«حافلة لندن» في شوارع القاهرة بحلة مختلفة

تربط الأحياء الجديدة والتجمعات السكنية بقلب العاصمة

حافلة نقل بطابقين للمرة الأولى في  القاهرة
حافلة نقل بطابقين للمرة الأولى في القاهرة
TT

«حافلة لندن» في شوارع القاهرة بحلة مختلفة

حافلة نقل بطابقين للمرة الأولى في  القاهرة
حافلة نقل بطابقين للمرة الأولى في القاهرة

شهدت شوارع القاهرة، أول من أمس، تسيير حافلات نقل عام، بطابقين، للمرة الأولى في تاريخ العاصمة المصرية المكتظة، واستقبل كثير من المواطنين تشغيل الحافلات الجديدة بحفاوة، خصوصاً المقيمين في المناطق التي تمرّ منها الخطوط الجديدة، لكنّ خبراء مرور ونقل مصريين، قللوا من فائدة هذه التجربة، وقالوا إنها لن تُسهِم في تخفيف أزمات النقل، داخل شوارع «أكثر المدن ازدحاماً حول العالم»، لعدم تخصيص مسارات موحَّدة لتلك الحافلات، مما يؤدي إلى عدم تقليل مدة التقاطر أو ثباتها، لأنها ستغرق في الزحام، مثل بقية السيارات الأخرى، بحسب وصفهم.
من جانبه، قال عاطف عبد الحميد، محافظ القاهرة: «نقوم بمراعاة توفير أفضل خدمة لراحة المواطن، ومواكبة أنظمة الحياة الحديثة في هذه النوعية من الحافلات التي تتميز بخدمة تكييف الهواء، ونظام التهوية الجيدة، بهدف استيعاب أكبر عدد من الركاب، على أن يتم الدفع بحافلات المرحلة الأولى، لتخدم المحاور ذات كثافة الركاب المرتفعة، ولربط المناطق العمرانية الجديدة، مثل القاهرة الجديدة (شرق القاهرة)، والتجمعات بقلب العاصمة، كما تم تحديد مسارات الحافلات الجديدة لتتفادى الكباري والأنفاق، نظراً لارتفاع الحافلة».
وأضاف عبد الحميد: «إن هذه الانطلاقة الجديدة، التي تشهدها هيئة النقل العام لأول مرة في تاريخها، تأتي في إطار خطة المحافظة والحكومة في دعم منظومة النقل العام، وتحديث أسطول الهيئة من أجل القضاء على ظاهرة الازدحام، حيث شهدت خلال العامين الماضيين ضخ ودخول 1750 سيارة جديدة الخدمة».
يُشار إلى أن هيئة النقل العام بالقاهرة قد اختارت عدداً من السائقين ذوي الخبرة العالية، لقيادة تلك النوعية من الحافلات الجديدة، بعد اجتيازهم دورات تدريبية على قيادة الحافلات.
بدوره، أوضح اللواء رزق علي رئيس هيئة النقل العام بالقاهرة، أنه تمت الموافقة على بدء تشغيل حافلات المرحلة الأولى لخدمة خطين جديدين؛ الأول ينطلق من التجمع الثالث، وصولاً إلى المرج شرق القاهرة، بمسافة 38 كلم، فيما يبدأ الخط الثاني من محطة الجامعة الأميركية بالقاهرة الجديدة، حتى منطقة حدائق القبة، مروراً، بشارع التسعين، ومحور المشير، ومحور الشهيد، بمسافة 31 كلم.
وأضاف علي في بيان صحافي: «من ضمن خطوات تحديث المنظومة التي تنتهجها الهيئة، انطلاق تشغيل نظام مشروع التتبع الإلكتروني لأوتوبيسات الهيئة خلال مايو (أيار) المقبل، بهدف المساهمة في تحديد زمن التقاطر، والسيطرة على السائق، لإلزامه بالسرعات المقررة، وخط السير المحدد له، وعدم السير في اتجاه خاطئ».
وبلغ إجمالي قيمة حافلات الدفعة الأولى، ذات اللونين الأخضر والأصفر (12 أتوبيساً)، نحو 28 مليون جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 17.6 جنيه مصري). ويُتوقَّع أن يتم تشغيل المرحلة الثانية (28 حافلة) بنهاية العام الحالي. وتتسع الحافلة الواحدة منها لـ71 راكباً، مقسمة على دورين؛ الدور الأول يسع 17 راكباً، والثاني 54 راكباً، وتم تحديد سعر تذكرة الركوب بـ5 جنيهات.
