«داعش» في طبعته الثانية

التمدد شرقاً نحو أفغانستان وباكستان بداية لمرحلة أصولية جديدة

مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)
مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)
TT

«داعش» في طبعته الثانية

مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)
مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)

في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي وخلال مؤتمر صحافي عقده وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيلرسون» مع نظيره الكويتي صباح الخالد الحمد الصباح، أكد الرجل على أن «داعش» يتهاوى لكنه لم ينته بعد، وأنه لا يزال يشكل تهديداً على المنطقة رغم تحرير الأراضي العراقية من سيطرة التنظيم العام الماضي.
أحد أهم الأسئلة التي تطرح ذاتها في سياق تحليل تصريحات تيلرسون: «هل الرجل يتحدث عن واقع حال أم عن رؤى استشرافية تشارك بلاده في صنعها، بمعنى عدم السماح للتنظيم بأن ينتهي مرة وإلى الأبد، سيما إذا كانت هناك له أدوار لم تتم بعد، وجميعها تصب بالمطلق في صالح الرؤية الأميركية لصبغ القرن الحادي والعشرين بصبغة أميركية مطلقة، مما يستوجب قطع الطريق بنوع خاص على روسيا والصين، وجعل اقترابهما من آفاق القطبية العالمية، أو مشاركة واشنطن النفوذ حول العالم أثراً بعد عن... هل انتهي «داعش» بالفعل أم نحن على مشارف الطبعة الثانية من تنظيم الخلافة؟

إلى أين ذهب {الدواعش}؟
في قراءة أخيرة له يقدم الكاتب والباحث الفرنسي «تييري ميسان» تفكيكاً عددياً لتنظيم داعش الذي بلغ في ذروته نحو 240 ألف مقاتل، 40 ألف أعضاء في الجماعة النقشبندية، وهم جنود سابقون من الجيش العراقي الذين سرحهم بول بريمر، و80 ألف رجل من العشائر السنية في غرب العراق و120 ألف من سليلي المقاتلين اليمنيين، والسؤال هل تبخر هؤلاء دفعة واحدة؟
من الواضح أن هناك قصورا شديدا في وجود آليات لتقييم عدد القتلى في المعارك التي دارت رحاها طوال العامين الماضين، وعليه لا يعرف أحد كم تبقى منهم وإلى أين تسربوا، ومن عمد إلى تسريبهم في جنح الظلام تارة وفي ضوء الشمس تارة أخرى.
على أنه وفي كل الأحوال يمكن القطع بأن فلول «داعش» قد وجدت لها حاضنات إرهابية في عدد من بلاد العالم، فقد سعى إلى الوجود في أفريقيا وبنوع خاص في الشمال الغربي، ودول الساحل وفي العمق.
أما الساحل؛ فليبياً أسوأ مثال بعد فراغ السلطة الذي خلفه سقوط نظام القذافي، وفي قلب أفريقيا بدأ الوجود الداعشي في نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد ومالي، وغالبية تلك الدول تتسم بحضور لجماعات أصولية دخل بعضها مثل «بوكو حرام» في تشبيكات، ولاحقاً أبدى البعض الآخر رغبة في شراكات إلى أن وصل الأمر إلى الولاءات لـ«داعش»، لكن الانتشار الداعشي الأكبر لم يكن بعد في أفريقيا بل إلى مفر آخر.

طريق {الدواعش} إلى آسيا
لا تزال قارة آسيا وستظل طويلاً هي الهدف الأكبر للقوى الغربية والإمبريالية العالمية التي لا تريد لقلب العالم أن ينتقل من بين أياديها إلى الشرق حيث آسيا الصاعدة وبقوة بقيادة الصين لتغيير المشهد العالمي والذي حافظت فيه أوروبا والولايات المتحدة على صدارة العالم، بفعل خمسمائة عام من السيطرة على ثروات الأرض بالاحتلال والاستغلال، وكثيراً بالاحتيال والسطوة ولا يزال نموذج الكابتن «مورجان» قرصان القراصنة هو المثال الأكبر للقوى الغربية.
حين بلور المحافظون الجدد وثيقتهم الأخطر (PNCA) عام 1997 كان الهدف وقف نمو الصين وعدم السماح لروسيا بأن تستيقظ من السبات العميق.
تبلورت الوثيقة عام 2010 في القراءة الاستراتيجية الشهيرة المعروفة باسم «استراتيجية الاستدارة نحو آسيا» وللهدف ذاته، ولتحقيقها كان ولا بد من استخدام الأصوليات الإسلاموية مرة جديدة، لتفخيخ روسيا والصين من الداخل، وقد بدأ هذا السيناريو عبر «الربيع العرب» المكذوب في الشرق الأوسط، وكان الأمل تصعيده إلى شمال وشرق آسيا، غير أن الأميركيين فاتهم أن التاريخ لا يكرر ذاته وإن تشابهت أحداثه، ومع ذلك لم ييأسوا، وها هم يعاودون الكرة من خلال تصعيد الدواعش إلى أفغانستان وباكستان من جديد.

