«داعش» في طبعته الثانية

التمدد شرقاً نحو أفغانستان وباكستان بداية لمرحلة أصولية جديدة

مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)
مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)
TT

«داعش» في طبعته الثانية

مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)
مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)

في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي وخلال مؤتمر صحافي عقده وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيلرسون» مع نظيره الكويتي صباح الخالد الحمد الصباح، أكد الرجل على أن «داعش» يتهاوى لكنه لم ينته بعد، وأنه لا يزال يشكل تهديداً على المنطقة رغم تحرير الأراضي العراقية من سيطرة التنظيم العام الماضي.
أحد أهم الأسئلة التي تطرح ذاتها في سياق تحليل تصريحات تيلرسون: «هل الرجل يتحدث عن واقع حال أم عن رؤى استشرافية تشارك بلاده في صنعها، بمعنى عدم السماح للتنظيم بأن ينتهي مرة وإلى الأبد، سيما إذا كانت هناك له أدوار لم تتم بعد، وجميعها تصب بالمطلق في صالح الرؤية الأميركية لصبغ القرن الحادي والعشرين بصبغة أميركية مطلقة، مما يستوجب قطع الطريق بنوع خاص على روسيا والصين، وجعل اقترابهما من آفاق القطبية العالمية، أو مشاركة واشنطن النفوذ حول العالم أثراً بعد عن... هل انتهي «داعش» بالفعل أم نحن على مشارف الطبعة الثانية من تنظيم الخلافة؟

إلى أين ذهب {الدواعش}؟
في قراءة أخيرة له يقدم الكاتب والباحث الفرنسي «تييري ميسان» تفكيكاً عددياً لتنظيم داعش الذي بلغ في ذروته نحو 240 ألف مقاتل، 40 ألف أعضاء في الجماعة النقشبندية، وهم جنود سابقون من الجيش العراقي الذين سرحهم بول بريمر، و80 ألف رجل من العشائر السنية في غرب العراق و120 ألف من سليلي المقاتلين اليمنيين، والسؤال هل تبخر هؤلاء دفعة واحدة؟
من الواضح أن هناك قصورا شديدا في وجود آليات لتقييم عدد القتلى في المعارك التي دارت رحاها طوال العامين الماضين، وعليه لا يعرف أحد كم تبقى منهم وإلى أين تسربوا، ومن عمد إلى تسريبهم في جنح الظلام تارة وفي ضوء الشمس تارة أخرى.
على أنه وفي كل الأحوال يمكن القطع بأن فلول «داعش» قد وجدت لها حاضنات إرهابية في عدد من بلاد العالم، فقد سعى إلى الوجود في أفريقيا وبنوع خاص في الشمال الغربي، ودول الساحل وفي العمق.
أما الساحل؛ فليبياً أسوأ مثال بعد فراغ السلطة الذي خلفه سقوط نظام القذافي، وفي قلب أفريقيا بدأ الوجود الداعشي في نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد ومالي، وغالبية تلك الدول تتسم بحضور لجماعات أصولية دخل بعضها مثل «بوكو حرام» في تشبيكات، ولاحقاً أبدى البعض الآخر رغبة في شراكات إلى أن وصل الأمر إلى الولاءات لـ«داعش»، لكن الانتشار الداعشي الأكبر لم يكن بعد في أفريقيا بل إلى مفر آخر.

طريق {الدواعش} إلى آسيا
لا تزال قارة آسيا وستظل طويلاً هي الهدف الأكبر للقوى الغربية والإمبريالية العالمية التي لا تريد لقلب العالم أن ينتقل من بين أياديها إلى الشرق حيث آسيا الصاعدة وبقوة بقيادة الصين لتغيير المشهد العالمي والذي حافظت فيه أوروبا والولايات المتحدة على صدارة العالم، بفعل خمسمائة عام من السيطرة على ثروات الأرض بالاحتلال والاستغلال، وكثيراً بالاحتيال والسطوة ولا يزال نموذج الكابتن «مورجان» قرصان القراصنة هو المثال الأكبر للقوى الغربية.
حين بلور المحافظون الجدد وثيقتهم الأخطر (PNCA) عام 1997 كان الهدف وقف نمو الصين وعدم السماح لروسيا بأن تستيقظ من السبات العميق.
تبلورت الوثيقة عام 2010 في القراءة الاستراتيجية الشهيرة المعروفة باسم «استراتيجية الاستدارة نحو آسيا» وللهدف ذاته، ولتحقيقها كان ولا بد من استخدام الأصوليات الإسلاموية مرة جديدة، لتفخيخ روسيا والصين من الداخل، وقد بدأ هذا السيناريو عبر «الربيع العرب» المكذوب في الشرق الأوسط، وكان الأمل تصعيده إلى شمال وشرق آسيا، غير أن الأميركيين فاتهم أن التاريخ لا يكرر ذاته وإن تشابهت أحداثه، ومع ذلك لم ييأسوا، وها هم يعاودون الكرة من خلال تصعيد الدواعش إلى أفغانستان وباكستان من جديد.