وأبدى عدد من الركاب سعادتهم، وقال محمد سعيد يقيم في منطقة التجمع الخامس لـ«الشرق الأوسط»: «سعيد بهذه النقلة النوعية، التي تأخرت كثيراً، بعدما سبقتنا إليها محافظة الإسكندرية منذ عدة سنوات».
وعلق أحمد عبد المنعم مهندس، ومقيم بمنطقة حدائق القبة، قائلاً: «حدث تاريخي، ومهم، لكني أتمنى أن يخصصوا حافلات سياحية مكشوفة، مثل حافلات لندن والإسكندرية».
إلى ذلك، انتقد اللواء يسري الروبي، خبير المرور الدولي، تسيير الحافلات الجديدة، دون وضع قواعد وبنية تحتية في الشوارع والطرق، لضمان سهولة سيرها داخل شوارع القاهرة المكتظة بالسيارات، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «حافلات النقل العام الكبيرة، في العواصم الكبيرة تسير في حارات مخصصة، وتتوقف في محطات مرتفعة عن سطح الشارع، لضمان عدم نزول وركوب الركاب بين المحطات، لكن الحافلات الجديدة ذات الأجرة المرتفعة عن بقية المواصلات الأخرى، ستكون مثل القديمة، عندما يتوقف سائق الحافلة في تقاطع مزدحم، أو إشارة مرورية بمنطقة مكتظة، ستتوقف الحافلة الجديدة بجوار (توك توك) مثلاً، وبالتالي فإن اختلافها عن بقية وسائل النقل الأخرى غير موجود».
ولفت الروبي إلى مشكلة تعدد ألوان وسائل النقل الجماعي في القاهرة، قائلاً: «لا توجد عاصمة كبيرة في العالم بها ألوان حافلات مثل الموجودة بالقاهرة، (أحمر، وأزرق، وأخضر، وأبيض، وأصفر)، هذا غير مفهوم على الإطلاق، ويجب توحيد لون وسائل النقل العام، للتسهيل على المواطنين والسياح مثل بقية الدول الأخرى».
وتابع الروبي قائلاً: «الحافلات الجديدة لا توجد بها أي ميزة جديدة، وتشبيهها بحافلات لندن غير صحيح، لأن حافلات لندن تسير في مسار واحد، لا يجرؤ أحد على اختراقه حتى في أوقات الذروة، لمحاولة الحفاظ على مدة التقاطر، لكن في القاهرة، يصعب تطبيق التجربة، إلا إذا أنشأت محافظة القاهرة مسارات إجبارية، محاطة بالحواجز الإسمنتية لحافلات النقل العام، ليتم الاعتماد عليها في التنقل مثل مترو الأنفاق».
وأوضح أن «ارتفاع حجم الحافلات ذات الطابقين سيتسبب في منعها من السير داخل الأنفاق، أو أسفل الكباري القديمة، وستتكبد مزيداً من الوقت لتفادي ذلك».
جدير بالذكر، أن نسبة المكون المحلي المصري في هذه الحافلات الجديدة بلغت 65 في المائة، وهى نسبة كبيرة، قياساً بنسب المكونات الحالية المستخدمة في صناعة السيارات في مصر بشكل عام، وحصلت الشركة المصنعة للحافلات «كسطور» على علامة «بكل فخر صنع في مصر»، حيث تتم جميع مراحل تصنيع الحافلات ذات الطابقين داخل مصر.
يشار إلى أنه قد نجحت شركة «MCV» المصرية لصناعة السيارات، في تصدير حافلات بطابقين إلى بريطانيا منذ عامين، طبقاً للمواصفات الفنية لحافلان لندن الشهيرة، حيث يعمل بمحرك هجين، وبنظام «Hybrid system» أي يعمل بالديزل والكهرباء في الوقت ذاته، ويطابق معايير الانبعاثات الأوروبية، ضمن صفقة كبيرة تستمر لعدة سنوات.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».