«داعش» خنجر في خاصرة روسيا
هل يمكن أن تضحى أفغانستان «عشاً ربيعياً» جديداً تنطلق منه الهجمات الإرهابية جهة روسيا والصين بترتيب وتدبير أميركيين بنوع خاص؟
من الوهلة الأولى يكاد القارئ يظن أن الأمر هين ويسير ولا يتجاوز استنساخ «طالبان» مرة أخرى لمجابهة الوجود السوفياتي في أفغانستان طوال ثمانينات القرن الماضي.
السؤال المثير للتأمل: هل يعيد الأميركيون تجربتهم ثانية هناك ولهذا تبخر المقاتلون من سوريا والعراق ليظهروا مرة واحدة على الأراضي الآسيوية؟
الجواب عند «أندريه غروزين» رئيس قسم آسيا الوسطى وكازاخستان بمعهد بلدان رابطة الدول المستقلة، وفيه أن كل الدلائل تشير إلى أن الأميركيين يساهمون في تعزيز تنظيم الدولة في أفغانستان بهدف تمكين الأصوليين من التوسع، بما في ذلك على أراضى آسيا الوسطى، سيما وأن عبور المسلحين إلى أفغانستان يجري وفق الطريقة نفسها التي وصلوا فيها إلى العراق وسوريا، مما يعني أن الأميركيين يريدون خلق سوريا إضافية في خاصرة روسيا.

عوامل الجيوبوليتك في الصراع
لفهم أبعاد المشهد قد ينبغي علينا أن نوسع عدسة الرؤية، حيث يتم التأكد من أن الأميركيين قد باتوا في صراع يتجاوز زمن الحرب الباردة، ويكاد يقترب من المواجهة الساخنة مع الروس، ولذلك فإن الصراع الآن في جانب غالب منه صراع جيوبوليتكي، وتاليا عسكري، بمعني حتمية الاقتراب جغرافيا من الأراضي الروسية، وتالياً إعادة ترتيب أوراق الصراع على رقعة الشطرنج.
أما كيف احتدم الصراع، فهذا لم تجرِ به المقادير في يوم وليلة بل يبدأ من عند صحوة روسيا في أوائل الألفية الثالثة على يد فلاديمير بوتين، وصولاً إلى خطابه الأخير قبل بضعة أيام، ذاك الذي اعتبر بمثابة استعراض عضلات قبل الانتخابات الرئاسية، حيث قلب الطاولة كما يقال على الأميركيين، فعوضاً عن أن يكون القرن الحادي والعشرين قرناً أميركياً، رأينا بوتين يتحدث عن أن القرن 21 سوف يشكل موعداً لاعتلاء روسيا مركز الصدارة في العالم، بل وأعلن تحديه للولايات المتحدة بالكشف للمرة الأولى عن إضافات صاروخية جديدة للترسانة الروسية بينها صاروخ قادر على الوصول إلى أي مكان في العالم.
بوتين وفي خطاب «حالة الأمة» أشار إلى أن الدور العسكري الذي تلعبه بلاده على الساحة السورية ساهم في استعراض مدى تقدم القدرات الدفاعية لروسيا أمام العالم، وفي الوقت نفسه كشف عن استقبال الترسانة الروسية الإنتاج الجديد من الصواريخ الثقيلة العابرة للقارات، وصواريخ كروز الموجهة، وأشار تحديداً إلى صاروخ «سارامات» الجديد غير محدود المدى والقادر على بلوغ أي مكان في العالم، ويستطيع حمل عشرة رؤوس نووية وبوزن أكثر من 200 طن، بالإضافة إلى صواريخ «كنيجال» و«أفنجارد» بقدراتهما على تجاوز أضعاف سرعة الضوء. هل كان للأميركيين أن يقفوا صامتين أم أن رؤاهم لروسيا هي التفتيت والتفخيخ من الداخل؟

