مصرية تبحث عن مواطن الجمال عبر الرسم بـ«الزجاج المُعشق»

منبثق من فن الموزاييك ويتطلب قوة جسمانية وذهنية

الفنانة التشكيلية نوران مجدي - من أعمال نوران
الفنانة التشكيلية نوران مجدي - من أعمال نوران
TT

مصرية تبحث عن مواطن الجمال عبر الرسم بـ«الزجاج المُعشق»

الفنانة التشكيلية نوران مجدي - من أعمال نوران
الفنانة التشكيلية نوران مجدي - من أعمال نوران

اختارت المصرية نوران مجدي هذا النوع من الفن كونه يعتمد على جذب العين وإبهارها، فلا تملك سوى التوقف أمام لوحاتها وتتساءل... هل هي مرسومة أم ملونة؟!.
تتخصص التشكيلية الثلاثينية في فن الرسم بالزجاج المعشق، ذلك النوع من الفنون غير المنتشر عربياً الذي تصفه بقولها: «هو نوع من الرسم الزخرفي، أو التصوير يغطي المساحات بقطع من الزجاج، أي الرسم بالزجاج وليس عليه، وهو منبثق من فن الموزاييك (الفسيفساء) الذي يقوم على تجميع قطع صغيرة من الأحجار أو البلاط أو الزجاج بأحجام وألوان مختلفة، لتكون في النهاية تصميما متكاملا، وقد اخترت الزجاج تحديداً منذ دراستي في قسم التصوير الجداري بكلية الفنون الجميلة، لأنه برأيي الأصعب، ولأنّه يمكّن من إنتاج لوحات فنية مميزة وغير مكررة».
صعوبة هذا الفن ترجعه «نوران» لعدة أسباب؛ بداية لما يتطلبه من التدقيق الشديد في رسم تفصيلات اللوحات، مروراً بمراحل وخطوات التنفيذ الطويلة التي تبدأ بتحليل الرسم. فليست أي رسمة يمكن تقطيع الزجاج فيها، ثم تحديد النسب والألوان، ثم «شَف» الرسم على ورقة وطبعها وتنزيلها على «شاسيه»، ثم عمل تدرج الزجاج بين الظل والنور. نهاية بتقطيع الزجاج ورصه ولصقه باستخدام الإسمنت والأكاسيد.
كما أنّها كفتاة يمثل لها هذا النوع من الفن صعوبة، لأن هذه المراحل تتطلب قوة جسمانية وبذل مجهود بدني وذهني والقدرة على حمل كميات الزجاج ونقلها من مكان لآخر، واستخدام الأدوات الحادة للتقطيع ما يسبب لها الجروح بشكل دائم. «أبحث كثيراً حتى أصل إلى فكرة لوحة، ونفس الأمر يتكرّر مع كيفية تنفيذها بطريقة صحيحة»، تقول نوران، مؤكدة أنّ ما يهمها ليس الشق التجاري، ولكن أن تُظهر لوحاتها مواطن الجمال، وأن تخرج كعمل فني مميز، من يشتريه لا يجد مثله في أي مكان بالعالم، لذا فهي تحب العمل على اللوحات ذات المساحات الكبيرة التي تجد فيها نوعا من التحدي.
أمّا عن الوقت الذي تنفذ فيه لوحاتها، فتقول: «من أسبوع إلى شهر، وقد يمتد الوقت لأكثر من ذلك، وهذا يتوقف على حسب المساحة وتفاصيل الرسم، فكلما زادت التفاصيل استغرق وقتا أطول ومجهودا أكبر».
تميل نوران لرسم المرأة، فهي بطلتها في أكثر من لوحة، كما تفضل رسم الزهور والنباتات لما تعكسه من جماليات. وتبين أنّها خرجت عن المألوف في لوحتها عن الملك «توت عنخ آمون» التي جمعت فيها بين فن الزجاج والموزاييك بشكل بارز مجسم (3D)، كمحاولة من جانبها لتطوير فنها. وعن أبرز السمات التي يجب أن تتوفر في فنان الزجاج، تقول: «فنان الزجاج يجب أن يكون مبدعاً ومبتكراً، وأن يكون لديه صبر، وقدرة على تحمل الصّعاب، إلى جانب مقدرته على تركيب الألوان وعمل توليفة غير مزعجة للعين، كونه فناً يعتمد على إبهارها».
تمتلك التشكيلية المصرية هذه السمات؛ وتحاول دائما تعزيزها، والتطوير من نفسها وفنها، عبر الاطلاع على كل ما هو جديد في هذا الفن من خلال شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، تقول: «أحاول التعرف على الأفكار الجديدة في كل المجالات الفنية، ومعرفة المميز، في محاولة للوصول لنفس المستوى العالمي بل وتخطيه، لأنّني أبحث عن مكانة متميزة لي على مستوى الفن التشكيلي في العالم كله».
وبلغة الخبراء، تقول نوران عن انتشار فن الرسم بالزجاج المعشق: «سواء في مصر أو دول الوطن العربي أو على مستوى العالم، هذا الفن غير منتشر على الرّغم من تميزه، ومن خلال متابعتي الدقيقة للإنترنت، لم أر نفس عينات العمل الخاصة بي، وقليلون جداً يعملون به، وما يُعرف بشكل أكبر هو فن الموزاييك بأنواعه، سواء في الديكورات أو الجداريات».
وتكشف عن أمنيتها بإيصال فن الرسم بالزجاج المعشق إلى آفاق أبعد، وعمل معرض يضم أعمالها، إذ إنها شاركت فقط في بعض المعارض الجماعية، وتضع أعمالها في بعض الصالات الفنية، لافتة إلى أن المعرض يحتاج لوقت طويل ومجهود كبير.
كما تأمل نوران أن يلقى فن الرسم بالزجاج إقبالا وتقديرا من الجمهور على المستوى المحلي والعربي، وأن تصل بفنها إلى العالمية، عبر تسويق أعمالها إلى أسواق خارجية. وتختتم بالقول: «أتمنى كامرأة مصرية أن يكون لي بصمة خاصة في عالم الفن التشكيلي، وأن أكون قدوة لغيري من الفتيات والسيدات، وأنّ أي امرأة تستطيع فعل أي شيء حتى لو كان صعبا ويفوق قدراتها».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».