«داعش» خنجر في خاصرة روسيا
هل يمكن أن تضحى أفغانستان «عشاً ربيعياً» جديداً تنطلق منه الهجمات الإرهابية جهة روسيا والصين بترتيب وتدبير أميركيين بنوع خاص؟
من الوهلة الأولى يكاد القارئ يظن أن الأمر هين ويسير ولا يتجاوز استنساخ «طالبان» مرة أخرى لمجابهة الوجود السوفياتي في أفغانستان طوال ثمانينات القرن الماضي.
السؤال المثير للتأمل: هل يعيد الأميركيون تجربتهم ثانية هناك ولهذا تبخر المقاتلون من سوريا والعراق ليظهروا مرة واحدة على الأراضي الآسيوية؟
الجواب عند «أندريه غروزين» رئيس قسم آسيا الوسطى وكازاخستان بمعهد بلدان رابطة الدول المستقلة، وفيه أن كل الدلائل تشير إلى أن الأميركيين يساهمون في تعزيز تنظيم الدولة في أفغانستان بهدف تمكين الأصوليين من التوسع، بما في ذلك على أراضى آسيا الوسطى، سيما وأن عبور المسلحين إلى أفغانستان يجري وفق الطريقة نفسها التي وصلوا فيها إلى العراق وسوريا، مما يعني أن الأميركيين يريدون خلق سوريا إضافية في خاصرة روسيا.

عوامل الجيوبوليتك في الصراع
لفهم أبعاد المشهد قد ينبغي علينا أن نوسع عدسة الرؤية، حيث يتم التأكد من أن الأميركيين قد باتوا في صراع يتجاوز زمن الحرب الباردة، ويكاد يقترب من المواجهة الساخنة مع الروس، ولذلك فإن الصراع الآن في جانب غالب منه صراع جيوبوليتكي، وتاليا عسكري، بمعني حتمية الاقتراب جغرافيا من الأراضي الروسية، وتالياً إعادة ترتيب أوراق الصراع على رقعة الشطرنج.
أما كيف احتدم الصراع، فهذا لم تجرِ به المقادير في يوم وليلة بل يبدأ من عند صحوة روسيا في أوائل الألفية الثالثة على يد فلاديمير بوتين، وصولاً إلى خطابه الأخير قبل بضعة أيام، ذاك الذي اعتبر بمثابة استعراض عضلات قبل الانتخابات الرئاسية، حيث قلب الطاولة كما يقال على الأميركيين، فعوضاً عن أن يكون القرن الحادي والعشرين قرناً أميركياً، رأينا بوتين يتحدث عن أن القرن 21 سوف يشكل موعداً لاعتلاء روسيا مركز الصدارة في العالم، بل وأعلن تحديه للولايات المتحدة بالكشف للمرة الأولى عن إضافات صاروخية جديدة للترسانة الروسية بينها صاروخ قادر على الوصول إلى أي مكان في العالم.
بوتين وفي خطاب «حالة الأمة» أشار إلى أن الدور العسكري الذي تلعبه بلاده على الساحة السورية ساهم في استعراض مدى تقدم القدرات الدفاعية لروسيا أمام العالم، وفي الوقت نفسه كشف عن استقبال الترسانة الروسية الإنتاج الجديد من الصواريخ الثقيلة العابرة للقارات، وصواريخ كروز الموجهة، وأشار تحديداً إلى صاروخ «سارامات» الجديد غير محدود المدى والقادر على بلوغ أي مكان في العالم، ويستطيع حمل عشرة رؤوس نووية وبوزن أكثر من 200 طن، بالإضافة إلى صواريخ «كنيجال» و«أفنجارد» بقدراتهما على تجاوز أضعاف سرعة الضوء. هل كان للأميركيين أن يقفوا صامتين أم أن رؤاهم لروسيا هي التفتيت والتفخيخ من الداخل؟