«داعش» عوضاً عن «طالبان»
مؤخراً كان الرئيس الأميركي «دونالد ترمب» يرسم في الأفق سياسات بلاده القادمة في أفغانستان، مشيراً إلى أنه سيرسل المزيد من الجنود الأميركيين، ويرصد عدة مليارات من الدولارات للعمليات العسكرية المسلحة هناك، فهل الهدف الأميركي الأبعد هو استبدال «طالبان»، تلك الجماعة التي كانت واشنطن وراء نشوئها وارتقائها قبل بضعة عقود، بـ«داعش» التي ظهرت للنور من رحم الغزو الأميركي للعراق في منتصف العقد الأول من القرن الحالي؟
المؤكد أنه لا تزال «طالبان» وحتى الساعة هي الأكثر تأثيراً بما لا يقاس في أفغانستان، إلا أن الداعشيين يستجمعون قوتهم، وفي غضون عامين، كل شيء يمكن أن يتغير جذرياً، ولهذا السبب لا يمكن استبعاد ظهور «داعش» في أفغانستان، سيما وأن هناك حركة مرصودة من قبل الاستخبارات الروسية والصينية تؤكد قيام أجهزة استخباراتية عسكرية أميركية بإرسال المتطرفين من الدواعش، وغيرهم من الجماعات التي تختلف مسمياتها وتتحد في أهدافها عبر القائمين عليهم وهم عادة واحد وليسوا أكثر، وقد أرسلت جماعات «داعش» إلى شبه القارة الهندية، وأفغانستان، وباكستان، والهند، وبنغلاديش وميانمار، كما كشف «زامير كابلوف»، المبعوث الخاص لفلاديمير بوتين إلى أفغانستان.

فرص «داعش» في الانتشار آسيوياً
يعن لنا أن نتساءل هل من فرصة حقيقية لـ«داعش» لأن تحتل المكانة التي كانت لـ«طالبان» ولا تزال في أفغانستان؟
العارفون بخبيئة أمور «داعش» وبحسب فكر «إدارة التوحش» «لأبي بكر ناجي» فإن المرحلة الأولى للتنظيم تهتم وتكرس جهودها لما يعرف بـ«النكاية والإنهاك»، الأمر الذي تحلله بامتياز «جاكلين سذرلاند» عبر مجلة «ريل كلير وورلد»، وتبدو أن تلك المرحلة قد جرت بالفعل عبر لاعبين محليين، فـ«طالبان» كانت في طور الانبعاث في أفغانستان، كما أن الوجود العسكري الأجنبي دائم، لكنه متذبذب، وعلى هذه الخلفية تسبب العنف السياسي والفساد والاقتصاد الراكد في انهيار الفضاء السياسي في أفغانستان... ماذا يعني ذلك لـ«داعش»؟
بلا شك يجعل هذا الوضع من أفغانستان هدفاً عملياً سهلاً، لأن افتقار البلد إلى الديمقراطية والأمن يساعد «داعش» على مفاقمة الانقسامات المجتمعية الموجودة.
والمعروف أن «داعش» لن تبدأ في أفغانستان من نقطة الصفر، فجماعة «إمارة خراسان» تمثل فرع «داعش» على الأراضي الأفغانية، وقد مارس هذا الفرع تكتيكه في كسب أراض في سبع محافظات أفغانية على الأقل.
ومن المشاهد المثيرة للتساؤلات أن العقلية التي رسمت لـ«داعش» في سوريا والعراق ملامح ومعالم معاركها، تكاد تكون هي عينها التي تفعل الفعل نفسه في أفغانستان... ففي العراق وسوريا قامت تكتيكات «داعش» على الاستيلاء على المناطق ذات الحضور التاريخي، مما يقوض بسرعة حدود الدولة الوطنية.
الأمر نفسه نراه يتكرر في أفغانستان، فقد ادعت «إمارة خراسان» سيادتها على منطقة تاريخية تضم أجزاء من أفغانستان وباكستان الزمن الحاضر، وبتحديد الأراضي استناداً لأهميتها التاريخية بالنسبة للإسلام، على عكس حدود الدولة – الأمة، يتعزز هدف «داعش» المتمثل في نزع الشرعية عن مؤسسات أفغانستان وزرع البذور للاستيلاء على كامل البلاد، عبر مخطط تنفذه نواة «داعش» المركزية، أو إن شئت الدقة قل العقول الحقيقية التي تتلاعب بالدواعش كما صانع العرائس في المسرح والذي يحرك الدمى كيفما شاء وآنى له أن يشاء.

