورة طبيعية فيه، رغم أن هطول الأمطار الغزير تسبب في تجمع كمية من المياه في داخله. وفجأة ارتفع منسوب المياه داخل النفق ليغمر السيارات التي كان يقودها أصحابها المتوجهون نحو المطار أو نحو طرقات وشوارع متاخمة توصلهم إلى جنوب لبنان.
بعضهم ترجل وخاطر وراح يقطع النفق ركضا، بينما اضطر آخرون إلى السباحة في «عز» الشتاء للوصول إلى اليابسة ليتخلصوا من لعنة الغرق. ولعل وصول رجال الدفاع المدني والدرك بعد حين جعلهم بالكاد يتنفسون الصعداء من تحت المياه التي غمرتهم مع أطفالهم. ونقلت كاميرات التلفزيونات مشاهد إنقاذ بعض المواطنين، فهنا رجل درك يحمل مسنا على ظهره، وهناك رجل من الدفاع المدني يحاول مد يده لأم وابنها. ففصل الشتاء هذا الذي انتظره اللبنانيون بفارغ الصبر بعد أن فقدوا الأمل برحيل الصيف وصل متأخرا، ولكنه في الوقت نفسه حمل لهم بدل الخير «عبارة موت» من نوع آخر «لا عالبال ولا على الخاطر» كما عبر بعضهم.
ولعل السؤال الكبير الذي يطرح نفسه أمام هذه الكارثة التي سماها البعض «فضيحة إنسانية» هو: على من تقع المسؤولية في انسداد طريق دولي يسلكه السياح والمغتربون كما يسلكه المواطنون العاديون ورجال الأعمال؟
ويضيع الجواب في غمرة الاتهامات التي راح يتبادلها المسؤولون في وسائل الإعلام، محاولا كل منهم أن يحملها لفريق آخر. فوزير الأشغال العامة أعرب أكثر من مرة عن مخاوفه من وصول اللبنانيين إلى هذه النقطة إذا لم تتحرك الجهات المختصة. أما الجهات المختصة فالبعض يحمل وزارة الداخلية والبلديات المسؤولية، والبعض الآخر يؤكد أنها مسؤولية شركات أبرمت عقودا مع وزارة الأشغال تلتزم فيها بتنظيف قنوات السيول تأخر تنفيذها بسبب تأخر تحويل المخصصات المالية لها.
أما النائب محمد قباني، رئيس اللجنة النيابية للأشغال العامة، فوجه صرخة من خلال الـ«الشرق الأوسط» حمّل فيها المسؤولية لوزير الأشغال غازي العريضي، وقال: «هذا بلد كل مين ايدو الو. والمشكلة تكمن في أن الميزانية المخصصة لوزارة الأشغال صرفت على تمويل مشروع تزفيت النفق بدل صيانته وتنظيفه». وأضاف: «إننا نصرخ منذ سنوات أن صيانة الطرقات هي الأولوية بالنسبة لنا وأنها يجب أن تعطى أهمية كبرى، ولكن لا أحد يسمعنا. والحل هو أن يتحمل المسؤولون دون تفرقة مسؤولياتهم لأن الموضوع سيتكرر دون شك». إذن ما العمل على أرض الواقع يا سعادة النائب ولمن يلجأ المواطن؟ يرد: «وشو بيطلع بايدنا نحن أيضا؟ إننا نصرخ ولا من يستجيب لصراخنا».
إلا أن اللبناني الذي اعتاد تناول الأمور بنكتة أو بتعليق ساخر، وجد أيضا في هذا المشهد المأساوي المبكي ما يضحك. فكتب المواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي تغريدات عبر «تويتر» أو رسائل إلكترونية على «فيس بوك» أو علقوا بصورة يعبرون فيها عن رأيهم في الموضوع. فكتب أحدهم تحت صورة وضعها للعندليب الراحل عبد الحليم حافظ: «إنني أجول في بيروت.. إني أغرق أغرق.».، بينما أطلق شخص آخر تعليقا ساخرا قال فيه: «أعلن وزير التربية والتعليم العالي أن يوم غد هو يوم سباحة عادي في جميع المدارس الحكومية والخاصة، وغطس لصفوف الشهادات العليا!»، أو: «عزيزي المواطن.. عند وصول المياه إلى أسفل باب السيارة، استرخِ وتخيل أنك تركب زورقا أبيض في البوسفور.. وإذا ارتفع منسوب المياه ولامس قدميك فتصور نفسك في حمام الورد تدلك رجليك بالمياه.. وعند اقتراب المياه من صدرك تخيل نفسك في جاكوزي.. لكن حينها، لا تنسَ فتح الشباك حتى تخرج منه، وتابع السباحة حتى تصل إلى عمود كهرباء أو رصيف ناشف واعتبره شاطئ هاواي.. بعدها، اتصل ببائع خردة ليشتري منك السيارة.. سباحة ممتعة نتمناها لك، مع تحيات حكومات لبنان الغارقة بالفساد.».. أما التعليق الذي تداوله معظم التلامذة والطلاب عبر المواقع الإلكترونية أيضا فهو الذي جاء فيه: «بمناسبة موسم الأعياد، زوروا مغارة جعيتا بفرعها الجديد في نفق المطار، وما تنسوا تصوتوا للدولة اللبنانية لتكون ضمن عجايب الدنيا السبع..»..
كل ذلك لم يوقف زحمة السير الخانقة على الطرقات والمنتظر أن تشهد كثافة مضاعفة في الأيام المقبلة «على ذمة نشرات الطقس» بسبب هبوب عاصفة ثلجية وانخفاض في درجات الحرارة. كما أن وزير الأشغال والنقل غازي العريض أعلن إلغاء المؤتمر الصحافي الذي كان ينوي عقده ظهر أمس وغاب عن السمع بعدما تردد أنه اعتكف عن ممارسة مهامه نتيجة الوضع المأساوي الذي شهدته طرقات لبنان مؤخرا.
أما رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان فقد تابع الإجراءات والتدابير لتدارك ما قد تخلفه العاصفة التي تضرب لبنان، وطلب من المعنيين استنفار جميع الأجهزة لتفادي نتائجها السيئة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».