«داعش» عوضاً عن «طالبان»
مؤخراً كان الرئيس الأميركي «دونالد ترمب» يرسم في الأفق سياسات بلاده القادمة في أفغانستان، مشيراً إلى أنه سيرسل المزيد من الجنود الأميركيين، ويرصد عدة مليارات من الدولارات للعمليات العسكرية المسلحة هناك، فهل الهدف الأميركي الأبعد هو استبدال «طالبان»، تلك الجماعة التي كانت واشنطن وراء نشوئها وارتقائها قبل بضعة عقود، بـ«داعش» التي ظهرت للنور من رحم الغزو الأميركي للعراق في منتصف العقد الأول من القرن الحالي؟
المؤكد أنه لا تزال «طالبان» وحتى الساعة هي الأكثر تأثيراً بما لا يقاس في أفغانستان، إلا أن الداعشيين يستجمعون قوتهم، وفي غضون عامين، كل شيء يمكن أن يتغير جذرياً، ولهذا السبب لا يمكن استبعاد ظهور «داعش» في أفغانستان، سيما وأن هناك حركة مرصودة من قبل الاستخبارات الروسية والصينية تؤكد قيام أجهزة استخباراتية عسكرية أميركية بإرسال المتطرفين من الدواعش، وغيرهم من الجماعات التي تختلف مسمياتها وتتحد في أهدافها عبر القائمين عليهم وهم عادة واحد وليسوا أكثر، وقد أرسلت جماعات «داعش» إلى شبه القارة الهندية، وأفغانستان، وباكستان، والهند، وبنغلاديش وميانمار، كما كشف «زامير كابلوف»، المبعوث الخاص لفلاديمير بوتين إلى أفغانستان.

فرص «داعش» في الانتشار آسيوياً
يعن لنا أن نتساءل هل من فرصة حقيقية لـ«داعش» لأن تحتل المكانة التي كانت لـ«طالبان» ولا تزال في أفغانستان؟
العارفون بخبيئة أمور «داعش» وبحسب فكر «إدارة التوحش» «لأبي بكر ناجي» فإن المرحلة الأولى للتنظيم تهتم وتكرس جهودها لما يعرف بـ«النكاية والإنهاك»، الأمر الذي تحلله بامتياز «جاكلين سذرلاند» عبر مجلة «ريل كلير وورلد»، وتبدو أن تلك المرحلة قد جرت بالفعل عبر لاعبين محليين، فـ«طالبان» كانت في طور الانبعاث في أفغانستان، كما أن الوجود العسكري الأجنبي دائم، لكنه متذبذب، وعلى هذه الخلفية تسبب العنف السياسي والفساد والاقتصاد الراكد في انهيار الفضاء السياسي في أفغانستان... ماذا يعني ذلك لـ«داعش»؟
بلا شك يجعل هذا الوضع من أفغانستان هدفاً عملياً سهلاً، لأن افتقار البلد إلى الديمقراطية والأمن يساعد «داعش» على مفاقمة الانقسامات المجتمعية الموجودة.
والمعروف أن «داعش» لن تبدأ في أفغانستان من نقطة الصفر، فجماعة «إمارة خراسان» تمثل فرع «داعش» على الأراضي الأفغانية، وقد مارس هذا الفرع تكتيكه في كسب أراض في سبع محافظات أفغانية على الأقل.
ومن المشاهد المثيرة للتساؤلات أن العقلية التي رسمت لـ«داعش» في سوريا والعراق ملامح ومعالم معاركها، تكاد تكون هي عينها التي تفعل الفعل نفسه في أفغانستان... ففي العراق وسوريا قامت تكتيكات «داعش» على الاستيلاء على المناطق ذات الحضور التاريخي، مما يقوض بسرعة حدود الدولة الوطنية.
الأمر نفسه نراه يتكرر في أفغانستان، فقد ادعت «إمارة خراسان» سيادتها على منطقة تاريخية تضم أجزاء من أفغانستان وباكستان الزمن الحاضر، وبتحديد الأراضي استناداً لأهميتها التاريخية بالنسبة للإسلام، على عكس حدود الدولة – الأمة، يتعزز هدف «داعش» المتمثل في نزع الشرعية عن مؤسسات أفغانستان وزرع البذور للاستيلاء على كامل البلاد، عبر مخطط تنفذه نواة «داعش» المركزية، أو إن شئت الدقة قل العقول الحقيقية التي تتلاعب بالدواعش كما صانع العرائس في المسرح والذي يحرك الدمى كيفما شاء وآنى له أن يشاء.