باكستان والانتشار {الداعشي}
ظلت باكستان ولعقود طويلة مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالنفوذ الأميركي، وبالتنسيق الاستخباراتي بين الجانبين وقد تحدثت هيلاري كلينتون ذات مرة حين كانت تشغل منصب وزيرة خارجية بلادها عن تلك الروابط والعلاقات وكيف دعمت واشنطن المؤسسة العسكرية والأمنية الباكستانية لصالح مشروعاتها سيما في أزمنة الحرب الباردة.
غير أن ذلك لم يكن ليذهب الشكوك المتبادلة بين الجانبين وقد تعاظمت في الأوقات الأخيرة، وبدا أن دونالد ترمب يستخدم التهديد تجاه باكستان، بأكثر مما يفعل بالوعيد.
المؤكد أنه إذا كانت فكرة «داعش» قد باتت تستهوي عدداً كبيراً من عناصر «طالبان»، فإن باكستان أيضاً تواجه فيها الحكومة الاتحادية والجيش مشكلة كبيرة في بسط سيطرتها هناك، ففي شريط فيديو تم بثه في يناير (كانون الثاني) الماضي على مواقع أصولية، أعلن نحو عشرة من عناصر «طالبان» غالبيتهم من باكستان، الولاء لتنظيم داعش وزعيمه أبو بكر البغدادي وفي أعقاب تلك العملية مارس ترمب في خطابه ضغطاً على باكستان، معتبراً أنها «غالباً ما تشكل ملجأ لعناصر الفوضى والعنف والترهيب»، وأنها ستخسر كثيراً إذا واصلت إيواء مجرمين وإرهابيين يزعزعون أمن أفغانستان المجاورة مشدداً على أن هذا الوضع لا بد وأن يتغير فوراً.
وعليه فإن فرص المكايدة السياسية الباكستانية يمكن أن تتيح للدواعش فرصة للانتقام من الهند، تلك التي يتحدث البعض مؤخراً عن دور أميركي واضح في زخم الأصولية البوذية لملاقاة ومواجهة الأصولية الإسلاموية، وكأن صموئيل هنتنجتون لم يمت بعد، ونظريته عن صراع الحضارات والثقافات لا تزال قائمة ولم تندثر.
الأصابع الخفية التي توجه «داعش»، تنفخ النيران في الأصوليات الإسلاموية القائمة والقادمة في أفغانستان وباكستان استعداداً لخطة الانطلاق إلى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، من جهة، ومحافظات وولايات الصين الفسيحة من جانب آخر، فعلى أراضي أفغانستان وباكستان توجد بالفعل جماعات تتألف أساساً من مهاجرين من جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفياتي، وتعاني دول آسيا الوسطى الضعيفة مشكلات داخلية يمكن أن تضحى الأرضية الأفغانية بنوع خاص مجرد صاعق لتفجيرها.
لكن قائل يذهب إلى أن واشنطن تحارب «داعش» و«القاعدة» في أفغانستان وتلقى هناك «بأم القنابل» فكيف يستقيم القول إنها تعد الدواعش من جديد في جولة مواجهة مضادة لروسيا والصين؟
الخلاصة، كما كان الإخوان المسلمين، ومن بعدهم القاعدة، والآن «داعش»، لن يتخلى الغرب عن أدوات براغماتية أصولية نافعة وناجعة لزخم استراتيجياته للهيمنة على العالم في الحال والاستقبال... من قال إن زمان «داعش» قد ولى وإن تنظيمه قد انهزم؟


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
TT

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)

غداة إعلان باريس مصرع 13 جندياً من مواطنيها، في حادث تحطم مروحيتين عسكريتين في جمهورية مالي الأفريقية، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعلن في مؤتمر صحافي أن بلاده تدرس جميع الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بوجودها العسكري في منطقة الساحل الأفريقي.
في تصريحاته، أكد ماكرون أنه أمر الجيش الفرنسي بتقييم عملياته ضد المسلحين في غرب أفريقيا، مشيراً إلى أن جميع الخيارات متاحة، وموضحاً أن بلاده «ترغب في مشاركة أكبر من قبل حلفائها في المنطقة من أجل مكافحة الإرهاب».

هل يمكن عد تصريحات ماكرون بداية لمرحلة فرنسية جديدة في مكافحة الإرهاب على أراضي القارة السمراء، لا سيما في منطقة دول الساحل التي تضم بنوع خاص «بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد»؟
يتطلب منا الجواب بلورة رؤية واسعة للإشكالية الأفريقية في تقاطعاتها مع الإرهاب بشكل عام من جهة، ولجهة دول الساحل من ناحية ثانية.
بداية، يمكن القطع بأن كثيراً من التحديات الحياتية اليومية تطفو على السطح في تلك الدول، لا سيما في ظل التغيرات المناخية التي تجعل الحياة صعبة للغاية وسط الجفاف، الأمر الذي يولد هجرات غير نظامية من دولة إلى أخرى. وفي الوسط، تنشأ عصابات الجريمة المنظمة والعشوائية معاً، مما يقود في نهاية المشهد إلى حالة من الانفلات الأمني، وعدم مقدرة الحكومات على ضبط الأوضاع الأمنية، وربما لهذا السبب أنشأ رؤساء دول المنطقة ما يعرف بـ«المجموعة الخماسية»، التي تدعمها فرنسا وتخطط لها مجابهتها مع الإرهاب، والهدف من وراء هذا التجمع هو تنسيق أنشطتهم، وتولي زمام الأمور، وضمان أمنهم، من أجل الحد من تغلغل الإرهاب الأعمى في دروبهم.
على أنه وفي زمن ما يمكن أن نسميه «الإرهاب المعولم»، كانت ارتدادات ما جرى لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، من اندحارات وهزائم عسكرية العامين الماضيين، تسمع في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي منطقة الساحل بنوع خاص، ولم يكن غريباً أو عجيباً أن تعلن جماعات إرهابية متعددة، مثل «بوكو حرام» وحركة الشباب وغيرهما، ولاءها لـ«داعش»، وزعيمها المغدور أبي بكر البغدادي.
وتبدو فرنسا، فعلاً وقولاً، عازمة على التصدي للإرهاب القائم والآتي في القارة السمراء، وقد يرجع البعض السبب إلى أن فرنسا تحاول أن تحافظ على مكاسبها التاريخية السياسية أو الاقتصادية في القارة التي تتكالب عليها اليوم الأقطاب الكبرى، من واشنطن إلى موسكو، مروراً ببكين، ولا تود باريس أن تخرج خالية الوفاض من قسمة الغرماء الأفريقية، أي أنه تموضع عسكري بهدف سياسي أو اقتصادي، وفي كل الأحوال لا يهم التوجه، إنما المهم حساب الحصاد، وما تخططه الجمهورية الفرنسية لمواجهة طاعون القرن الحادي والعشرين.
في حديثها المطول مع صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، كانت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، تشير إلى أن فرنسا تقود جهوداً أوروبية لتشكيل قوة عسكرية لمحاربة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في منطقة الساحل الأفريقي، وأن هناك خطوات جديدة في الطريق تهدف إلى تعزيز المعركة ضد العناصر الإرهابية هناك، وإن طال زمن الصراع أو المواجهة.
ما الذي يجعل فرنسا تتحرك على هذا النحو الجاد الحازم في توجهها نحو الساحل الأفريقي؟
المؤكد أن تدهور الأوضاع في الساحل الأفريقي، وبنوع خاص المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، قد أزعج الأوروبيين أيما إزعاج، لا سيما أن هذا التدهور يفتح الأبواب لهجرات غير شرعية لسواحل أوروبا، حكماً سوف يتسرب في الوسط منها عناصر إرهابية تنوي إلحاق الأذى بالقارة الأوروبية ومواطنيها.
يكاد المتابع للشأن الإرهابي في الساحل الأفريقي يقطع بأن فرنسا تقود عملية «برخان 2»، وقد بدأت «برخان 1» منذ اندلاع أولى شرارات الأزمة الأمنية في منطقة الساحل، فقد التزمت فرنسا التزاماً حاراً من أجل كبح جماح التهديد الإرهابي.