باكستان والانتشار {الداعشي}
ظلت باكستان ولعقود طويلة مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالنفوذ الأميركي، وبالتنسيق الاستخباراتي بين الجانبين وقد تحدثت هيلاري كلينتون ذات مرة حين كانت تشغل منصب وزيرة خارجية بلادها عن تلك الروابط والعلاقات وكيف دعمت واشنطن المؤسسة العسكرية والأمنية الباكستانية لصالح مشروعاتها سيما في أزمنة الحرب الباردة.
غير أن ذلك لم يكن ليذهب الشكوك المتبادلة بين الجانبين وقد تعاظمت في الأوقات الأخيرة، وبدا أن دونالد ترمب يستخدم التهديد تجاه باكستان، بأكثر مما يفعل بالوعيد.
المؤكد أنه إذا كانت فكرة «داعش» قد باتت تستهوي عدداً كبيراً من عناصر «طالبان»، فإن باكستان أيضاً تواجه فيها الحكومة الاتحادية والجيش مشكلة كبيرة في بسط سيطرتها هناك، ففي شريط فيديو تم بثه في يناير (كانون الثاني) الماضي على مواقع أصولية، أعلن نحو عشرة من عناصر «طالبان» غالبيتهم من باكستان، الولاء لتنظيم داعش وزعيمه أبو بكر البغدادي وفي أعقاب تلك العملية مارس ترمب في خطابه ضغطاً على باكستان، معتبراً أنها «غالباً ما تشكل ملجأ لعناصر الفوضى والعنف والترهيب»، وأنها ستخسر كثيراً إذا واصلت إيواء مجرمين وإرهابيين يزعزعون أمن أفغانستان المجاورة مشدداً على أن هذا الوضع لا بد وأن يتغير فوراً.
وعليه فإن فرص المكايدة السياسية الباكستانية يمكن أن تتيح للدواعش فرصة للانتقام من الهند، تلك التي يتحدث البعض مؤخراً عن دور أميركي واضح في زخم الأصولية البوذية لملاقاة ومواجهة الأصولية الإسلاموية، وكأن صموئيل هنتنجتون لم يمت بعد، ونظريته عن صراع الحضارات والثقافات لا تزال قائمة ولم تندثر.
الأصابع الخفية التي توجه «داعش»، تنفخ النيران في الأصوليات الإسلاموية القائمة والقادمة في أفغانستان وباكستان استعداداً لخطة الانطلاق إلى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، من جهة، ومحافظات وولايات الصين الفسيحة من جانب آخر، فعلى أراضي أفغانستان وباكستان توجد بالفعل جماعات تتألف أساساً من مهاجرين من جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفياتي، وتعاني دول آسيا الوسطى الضعيفة مشكلات داخلية يمكن أن تضحى الأرضية الأفغانية بنوع خاص مجرد صاعق لتفجيرها.
لكن قائل يذهب إلى أن واشنطن تحارب «داعش» و«القاعدة» في أفغانستان وتلقى هناك «بأم القنابل» فكيف يستقيم القول إنها تعد الدواعش من جديد في جولة مواجهة مضادة لروسيا والصين؟
الخلاصة، كما كان الإخوان المسلمين، ومن بعدهم القاعدة، والآن «داعش»، لن يتخلى الغرب عن أدوات براغماتية أصولية نافعة وناجعة لزخم استراتيجياته للهيمنة على العالم في الحال والاستقبال... من قال إن زمان «داعش» قد ولى وإن تنظيمه قد انهزم؟


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».