بدأت العملية في يناير (كانون الثاني) 2013، حين تدخلت فرنسا في شمال مالي، عبر عملية «سيرفال»، بغية منع الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة من السيطرة على البلاد.
والثابت أنه منذ ذلك الحين، توحدت العمليات الفرنسية التي تضم زهاء 4500 جندي تحت اسم عملية «برخان». وتعمل القوات الفرنسية في هذا الإطار على نحو وثيق مع القوات المسلحة في منطقة الساحل.
ويمكن للمرء توقع «برخان 2»، من خلال تحليل وتفكيك تصريحات وزيرة الجيوش الفرنسية بارلي التي عدت أن دول الساحل الأفريقي تقع على أبواب أوروبا. وعليه، فإن المرحلة المقبلة من المواجهة لن تكون فرنسية فقط، بل الهدف منها إشراك بقية دول أوروبا في مالي بقيادة عملية «برخان 2»، في إطار وحدة مشتركة تدعى «تاكوبا»، بغية مواكبة القوات المسلحة المالية.
ولعل المتابع لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الحالي يرى أن الرجل يكاد ينزع إلى ما مضي في طريقه جنرال فرنسا الأشهر شارل ديغول، ذاك الذي اهتم كثيراً بوحدة أوروبا والأوروبيين بأكثر من التحالف مع الأميركيين أو الآسيويين.
ماكرون الذي أطلق صيحة تكوين جيش أوروبي مستقل هو نفسه الذي تحدث مؤخراً عما أطلق عليه «الموت السريري» لحلف الناتو. وعليه، يبقى من الطبيعي أن تكون خطط فرنسا هادفة إلى جمع شمل الأوروبيين للدفاع عن القارة، وعدم انتظار القوة الأميركية الأفريقية (أفريكوم) للدفاع عن القارة الأوروبية.
هذه الرؤية تؤكدها تصريحات الوزيرة بارلي التي أشارت إلى أن فرنسا تبذل الجهود الكبيرة من أجل أن يكون هناك أوروبيون أكثر في الصفوف الأولى مع فرنسا ودول الساحل. وقد أعلنت الوزيرة الفرنسية بالفعل أن «التشيكيين والبلجيكيين والإستونيين قد استجابوا أولاً، كما أن آخرين حكماً سينضمون إلى عملية (تاكوبا) عندما تصادق برلمانات بلادهم على انتشارهم مع القوات الفرنسية».
لا تبدو مسألة قيادة فرنسا لتحالف أوروبي ضد الإرهاب مسألة مرحباً بها بالمطلق في الداخل الفرنسي، لا سيما أن الخسائر التي تكمن دونها عاماً بعد الآخر في منطقة الساحل قد فتحت باب النقاش واسعاً في الداخل الفرنسي، فقد قتل هناك العشرات من الجنود منذ عام 2013، مما جعل بعض الأصوات تتساءل عن نجاعة تلك العملية، وفرصها في الحد من خطورة التنظيمات الإرهابية، وقد وصل النقاش إلى وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة.
غير أنه، على الجانب الآخر، ترتفع أصوات المسؤولين الفرنسيين، لا سيما من الجنرالات والعسكريين، الذين يقارنون بين الأكلاف والخسائر من باب المواجهة، وما يمكن أن يصيب فرنسا وبقية دول أوروبا حال صمت الأوروبيين وجلوسهم مستكينين لا يفعلون شيئاً. فساعتها، ستكون الأراضي الأوروبية من أدناها إلى أقصاها أراضي شاسعة متروكة من الدول، وستصبح ملاجئ لمجموعات إرهابية تابعة لـ«داعش» و«القاعدة».
ما حظوظ نجاحات مثل هذا التحالف الأوروبي الجديد؟
يمكن القول إن هناك فرصة جيدة لأن يفعل التحالف الفرنسي الأوروبي الجديد حضوره، في مواجهة الإرهاب المتغلغل في أفريقيا، لا سيما أن الهدف يخدم عموم الأوروبيين، فتوفير الأمن والاستقرار في الجانب الآخر من الأطلسي ينعكس حتماً برداً وسلاماً على بقية عموم أوروبا.
ولم يكن الإعلان الفرنسي الأخير هو نقطة البداية في عملية «برخان 2» أو «تاكوبا»، فقد سبق أن أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بمعية رئيس بوركينا فاسو السيد روش كابوريه، وهو الرئيس الحالي للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، إبان مؤتمر قمة مجموعة الدول السبع في بياريتز، إنشاء الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.
وترمي هذه الشراكة مع بلدان المنطقة إلى تعزيز فعالية الجهود المبذولة في مجالي الدفاع والأمن الداخلي، وإلى تحسين سبل تنسيق دعم الإصلاحات الضرورية في هذين المجالين، وتمثل ضرورة المساءلة مقوماً من مقومات هذه الشراكة.
ولا يخلو المشهد الفرنسي من براغماتية مستنيرة، إن جاز التعبير، فالفرنسيون لن يقبلوا أن يستنزفوا طويلاً في دفاعهم عن الأمن الأوروبي، في حين تبقى بقية دول أوروبا في مقاعد المتفرجين ليس أكثر، وربما لمح الفرنسيون مؤخراً من طرف خفي إلى فكرة الانسحاب الكامل الشامل، إن لم تسارع بقية دول القارة الأوروبية في إظهار رغبة حقيقية في تفعيل شراكة استراتيجية تستنقذ دول الساحل الأفريقي من الوقوع لقمة سائغة في فم الجماعات الإرهابية، في منطقة باتت الأنسب ليتخذها الإرهابيون مخزناً استراتيجياً ومنطقة حشد لهم، وفي مقدمة تلك الجماعات مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة تجتمع تحت راية جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وأخرى تابعة لتنظيم داعش على غرار التنظيم الإرهابي في الصحراء الكبرى، التي تقوم بتنفيذ كثير من الهجمات ضد القوات المسلحة في منطقة الساحل، والقوات الدولية التي تدعمها، والتي تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الإبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، المكلفة بدعم تنفيذ اتفاق السلام المنبثق عن عملية الجزائر العاصمة، ودعم جهود إرساء الاستقرار التي تبذلها السلطات المالية في وسط البلاد.
ولعل كارثة ما يجري في منطقة الساحل الأفريقي، ودول المجموعة الخماسية بنوع خاص، غير موصولة فقط بالجماعات الراديكالية على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، فهناك مجموعات أخرى مهددة للأمن والسلام الأوروبيين، جماعات من قبيل تجار المخدرات والأسلحة، وكذا مهربو البشر، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وهذا هاجس رهيب بدوره بالنسبة لعموم الأوروبيين.
على أن علامة استفهام تبقى قلقه محيرة بالنسبة لباريس وقصر الإليزيه اليوم، وهي تلك المرتبطة بالإرادة الأوروبية التي تعاني من حالة تفسخ وتباعد غير مسبوقة، تبدت في خلافات ألمانية فرنسية بنوع خاص تجاه فكرة استمرار الناتو، وطرح الجيش الأوروبي الموحد.
باختصار غير مخل: هل دعم الأوروبيين كافة لعملية «برخان 2» أمر مقطوع به أم أن هناك دولاً أوروبية أخرى سوف تبدي تحفظات على فكرة المساهمة في تلك العمليات، خوفاً من أن تستعلن فرنسا القوة الضاربة الأوروبية في القارة الأفريقية من جديد، مما يعني عودة سطوتها التي كانت لها قديماً في زمن الاحتلال العسكري لتلك الدول، الأمر الذي ربما ينتقص من نفوذ دول أخرى بعينها تصارع اليوم لتقود دفة أوروبا، في ظل حالة الانسحاب من الاتحاد التي تمثلها بريطانيا، والمخاوف من أن تلحقها دول أخرى؟
مهما يكن من أمر الجواب، فإن تصاعد العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة، أو حدوث عمليات جديدة ضد أهداف أوروبية في القارة الأفريقية، وجريان المقدرات بأي أعمال إرهابية على تراب الدول الأوروبية، ربما يؤكدان الحاجة الحتمية لتعزيز توجهات فرنسا، وشراكة بقية دول أوروبا، ويبدو واضحاً أيضاً أن بعضاً من دول أفريقيا استشرفت مخاوف جمة من تعاظم الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، مثل تشاد التي وافقت على تعبئة مزيد من الجيوش في المثلث الحدودي الهش مع النيجر وبوركينا فاسو.